قضايا وآراء

سوريا و"صفقة القرن": موسكو تتولى الأمر

جلال سلمي
1300x600
1300x600
كان من اللافت خلال عقد مؤتمر المنامة الذي رمى منظموه لعرض مشاريع اقتصادية؛ تهدف لخلق سلام اقتصادي يعقبه سلام سياسي في منطقة الصراع العربي- "الإسرائيلي"، غياب سوريا وذكرها بالكامل، وكأنها أضحت غير موجودة على الخريطة. وبالرغم من وجود قضية الجولان بينها وبين الاحتلال، ووجود مسألة تقاسم حقول الغاز الطبيعي في حوض شرق البحر المتوسط أيضا.

غير أن ضم ترامب الجولان لدولة الاحتلال، ومن ثم اجتماع مستشاري الأمن القومي الروسي والأمريكي و"الإسرائيلي" في تل أبيب، يوحيان بأن واشنطن والاحتلال باتا ينظران إلى سوريا على أنها "دولة فاشلة" بلا سلطة حقيقية، وبالتالي أضحيا يتحركان لتنسيق الأمور مع الدول الكبرى، دون الالتفات لموقف نظام الأسد.

الصفقة التي شملت إنشاء صندوق استثمار عالمي يحتضن 50 مليار دولار لتمويل مشاريع في الأراضي الفلسطينية ودول الجوار (مصر، لبنان، الأردن)؛ لم تأت أبدا على ذكر سوريا التي لم يُعبر نظامها، كما العادة، عن موقفه الرافض لهذا المؤتمر، انطلاقا من دعايته السياسية التي تقوم على "تخندقه ضمن محور المقاومة والممانعة".

إن السبب الأساسي وراء انخفاض أهمية سوريا، سياسيا وجغرافيا، بالنسبة لقضايا المنطقة، يكمن في فقدان النظام السوري لقراره السياسي والسيادي، وإمساك موسكو بزمام الأمور، بل وتنسيقها لعدد من القضايا المصيرية لسوريا مع واشنطن وتل أبيب، دون الاكتراث برأي أو سيادة النظام السوري أو مؤسساته (إن وُجدت)، حيث لعبت موسكو دورا هاما في التنقيب عن رفات جنود الاحتلال في اليرموك وغيره من المناطق، وأبرمت، مسبقا، اتفاقا مع تل أبيب حول أمن الجولان. وأخيرا، اجتمع مستشار أمنها القومي مع نظيريه الأمريكي و"الإسرائيلي" في تل أبيب، لتقرير عدة أمور استراتيجية مُتعلقة بمستقبل سوريا، وبالأخص مسألة الوجود الإيراني.

لقد بات من البديهي اعتبار موسكو هي عاصمة الشأن السوري ووكيلته الأساسية، لذا، على الأرجح، حرصت واشنطن على عدم الإتيان على الملف الذي قد يُزعج الطرف الروسي؛ الذي تحاول تل أبيب إقناعه بحقها في التنقيب عن خيرات الغاز الطبيعي في "بلوك 9" في المتوسط، ذلك البلوك الذي يقع على الحدود البحرية مع لبنان، حيث تُحاول تل أبيب مطالبة موسكو بعدم دفع شركاتها نحو هذا البلوك، بمعنى أن تجنب الطرفين الأمريكي و"الإسرائيلي" للجغرافية السورية وابتعادهما عن ذكرها سياسيا، يأتي في إطار اعتبار سوريا دولة قريبة لتكون "دولة فاشلة" يمكن نزع أي شيء منها بكل سهولة، كما حدث في مسألة الجولان، مع رغبتهما في إحراز سياسة تبادل مصالح مع الجانب الروسي.

ومن جانبه، يحرص الجانب الروسي على لجم النظام السوري بالحديد لصده (في حال دفعته طهران)، عن أي توجه قد يؤثر سلبا على أمن ومصالح تل أبيب، انطلاقا من رغبته في إسراع حركة الاستقرار في سوريا، لا سيّما في ظل فرض واشنطن، عبر قانون "قيصر"، عقوبات اقتصادية تمنع عملية إعادة الإعمار، وركونا إلى رغبته الشديد في الاستفادة من الاستثمار في حقول الغاز في منطقة حوض شرق البحر المتوسط. إذ يُقدر احتياطي حقول الغاز بـ122 تريليون متر مكعب، تتوزع على المياه الإقليمية لكلٍ من أراضي السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" وقبرص ومصر وسوريا ولبنان.

حتى وقتنا الحالي، لم توقع كل من سوريا وتركيا و"إسرائيل" على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ما يجعل الجانب الروسي وحتى الجانبين الأمريكي و"الإسرائيلي"، في تخوف من تحول هذا إلى عامل يؤسس لخلاف إقليمي في المتوسط، حيث يُشير قانون البحار إلى أن المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل دولة هي 200 ميل، وعليه يحدث حالة من التداخل بين مناطق دول الإقليم الاقتصادية التي يُصبح تحديدها غير ممكن إلا من خلال اتفاقات توافقية بين الدول ذات العلاقة، الأمر الذي يجعل الجانب الروسي متعاونا مع الجانبين الأمريكي و"الإسرائيلي"، سعياً للتوافق من خلال مقايضة الأوراق.

في الختام، تحولت سوريا تحت حكم نظام الأسد بمثابة الدولة النكرة الأقرب لحالة "الدولة الفاشلة"؛ التي فقدت السيادة وتحولت لدولة خاضعة لإرادة دول كبرى تُرتب شؤونها وفقا لمصالح هذه الدول، على حساب حقوق سوريا ومصالحها الوطنية، ما جعل تجاهل سوريا التي كانت محور مفاوضات السلام عام 1991، أمرا طبيعيا.
التعليقات (3)
أحمد محمد
الثلاثاء، 23-07-2019 08:19 م
معلومات حسن الشاغل مغلوطة جداً.. والمقال بدون أخطاء.. قانون البحار يشير إلى 200 ميل، ودراسة للجزيرة تؤكد صحة الأرقام الواردة. وحسب الدراسة البلوك 9 فيه نفط وغاز، كما أن الدراسة تشير إلى احتياطي مُتوقع على المدى الاستراتيجي. https://www.un.org/depts/los/convention_agreements/texts/unclos/unclos_a.pdf http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/04/180419092055183.html
حسن الشاغل، متخصص بأمن الطاقة
الثلاثاء، 23-07-2019 02:10 م
بداية شكرا على المقال الجديد، ولكن هناك عدة ملاحظات ارجو النظر بها: 1. حسب المسح الجيولوجي لا تقع امام السواحل السورية اي كميات كبيرة من موارد الطاقة (غاز او نفط) 2. المنطقة الاقتصادية الخالصة هي امتداد 180 كم 3. بالنسبة ل بلوك 9 يتواجد به البترول وليس الغاز 4 والأهم انه لا يوجد ارقام حقيقية لاحتياطات هذه المنطقة كما ذكرت 122 ترليون متر مكعب ، هل تعلم صديقي ان هذا الرقم يساوي هو أكبر من احتياطات 3 دول وهي روسيا التي تمتلك 33 ترليون، وإيران 32 ترليون و قطر 28 ترليون .
سماح
الثلاثاء، 23-07-2019 01:33 م
جميل ..

خبر عاجل