صحافة دولية

السياسة الراديكالية للمستقبليين والفاشيين وحال العالم اليوم

الفاشية
الفاشية
نشرت صحيفة "إيكونوميست" البريطانية حوارا مع المؤرخ البريطاني فيليبي فرنانديز أرميستو، حول عوامل نشأة الأفكار السائدة في مجتمعنا اليوم، والتناقض الفكري بين مختلف التيارات الاجتماعية والسياسية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الكثير من الحقائق القائمة اليوم في عالمنا هي نتاج لأفكار كانت في البداية موجودة فقط في عقل الإنسان. ولطالما كانت هذه الأفكار متناقضة، بين من يرى أن استعباد البشر أمر مقبول، ومن يعتبره تصرفا مشينا.

وأوضحت الصحيفة أن تاريخ ظهور وتطور هذه المواضيع مثلت قوام كتاب المؤرخ البريطاني فيليبي فرنانديز أرميستو الأخير "من عقولنا: تاريخ ما نفكر فيه وكيف نفكر فيه". ويغطي هذا الكتاب مجموعة من المواضيع، من مشاغل إنسان ما قبل التاريخ، إلى مشاغل عصر الذكاء الاصطناعي، كما يركز على ظهور الحقيقة العلمية والديمقراطية.

وذكرت الصحيفة أن هذا الكاتب يتحدث في مؤلفه الجديد عن حالة الغليان الفكري التي يشهدها المجتمع منذ فترة ما بعد الحرب العالمية. ويتناول الكاتب عدة مواضيع، مثل سياسات المناورة والتلاعب واستخدام الخطابات القاسية، والتبسيط المبالغ فيه لبعض المفاهيم، فضلا عن الأفكار الخيالية التي تجتذب الجماهير الباحثة عن حلول لمشاكلها.

وفي هذا الكتاب، يتطرق المؤرخ البريطاني إلى جذور ظهور التيار المستقبلي وصعود الفاشية، ويقول: "رغم أن الفاشيين والشيوعيين كانوا يكرهون بعضهم ويخوضون المعارك، فإن التيارين في الواقع كانا يتفقان على أن أهم شرط من أجل التقدم نحو الأمام هو القضاء على الماضي".

ويعتبر هذا المؤرخ أن الفاشية كانت مجرد انحياز سياسي لصالح مفاهيم السلطة والنظام والدولة والحرب. ويكون ذلك ممكنا من خلال مجموعة قيم تضع المجموعة قبل الفرد، والسلطة قبل الحرية، والوحدة قبل التنوع، والانتقام قبل المصالحة، والعقاب قبل التعاطف، وسطوة الأقوى قبل نصرة الضعيف.

في فترة ما بين الحربين، كان المفكرون يعتقدون أن هتلر مجرد مهرج، واليوم أيضا ينظر إلى ترامب وبوريس جونسون على أنهما يمارسان التهريج بشكل كوميدي. أما فيما يخص العنصرية، فإنها باتت متواجدة بشكل مثير للحيرة، إلا أن تأثيراتها باتت أقصر زمنا وأشد فظاظة مما كانت عليه في الفترة السابقة. 

وأشار هذا المؤرخ إلى أن ما نشهده اليوم من تطورات يذكّرنا بالتيارات القومية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، حينما سعت الدول إلى تجاوز كل الاختلافات الثقافية، وشنت حربا على التنوع الثقافي، وكانت رسالتها واضحة "إما الاندماج أو المغادرة".

أما بالنسبة للأخبار الكاذبة التي تروج اليوم، فإنها كانت دائما موجودة، ولكن الناس اليوم باتوا أكثر قابلية للتعرض للخداع، لأن معدلات الذكاء النقدي انخفضت لديهم بسبب الأنظمة التعليمية السيئة. ويبدو أن هذه التحديات التي تشهدها قيم النظام العالمي هي فعلا ظواهر مؤقتة، إلا أن الأشياء المؤقتة يمكن أن تستمر لآلاف السنين.

