قضايا وآراء

مات الرئيس.. ولكن لم ولن تموت شرعيته

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
خلال هذه الأيام تمر ذكرى الأربعين على وفاة الرئيس الشهيد الأخ الدكتور محمد مرسي، رحمه الله وتقبله وجمعنا معه في الصالحين بإذنه تعالى.

وعلى مدى الأربعين يوما الماضية، هناك العديد من المقالات والتصريحات والبيانات والأحاديث المكتوبة أو المرئية؛ تناولت حادثة قتل الرئيس مرسي والأبعاد المختلفة لتلك الجريمة. وتناول البعض منها مسألة الشرعية، والغالبية لم تثرها أو تتناولها، وحتى من تحدث عنها فإما أنه قام بإلغائها ولم يذكر الشرعية الحقيقية، وإنما تحدث بشكل عام عن شرعية الشعب والشرعية الشعبية والثورية وغير ذلك من تعبيرات مطاطة، أو أنه تناول وتكلم عن الشرعية الحقيقية، ولكنه تدارك ذلك بالحديث عن عدم تمسكه بهذه الشرعية الحقيقية بعد وفاة الرئيس، وكأن الشرعية هي شرعية الرئيس وفقط.

وسوف أحاول في هذه السطور التالية توضيح لماذا يجب علينا جميعا كمصريين، وكل من يدافع عن الحرية والعدل في العالم، أن يتمسك بشرعية الرئيس (الذي تم قتله) والتي لم ولن تموت بإذن الله تعالى.

لقد تقابلت مع الأخ الدكتور محمد مرسي أول مرة عام 1983 في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، عندما كنت في زيارة لعدد من الإخوة في المدينة، وكان هو قد انتهى من دراسته عام 1982 من جامعة جنوب كاليفورنيا، وظللنا نتواصل بعد ذلك على فترات وحسب الظروف. وكانت آخر مرة تقابلنا فيها عام 2013، وكانت في قصر الاتحادية وقبل الانقلاب العسكري بفترة وجيزة. وخلال كافة اللقاءات التي جمعتنا كان عليه رحمة الله منهجي التفكير وعقلانيا في رؤيته للأحداث، بل وفي تقديره للمستجدات التي يمكن أن تحدث أو ردة الفعل المتوقعة. كما أنه كان من المتعارف عليه أنه رحمه الله ثابت على مواقفه، وكان لا يتنازل مهما كانت الضغوط أو المغريات. وهو الآن بين يدي الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى، وإن شاء الله يؤجره خير الأجر على ما قدمه لأمته وثباته على الطريق، وما ضحى به في سبيل أن يعيش المصريون حياة حرة كريمة، وكما ذكر في إحدى خطبه (وهو صادق إنشاء الله) أنه يريد أن يحافظ على حياة المصريين والأولاد وهم رجال الغد، والبنات وهن أمهات المستقبل، وكذلك أنه يريد وسوف يعمل لأن تنتج مصر غذاءها ودوائها وسلاحها.

لقد بدأت أحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 متتبعة النموذج التونسي مع بعض الاختلافات، ومن أهمها هي خروج الشعب المصري بالملايين في مختلف محافظات مصر في الأيام التي تلت جمعة الغضب. ولا ينكر أحد أن حركة جماعة الإخوان المسلمين كان لها دور في خروج هذه الملايين وهذا ما شهد به بعض أبناء نظام حسني مبارك أنفسهم.

وبلا شك فإن المخطط الأولي كان يعمل على إنهاء فترة حكم مبارك واستبعاد ابنه عن تولي المسؤولية، والمجيء بأحد أبناء المؤسسة العسكرية ليستكمل مسيرة الاستبداد والقهر على المصريين. ولكن ظهور الإخوان في المشهد وبقوة ساعد على نجاح الحراك على الأرض، وتم التغيير الذي كان يتمناه المصريين. وشاهدنا كيف وقف المصريون في طوابير الانتخابات والاستفتاءات بالساعات من أجل الإدلاء بأصواتهم، بداية في استفتاء 19 آذار/ مارس 2011 وحتى الاستفتاء على الدستور في نهاية 2012، وبالتالي كان قد اكتمل تكوين نظام كامل للحكم في مصر الحرية والكرامة؛ يتكون من سلطة تنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية وسلطة تشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه ودستور يحدد الجوانب المختلفة للنظام القائم. كما أنه يحدد كيفية التعامل في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية، سواء الخلو المؤقت أو الخلو الدائم أي كان سببه. وكل هذه المكونات تم انتخابها والاستفتاء عليها بإرادة مصرية حرة نزيهة يشهد بها العالم أجمع.

