مقالات مختارة

السردية الإسرائيلية واختراق المنطقة

حسن البراري
1300x600
1300x600

لا جراح الحروب مع إسرائيل ولا ندوب السلام معها دفع الجانب العربي إلى التسليم بالرواية التوراتية المزعومة عن حق اليهود في فلسطين، وحتى الدول التي وقعت معها معاهدات سلام لم تسلم برواية إسرائيل عن تاريخ فلسطين، وبالتالي قبلت السلام للاختلال الفادح في موازين القوى لكنها امتلكت الحد الأدنى من التضامن مع الفلسطينيين ورفضت ما تقوله إسرائيل.


في الفيديو الذي سربه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن لقاء مغلق مع وزراء خارجية البحرين والإمارات والسعودية يظهر وزير خارجية الإمارات متحدثاً عن إيمان بلاده بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأن الجانب الفلسطيني هو من يحتل أرضاً إسرائيلية أو يهودية، وتحدثت صحيفة وول ستريت جورنال عن لقاءين سريين بين الإمارات وإسرائيل في أعقاب مؤتمر وارسو للتنسيق بين الجانبين للتصدي لإيران، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على أن الجانب الإماراتي يتعامل مع إسرائيل وكأنها دولة صديقة وطبيعية لا تحتل شعباً فلسطينياً كاملاً.


سيأتي اليوم الذي يكتب به المؤرخون عن عمق الاختراق الإسرائيلي لدولتين خليجيتين هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فالأمر لم يعد يتوقف عند تحالف تكتيكي بين الجانبين وإنما تجاوز ذلك إلى حضور رواية أو سردية إسرائيلية بدأت تجلياتها تنعكس في الخطاب الإعلامي لهاتين الدولتين والذباب الإلكتروني المرتبط بهما.


فهاتان الدولتان أعادتا قراءة الإقليم بشكل مختلف وبخاصة مع حرب تموز لعام 2006 إذ بدأنا نلحظ حماس هاتين الدولتين واصطفافهما مع إسرائيل ضد حزب الله وضد حماس في مواجهات لاحقة. وبالفعل هناك قناعة لدى الإسرائيليين تفيد بأن هاتين الدولتين ستستمران في التقارب والتنسيق مع إسرائيل في وقت تحتفظان فيه بخطاب إعلامي فارغ من أي مضمون يتضامن مع الفلسطينيين. فالإسرائيليون على قناعة تامة بأن الرياض وأبو ظبي مكشوفتان وبحاجة ماسة لموقف إسرائيلي وتعاون معها خوفاً من إيران.


لا يحتاج الأمر إلى تقديم أدلة على التغير في مقاربة السعودية مثلا تجاه إسرائيل، فتكفي الإشارة إلى لقاء منحه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في ربيع العام الماضي لمجلة ذي أتلانتيك وفيه أكد وجود مصالح مشتركة بين الرياض وتل أبيب، ومثل هذه التصريحات لها وقع خاص إذ سال لعاب الطامحين إلى تصفية القضية الفلسطينية مرة وللأبد مع وجود شريك عربي قوي يقبل بالشروط الإسرائيلية وتصورات قادة الكيان لشكل ومضمون الحال النهائي لهذه القضية.


وفي الحالة السعودية أصبحت المسألة برمتها تخدم إستراتيجية البقاء السياسي لولي العهد السعودي الذي تلطخت صورته في الغرب بعد مقتل جمال خاشقجي وتقطيعه إرباً. المراقب الذكي لا يمكن له ألا أن يلاحظ العلاقة بين الانحياز لإسرائيل عن الساسة الأمريكان والدفاع عن محمد بن سلمان، وفي هذا إشارة واضحة على الاعتقاد الأمريكي بأن السعودية بقيادة بن سلمان لن تكون إلا في الجيب!


بعيداً عن الساسة ومواقفهم المتقلبة، نلاحظ أن رواية إسرائيل بخصوص ما يجري مع الفلسطينيين هي مادة دسمة في التويتر السعودي، ويبرز بشكل لافت فهم سعودي يتسق تماماً مع ما تطرحه إسرائيل اليمينية. والحق أن الجانب الإسرائيلي يتناول هذا التبدل عند السعوديين في الصحافة العبرية التي تنشر بشكل منتظم ما يجري من تبدل في مواقف العرب تجاه إسرائيل. ربما للقيادات الخليجية تبريراتها التي نختلف معها، لكنني أقف حائراً وعاجزاً عن فهم كيف للشعوب أو جزء منها أن يردد ما تقوله إسرائيل بخصوص الرواية التاريخية للصراع، وهي رواية لا يقبلها جزء من الإسرائيليين أنفسهم بدليل ما يكتبه المؤرخون الجدد!.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)