مقالات مختارة

أجندة لمقاومة السلطوية في مصر ـ الاقتصاد أولاً

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

إزاء الحصار الممنهج لمنظمات المجتمع المدني وللنقابات المهنية العصية على سيطرة الأجهزة الأمنية وللاحتجاجات العمالية التي تواجهها المؤسسات الرسمية بإجراءات تعسفية وعقابية متصاعدة، أصبح لزاماً على المجموعات والأصوات المتمسكة بالمقاومة السلمية للنزوع السلطوي للحكم الراهن في مصر أن تخرج من وضعية التيه التي تعاني منها منذ 2013 وأن تتوافق على أجندة واقعية للعمل الجماعي.


أجندة كهذه ليس لها سوى أن تترجم في خطوات محددة أهداف صون حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية وحرياتهم السياسية والمدنية، وإجبار الحكم على إعادة الحسابات بشأن سياساته وممارساته التي تتناقض مع صالح الناس والمجتمع والدولة، والبحث في سبل استعادة مسار تحول ديمقراطي يضمن علاقات عسكرية-مدنية طبيعية ويصلح، وفقاً لقواعد الشفافية والرقابة، أوضاع المؤسسات الرسمية والأجهزة الأمنية، ويحقق نزاهة التنافس الانتخابي على مواقع المسؤولية الحكومية، ويعطي للمواطن حقه الأصيل في مجتمع مدني مستقل وفضاء عام حر وقطاع خاص غير احتكاري (أي لا تحتكره مؤسسات رسمية أو مصالح خاصة قليلة العدد).


وأحسب أن أجندة كهذه، وفيما خص صون الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس، تحتاج إلى أن تستند إلى صياغة بدائل تفصيلية وممكنة التطبيق للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي ينفذها الحكم. والمقصود هنا هو ضرورة تجاوز «الإعلان» عن رفض التوجه الحكومي لتوظيف موارد البلاد في مشروعات كبرى غير مؤكدة المردود أو عن معارضة قرض صندوق النقد الدولي والإجراءات الاقتصادية التي تستتبعه أو عن تسفيه بعض المقترحات الحكومية إلى «الطرح» المدروس لسياسات بديلة ممكنة وواقعية.


فانتقاد المشروعات الكبرى لعدم اتضاح جدواها، إن فيما خص مستويات تشغيل الناس وانتشالهم من البطالة والفقر أو لجهة العوائد التنموية وانتشال الاقتصاد المصري من وضعية الركود والاستدانة الراهنة، ينبغي أن يأتي في سياق طرح أفكار ممكنة التطبيق حول تنشيط المشروعات الاقتصادية متوسطة وصغيرة الحجم وكثيفة العمالة، وحول المقومات القانونية (تعديلات قانون الاستثمار على سبيل المثال) والسياسية (مخصصات الموازنة العامة) واجبة التوفر لإنجاح تلك المشروعات، وحول العوائد المتوقعة وهوية المستفيدين المحتملين من الشرائح الأكثر فقراً إلى شرائح الطبقة الوسطى.


ومعارضة قرض صندوق النقد الدولي وإجراءات مثل إقرار ضريبة القيمة المضافة وتخفيض قيمة العملة الوطنية وإلغاء سياسات الدعم الحكومي للمحروقات وغيرها، وهي جميعاً إجراءات ذات تداعيات بالغة الصعوبة على الشرائح الفقيرة وعلى الطبقة الوسطى، ليس لها أن تكتفي لا بالمقولات المرسلة عن «بدائل لقرض الصندوق» ولا بتأكيد المؤكد بالإشارة إلى كون الفقراء ومحدودي الدخل هم من سيتحملون «عواقب» القرض. الفقراء ومحدودو الدخل، وهم -وفقاً للبيانات الحكومية- يمثلون بما يقرب من 85 بالمائة من الناس أغلبيتنا الكاسحة، في أمس احتياج لدفاع واقعي عن حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية ينطلق من حتمية تنفيذ بعض إجراءات الصندوق لإخراج الاقتصاد المصري من ركوده وإعادة شيء من التوازن للإنفاق الحكومي، وينطلق أيضاً من إمكانية ترشيد التداعيات السلبية لإجراءات كضريبة القيمة المضافة وإلغاء الدعم على الأغلبية من خلال تطوير شبكات الضمان الاجتماعي وتعظيم الاستثمارات الحكومية والخاصة الهادفة إلى مكافحة الفقر ورفع مستويات تشغيل الفقراء ومحدودي الدخل.


وتسفيه المقترحات الحكومية يتعين أن يخلي مكانه لاشتباك موضوعي مع المقترحات الحكومية، يبدأ على سبيل المثال بمطالبة الحكومة بالادخار عبر ترشيد الإنفاق، وبالشفافية عبر الإفصاح عن هيكل مرتبات كبار وصغار الموظفين في المؤسسات الرسمية من رئاسة الجمهورية والوزارات والجيش والشرطة إلى بقية الدواوين الحكومية قبل تذكير الفقراء ومحدودي الدخل بواجبهم الوطني في مساعدة البلاد في أزمتها، وبقبول الحكومة لمبادئ الرقابة والمساءلة والمحاسبة عبر الإعلان عن البنود المسكوت عنها في الموازنة العامة وإخبار الرأي العام بأوجه وتفاصيل إنفاق ما ورد مصر من منح وقروض ومساعدات بين 2013 واليوم. ولا ينتهي الاشتباك الموضوعي دون إخبار الرأي العام، بأرقام وبيانات موثقة، بما يضيعه الفساد على المواطن والمجتمع والدولة من موارد تتجاوز حصيلتها بكثير ما يمكن للمجهود الادخاري لفقراء ومحدودي الدخل من المصريات والمصريين أن يجمعه، وبحتمية التزام الحكومة بمحاربة الفساد وفقاً لإجراءات ممنهجة ومن خلال أجهزة رقابية تتوقف الدوائر الحكومية من رئاسة الجمهورية إلى بعض الأجهزة الأمنية والاستخباراتية عن العصف باستقلاليتها والتدخل في أعمالها (الجهاز المركزي للمحاسبات نموذجاً).


وتوجيه الانتقاد العام للحكم بسبب الانعكاسات السلبية للنزوع السلطوي ولبيئة القمع والخوف الراهنة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وبالإشارة إلى استحالة التنمية المستدامة في ظل انتهاكات ومظالم متراكمة، وهو انتقاد مشروع أخلاقياً وإنسانياً وسياسياً، يستدعي الربط بين توجيهه للحاكم والحكومة وبين إقناع الرأي العام عبر «أدلة ثبوت واقعية» بكون عوامل صون الحقوق والحريات والتحول الديمقراطي وسيادة القانون وحضور المجتمع المدني المستقل والفضاء العام الحر تمثل ضرورات أساسية للتنمية المستدامة ولتحسين الظروف المعيشية للأغلبية الفقيرة ومحدودة الدخل.

 

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

1
التعليقات (1)
حسن حامد
الخميس، 01-08-2019 12:59 م
انت من الذين ساهموا في وأد الديموقراطية في تحالف انتهازي بين العلمانيين والعسكر لأسقاط حاكم منتخب. والان انت مطارد ولن تجرؤ على الضور لمصر. على نفسها جنت براقش

خبر عاجل