سياسة دولية

قانون الجمعيات الأهلية بمصر بين الحل والتكبيل والمراقبة

حقوقيون: كثير من مواد القانون الجديد تفتح الباب أمام سيطرة الحكومة على العمل الأهلي- جيتي
حقوقيون: كثير من مواد القانون الجديد تفتح الباب أمام سيطرة الحكومة على العمل الأهلي- جيتي

أرجأ رئيس مجلس النواب المصري، علي عبد العال، فض دور الانعقاد الحالي لحين الانتهاء من قانون الجمعيات الأهلية الجديد المثير للجدل، الأسبوع المقبل.

وأبدت منظمات وجمعيات أهلية وحقوقية محلية ودولية قلقها بشأن بعض المواد التي تكبل العمل الأهلي والحقوقي، وتمنح السلطات سيطرة واسعة عليها.

وقال حقوقيون وسياسيون، في تصريحات لـ"عربي21"، إن كثيرا من مواد القانون الجديد تفتح الباب أمام سيطرة الحكومية على العمل الأهلي، والتضييق على عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، وتثير قلق المجتمع الدولي.

ويتضمن القانون الحالي رقم 70 لسنة 2017 فرض عقوبة الحبس التي تصل إلى 5 سنوات لكل من أنشأ جمعية لممارسة أنشطة محظورة، ولكل من تلقى أو أرسل أموالا من أو إلى جهة أجنبية بالمخالفة للقانون، ولكل من امتنع عمدا عن تمكين وزارة التضامن من متابعة وفحص أعمال الجمعية، ولكل من نقل مقر الجمعية إلى مكان غير المخطر به.

"تكبيل وتضييق"


لكن القانون الحالي يحظر على الجمعيات ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي، وهي ألفاظ فضفاضة يمكن استخدامها لوصف العديد من الفعاليات والأنشطة، واعتبارها تهدد النظام العام والأمن القومي.

كما تجيز مادة أخرى لوزير التضامن الاجتماعي أن يصدر أمرا بإيقاف نشاط الجمعية أو إلغاء تصريحها، وذلك لأسباب تتعلق بتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام"، وذلك من دون اللجوء إلى القضاء.

ووفق القانون الجديد، تخضع المنظمات الأجنبية لإشراف الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي، بدلا من الجهاز المركزي المشرف على المنظمات الأجنبية، وستختص بالإشراف والرقابة على الجمعيات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويين المحلي والإقليمي والدولي.

"تأميم العمل الأهلي"


وصف مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، القانون بأنه "قانون تأميم العمل الأهلي، قائلا: "قانون الجمعيات هو القوانين سيئة السمعة التي أرد النظام بها تأميم العمل الأهلي في مصر والسيطرة عليه... خاصة بعد مرحلة من عمل للمؤسسات تفوقت فيها على بعض الأجهزة التابعة للدولة".

وأضاف لـ"عربي21": "لذلك كانت الرغبة الدائمة في إصدار ذلك القانون، وعلى الرغم من السلبيات التي ظهرت في نسخته الأولى، والتي لاقت انتقادات واسعة، إلا أن النظام ما زال يصر على المواد التي تكرس تدخل الدولة في عمل المؤسسات الأهلية".

وأكد أن الهدف من القانون الجديد "ليس نسف فكرة عمل الجمعيات الأهلية، لكنها أكبر من ذلك، وهي تأميم العمل الأهلي كله، وحصر كل صور النشاط فيه".

"أفضل من سابقه"


يقول مدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، المحامي نجاد البرعي، لـ"عربي21": إن "مشروع القانون الجديد لا يرقى للقانون المثالي، الذي كنا نتطلع إليه، ولكن لا يوجد شيء كامل، وهناك سلبيات وإيجابيات، ولا نعلم أيهما سيذهب وأيهما سيبقى".