وأشارت الصحيفة إلى أن البشر عبر التاريخ قبلوا العبودية، ثم بعد ذلك اتفقوا على أنها خطأ، كما كانت المجتمعات تنظر للمرأة على أنها كائن أقل من الرجل، ثم بدأت هذه الفكرة تختفي. ويقود هذا الأمر إلى التساؤل حول الظروف والعوامل التي تسمح باجتثاث الأفكار السيئة من عقل الإنسان، وما الذي يجعل الناس يصبحون أفضل.

من جهته، يرى فرنانديز أرمستو أن الأفكار ليست دائما سيئة بالنسبة لمن يؤمنون بها، إذ إن العبودية والتفاوت بين الجنسين تبدو أفكارا غير مقبولة بالنسبة لنا، ولكن يمكننا أن نفهم لماذا أغلب الناس وفي أغلب الثقافات وافقوا عليها. ويعزى ذلك بشكل عام إلى أن الرجال كانوا يعملون وينفقون على النساء، في حين كان العبيد مجرد أسرى حرب لم تتح أمامهم خيارات أفضل.

ومن أجل تحدي هذه الأفكار بشكل فعال، يجب ألا يبدأ التغيير في عقول الناس، بل في السياقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. إذ إن التفاوت بين الجنسين ينتهي عندما تحتاج المجتمعات لاستغلال المرأة العاملة بنفس قدر استغلال الرجل، والعبودية تنتهي عندما لا تصبح مفيدة اقتصاديا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الذكاء الاصطناعي بدأ يشهد حالة من النضج، وهو بصدد الاستحواذ على المزيد والمزيد من المسؤوليات التي كان العقل البشري يؤديها، ما يقود إلى التساؤل حول مستقبل البشر في ظل تطور هذه التكنولوجيا. ويضاف إلى هذه الأسئلة ما إذا كانت هنالك أشياء يقوم بها الإنسان ستعجز هذه الآلات عن القيام بها.

وأجاب فرنانديز أرمستو بأنه لا يفضل استخدام عبارة "ذكاء اصطناعي"، ليس لأن لديه موقفا ضد الآلات أو تقديرا أكبر للبشر، بل لأن مسألة الذكاء في حد ذاتها هي خاضعة لعديد الاعتبارات والتقييمات. وفي حين قد يحقق البعض أرقاما عالية جدا في اختبارات الذكاء، قد يفشلون في باقي نواحي الحياة، ولذلك لا يمكن قياس الذكاء بشكل موضوعي.

ويتوقع الكاتب أن الشيء الذي لن تحققه الآلة أو الذكاء الاصطناعي أبدا هو الخيال وامتلاك القدرة على تجاوز المعرفة والتجربة. أما البرمجية التي لن توجد أبدا خوارزميات لإنتاجها، فهي الأخلاق. كما أن فرضية أن تسود الروبوتات العالم، فهي يمكننا تخيلها، لكنها لن تحدث إلا كنتيجة لخطأ في البرمجة ارتكبه الإنسان.

وفي الأثناء، فإن الخطر الذي يمثله الذكاء الاصطناعي هو نتاج تفاقم الاستبداد البشري. فعندما تصبح هذه الآلات الذكية قادرة على تعزيز قدرات الإنسان ذهنيا وجسديا، سترزح الأغلبية تحت رحمة الفئة المتحكمة بها، والتي ستكون الآلات في هذه الحالة.

وفي الختام، تساءلت الصحيفة حول التغييرات الفكرية التي سيشهدها العالم في بداية القرن 22، والأشياء التي سيبدأ الناس في التفكير بها في أغلب أوقاتهم، رغم أنهم لا يهتمون بها اليوم. وقد أجاب الكاتب بالتأكيد على أن الذات الإلهية ستمثل الفكرة التي ستشغل بال الناس أكثر من أي شيء آخر في القرن المقبل.
0
التعليقات (0)