إن مصطلح الشرعية بدأ يثار في مصر بعد أول انتخابات حرة لمجلس الشعب المصري بعد 25 يناير، وذلك عندما اختلفت بعض الكيانات التي تنتمي لائتلافات شباب الثورة من ذوي التوجه الليبرالي مع توجه مجلس الشعب المنتخب، والذي كانت أغلبيته من التوجه الإسلامي. وبالتالي ظهر مصطلح الشرعية، وهل الشرعية للميدان (ميدان التحرير) وللثوار أم للبرلمان الذي تم انتخابه بإرادة شعبية حرة. ثم تم بعد ذلك انتخاب مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، ثم انتخابات رئيس الجمهورية، وأخيرا تم وضع دستور جديد في عام 2012 وتم الاستفتاء عليه، وبذلك اكتمل نظام الحكم القائم على مكتسبات 25 يناير 2011. وهذا ما كان يذكره الرئيس الشهيد بإذن الله محمد مرسي في خطاباته الأخيرة للشعب، وكأنه كان يدرك ما ستؤول إليه الأحداث. فكان يقول "حافظوا على الشرعية"، و"أوعوا الثورة تنسرق منكم"، و"الشرعية ثمنها حياتي". وبالفعل قدم الرجل حياته راضيا مطمئنا من أجل أن تستمر الشرعية ممثلة في النظام الذي تم تكوينه وتشكيله بعد 25 يناير 2011 بإرادة مصرية حرة.

إن الشرعية التي تحدث عنها الرئيس الشهيد بإذن الله لم تكن شرعيته هو فقط؛ لأنها لو كانت شرعيته بمفرده لما قال إن ثمنها حياته عليه رحمة الله، فلو كان يقصد شرعيته هو شخصيا فإنها سوف تنتهي بوفاته، وهذا تأكيد على أنه لم يقصد ذلك، ولكنها شرعية ما حققه المصريون بإرادتهم الحرة على مدى أكثر من عامين (2011-2013)، وهي شرعية نظام متكامل، لذلك وجب علينا جميعا أن نسير على نفس الطريق ونتمسك بالشرعية التي دفع الدكتور محمد مرسي حياته ثمنا لها.

وهذه الشرعية التي ضحى من أجلها الرئيس مات من أجلها العشرات ممن ثبتوا على هذا المفهوم وقضوا نحبهم داخل السجون نتيجة المرض وعدم العناية الطبية والعلاج، أو نتيجة التعذيب او نتيجة التصفية الجسدية. وما زال يضحي من اجلها الآلاف ممن هم في السجون.

وفي تقديري أن التنازل عن هذه الشرعية الواضحة المعالم ومحاولة تعميمها أو تبسيطها سوف تكون الخطوة الأولى في طريق التنازلات التي حذرنا المولى عز وجل من السير فيه (ودُّوا لوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُون)، وكما كان يذكرنا دائما الأستاذ مصطفى مشهور المرشد الخامس لجماعة الإخوان المسلمين رحمه الله.

وفي الختام، يجب أن نرى الصورة الكبيرة والمكتملة للمشهد كله، وإن ما هو موجود في مصر الآن ليس نظام حكم بمعنى الكلمة بل هي الدبابة التي تسيطر، والمصري في الأغلب ليس له حول ولا قوه ولا يستطيع الوقوف أمام الدبابة. كما أنه في تقديري أن الشعب المصري هو من أوعى الشعوب في العالم وليس في حاجة إلى من يعمل على توعيته، بل إن المصريين هم في حاجة ماسّة إلى من يتحرك معهم وبالتالي يحركهم، بالإضافة إلى العمل على كل المستويات والدوائر، سواء الإقليمية أو الإسلامية وحتى الدولية.

وإن بداية هذه الحركة يجب أن تنطلق من الثبات على المبدأ وتأكيد المصداقية، وما تمسكنا بالشرعية إلا لأنها الحق مهما كلفنا ذلك من تضحيات. ولنكن على يقين بأنه إذا كان الرئيس الشهيد بإذن الله قد مات وانتقل إلى رحاب ربه، فان شرعيته لم ولن تموت إن شاء الله.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
التعليقات (0)