ورأى أن "النسخة التي أمام البرلمان أفضل من النسخة الأولى، التي تضمنت مواد لم تحظى بموافقة الجميع، ومن وجهة نظري أرى الأمور تسير بشكل أفضل عما كانت عليه قبل ذلك، وهناك رغبة بأن يكون أفضل من القانون الماضي".

"قانون المضطر"


السياسي المصري، البرلماني السابق، نزار محمود غراب، أكد بدوره أن أي قانون يتعلق بعمل الجمعيات الأهلية سيكون الهدف منه "وضعه تحت المجهر الأمني"، قائلا: "الدولة والإقليم والشعب في نظام 30 يونيو، لا بد أن يكون الجميع تحت سيطرة قبضة الدوائر الأمنية".

مضيفا لـ"عربي21"، أن "أي نظام عسكري قمعي يقوم على أساس الأمن وليس العدل لا توجد فيه جمعيات ولا أحزاب ولا مؤسسات مجتمع مدني إلا وجودا شكليا زائفا"، مشيرا إلى أن إحكام القبضة أو تخفيفها ليس قاعدة جامدة، بل متغيرة تبعا للظرف السياسي".

وإذا ما كان السيسي اضطر تحت الضغوط الخارجية للتراجع عن القانون في نسخته الأولى، قال: "ربما تراجع السيسي أو تقدمه على مقياس تمكين الحقوق والحريات تبعا لحسابات شعوره بالسيطرة، ودور الغرب والاستجابة لبرامجه ورؤاه في الإصلاح هامشي، في النهاية المصالح السياسية والاقتصادية للغرب مقدمة على أي عملية إصلاحية".

واختتم حديثه بالقول: "نلاحظ عدم فعالية الغرب في أي ملف إصلاحي، بداية من حقوق الإنسان، ومرورا بمؤسسات المجتمع المدني، ونهاية بالديمقراطية وتداول السلطة".

 

10 منظمات ترفض مشروع القانون

 

وأعربت 10 منظمات حقوقية مصرية عن رفضها الكامل لمشروع قانون العمل الأهلي.


وأوضحوا، في بيان مشترك لهم، الخميس، وصل "عربي21" نسخة منه، أن "المشروع الجديد ما هو إلا إعادة تسويق القانون القمعي الذي يحمل الفلسفة العدائية لمنظمات المجتمع المدني؛ بهدف إخضاعها للأجهزة الأمنية".


وحثت المنظمات "كافة الأطراف -بما في ذلك المجتمع الدولي- بعدم الترحيب بمشروع القانون الجديد، والضغط من أجل مزيد من الإصلاحات".


وطالبوا بالعودة لمشروع قانون وزير التضامن الاجتماعي السابق، أحمد البرعي، الذي شهد مشاورات ومشاركة واسعة ضمت أطياف مختلفة من منظمات المجتمع المدني، وبمشاركة عدة وزارات.


وأكدوا أن "إلغاء العقوبات في قانون الجمعيات يستتبع بالضرورة تنقيح العديد من القوانين الأخرى، وعلى رأسها قانون العقوبات وقوانين الإرهاب والكيانات الإرهابية، التي تجرم عمل المنظمات غير الحكومية والمدافعين عن حقوق الإنسان".


ونوهت المنظمات إلى أنه عند النظر إلى مشروع القانون المعروض على البرلمان لا يتعين مقارنته بالقانون الحالي 70 لسنة 2017، حيث إنه هو الأسوأ على الإطلاق، ولا يصلح للمقارنة".


وأردفت: "يمكننا القول إن مشروع القانون الحالي هو أسوأ من قانون الجمعيات السابق رقم 84 لسنة 2002، ويتعارض مع مواد الدستور والتزامات مصر الدولية، بما في ذلك التوصيات التي استقبلتها مصر خلال الدورة الثانية للاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر 2014".


ووقع على البيان: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وكوميتي فور چستس، ومبادرة الحرية، ومركز النديم، ومركز عدالة للحقوق والحريات، ومؤسسة بلادي للحقوق والحريات، ومؤسسة حرية الفكر والتعبير، والمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

التعليقات (0)