قضايا وآراء

السراب النووي والعطش العربي

هاني بشر
1300x600
1300x600

عام 1965، منعت قناة "بي بي سي" عرض دراما وثائقية بعنوان "لعبة الحرب"، يتخيل شكل المجتمع البريطاني في حال قيام حرب نووية.


تمكن العرض رغم ذلك من الفوز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي، بالإضافة للعديد من الجوائز الأخرى، وشكل المنع سابقة هامة في تاريخ وسائل الإعلام البريطانية وتاريخ "بي بي سي" بشكل خاص، فقد شكل العمل الدرامي صيحة تعبر عن الغضب العارم تجاه سباق التسلح النووي وما قد ينجم عنه من أخطار تهدد البشرية.


كانت تجربة القصف الأميركي لليابان بالقنبلة النووية في الحرب العالمية الثانية ماثلا في الذاكرة، وكانت حركة مناهضة الأسلحة النووية تتمدد في الشارع بشكل كبير، ويكفي أن نعرف أن أول اجتماع لتأسيسها عام 1958 حضره خمسة آلاف شخص، وهم رقم كبير بمعايير ذلك الوقت.


ومع مرور الوقت تزداد المعارضة لهذا السلاح الفتاك ليس فقط بسبب المخاطر الجمة التي قد تنجم عن استخدامه، ولكن بسبب المخاطر الرهيبة التي قد تنجم عن أي خطأ أو تسريب منه، وهو الأمر الذي أصبح حاضرا في أزمة التسريب الروسي النووي الأخير وقبلها مشكلة مفاعل فوكوشيما الياباني عام 2011، وذلك بعد أن كاد الناس ينسون كارثة مفاعل تشرنوبل السوفيتي عام 1986، الأمر الذي حدا بدولة مثل ألمانيا للبدء بإغلاق مفاعلاتها النووية والانتهاء من ذلك بحلول عام 2022.


وسط هذا الصخب العالمي الشعبي والعلمي المعادي للمخاطر النووية، تتجه بعض الدول العربية نحو النادي النووي مثل مصر بصناعة روسية، أي أنهم ذاهبون إلى الحج بعد عودة الحجاج، وذلك في محاولة لصنع شعبية كرتونية بادعاء الاعتماد على قوة غير حقيقية، ولو كانت القوة النووية في صيغتها الأكبر متمثلة في السلاح النووي قد نفعت بلدا ناميا، لكانت نفعت باكستان في مواجهة الهند وهو تقوم بكل هذه الانتهاكات في أراضي إقليم كشمير المتنازع عليه منذ أكثر من سبعة عقود.


لقد تحطمت آمال المشروع النووي العربي على صخرة الواقع السياسي والاقتصادي خلال العقود الماضية، فالمحاولات المصرية خلال عهد جمال عبد الناصر توقفت مع هزيمة 1967 والمحاولات العراقية تحطمت مع قصف الطيران الإسرائيلي للبواخر العراقية في البحر عام 1981، وإعادة إحياء مثل هذه المشاريع الآن وسط الظروف التي تمر بها الدول العربية هو درب من الخيال، بغض النظر عن مشاكل الأمن والسلامة.


هناك شغف كبير لدى السياسيين العرب بفكرة القوة الخشنة وأنها هي الضامن للعيش الكريم وسط الصراعات التي يموج بها العالم. وكلما كانت القوة أكثر خشونة، كان الحماس لها أكثر، ورغم أن امبراطورية مثل الاتحاد السوفيتي تفككت وسقطت وهي تملك كل أدوات القوة الخشنة في العصر الحديث.


كثيرا ما نردد أن العالم العربي يتملك موارد هائلة تمكنه من إحداث طفرات اقتصادية إذا أحسن استغلالها، لكن مفردات هذه الموارد غير حاضرة في النقاش السياسي العام وبرامج الأحزاب والسياسيين، ما عدا الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي تحدث كثيرا عن فكرة الطاقة المتجددة والنظيفة في تونس.


يأتي ذلك في وقت تتنازل فيه بلد مثل مصر عن حصصها من غاز المتوسط وحقوق التنقيب عن البترول ويتجدد الحديث عن إقامة مفاعل نووي، ولا يستثمر العالم العربي في الطاقة الشمسية التي هي مورد متجدد تمتلئ به الصحاري العربي، في حين تتصدر الصين قطاع الطاقة الشمسية العالمي خلال السنوات العشر الأخيرة تليها اليابان.


لم يعد النقاش حول موارد الطاقة من ترف الحديث الاقتصادي، إذ أصبح يمس عصب الأمن القومي والسياسة لكثير من البلدان سواء في عصر ما بعد النفط أو عصر ما بعد المفاعلات النووية.

0
التعليقات (0)