ملفات وتقارير

هل امتثال "قسد" لاتفاق المنطقة الآمنة انحناء للعاصفة؟

بدأت قسد قبل أيام سحب مقاتليها من مناطق قرب الحدود مع تركيا تنفيذا للاتفاق الأمريكي التركي- جيتي
بدأت قسد قبل أيام سحب مقاتليها من مناطق قرب الحدود مع تركيا تنفيذا للاتفاق الأمريكي التركي- جيتي

يثير امتثال قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تشكل الوحدات الكردية عصبها الرئيسي، لما تم الاتفاق عليه بين تركيا والولايات المتحدة حول إنشاء "المنطقة الآمنة" في مناطق شرق الفرات، شكوك المراقبين.


وما يبعث الشكوك في أذهان مراقبين تحدثت لهم "عربي21"، هو التزام "قسد" بتفاهمات أنقرة وواشنطن رغم تعارض ذلك مع مصلحة "قسد"، وخصوصا أن الجانب التركي يصر على إبعادها من الشريط الحدودي، باعتبارها من الأجنحة السورية التابعة لحزب العمال الكردستاني المصنف ضمن المنظمات الإرهابية.


وكانت "قسد" قد أعلنت قبل أيام، بدء سحب مقاتلين من مناطق قرب الحدود مع تركيا، تنفيذا للاتفاق الأمريكي التركي حول إنشاء "منطقة آمنة".


وأوضحت في بيان إنها بدأت "بالخطوات العملية الأولى" لتنفيذ الاتفاق عبر "إزالة بعض السواتر الترابية وسحب مجموعة من وحدات حماية الشعب والأسلحة الثقيلة" من منطقة رأس العين بريف الحسكة، ومنطقة تل أبيض بريف الرقة.

 

اقرأ أيضا: وحدات كردية بسوريا تبدأ سحب مقاتليها من الحدود مع تركيا


ونقلت وكالة "رويترز" عن المتحدث باسم "قسد"، مصطفى بالي، تأكيده أن قواته ستنسحب من قطاع يتراوح عرضه بين 5 و14 كيلومترا على الحدود مع تركيا.


وقبل أيام، نشرت القيادة المركزية للجيش الأميركي"، صورا لـ"قسد" وهي تدمر أنفاقا وتحصينات على الحدود السورية-التركية، وذلك في إطار الاتفاق الذي توصلت إليه أنقرة وواشنطن، الذي يقضي بإنشاء "مركز عمليات مشتركة" في تركيا، لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة شمال سوريا.


وطرح مراقبون تساؤلات، حول عدم اعتراض "قسد" على التفاهمات التركية الأمريكية، رغم أنها لم تكن طرفا فيها، وعن المقابل الذي حصلت عليه مقابل ذلك؟.


الوقت ما زال مبكرا


الباحث بالشأن السوري فراس فحّام، اعتبر أنه من المبكر الحكم على جدية امتثال "قسد" الكامل بتنفيذ كل بنود الاتفاق التركي-الأمريكي.


ومشككا بجدية "قسد"، قال لـ"عربي21"، إن كل ما جرى حتى الآن هو انسحاب جزئي من جانب وحدات الحماية الكردية، من بعض المناطق الجانبية على الشريط الحدودي السوري- التركي، مدللا على ذلك بالإشارة إلى انسحاب الوحدات من بعض النقاط العسكرية على الشريط الحدودي مقابل مدينة تل أبيض، بينما لا زالت تتواجد بشكل مكثف داخل المدينة ذاتها.


ولفت فحّام، إلى أنه في الوقت الذي أعلنت فيه واشنطن عن ردم بعض الأنفاق تنفيذا للاتفاق مع أنقرة، تؤكد مصادر محلية أن عمليات حفر الأنفاق وبناء التحصينات العسكرية، التي تجريها الوحدات الكردية، لا زالت مستمرة في مناطق أخرى.


وبهذا المعنى، يعتقد الباحث أن ما يجري حتى الآن، هو انسحاب من مناطق محددة، وليس انسحابا واسعا، وقال: "يمكن القول إن خطوات فعلية لم تنفذ على الأرض، باستثناء تأسيس مركز التنسيق المشترك التركي الأمريكي حول المنطقة الآمنة".

 

اقرأ أيضا: "قسد" تسلم نقاطا للتحالف.. هل بدأ تنفيذ "المنطقة الآمنة"؟


ومضى قائلا: "لا يزال هناك الكثير من النقاط الخلافية، وعلى رأسها مسألة سحب السلاح الثقيل، وعمق المنطقة الذي لا زالت تركيا تتمسك بأن يصل إلى 32 كيلو مترا عن حدودها، بينما ترفض الولايات المتحدة ذلك، وترى أن 15 كيلو مترا مسافة كافية لإبعاد التهديدات الأمنية للأراضي التركية".
وبناء على كل ذلك، رأى فحّام، أن الحكم على جدية "قسد" بتنفيذ اتفاق "المنطقة الآمنة" يحتاج إلى المزيد من الوقت.


وفي الاتجاه ذاته، شكك الكاتب والباحث السياسي، الدكتور حميد العسكر، بمدى التزام "قسد" بتطبيق اتفاق "المنطقة الآمنة"، معتبرا خلال حديثه لـ"عربي21" أن هناك مبالغة في الحديث عن انسحاب الوحدات الكردية وسحب السلاح الثقيل من بعض المناطق الحدودية.


وأردف قائلا: إن "الاتفاق على شكل المنطقة لا زال محل شد وجذب بين أنقرة وواشنطن، والحكم على تنفيذه رهن الأيام القادمة".


انحناء للعاصفة


ولا يمكن فهم موقف "قسد" بمعزل عن التفاهمات الأمريكية التركية، التي يبدو أن واشنطن غلبت فيها الاستراتيجي على الآني والمؤقت، وفق ما أكده الباحث في العلاقات الدولية، هشام منوّر.


ورأى في حديث لـ"عربي21" أن توصل أنقرة إلى اتفاق بخصوص إنشاء مركز عمليات للمنطقة الآمنة، جعل "قسد" تنحني للعاصفة، بانتظار مدى جدية واشنطن بتنفيذ اتفاقاتها والتزاماتها مع أنقرة.


لكن وبحسب منوّر، فلا يمكن استبعاد إمكانية أن تكون واشنطن قد لوحت للأكراد، بإمكانية الزج بهم كفاعل رئيسي في ملف المفاوضات السياسية المستقبلية في سوريا.


وأضاف أنه "بعد أن تم استبعاد قسد عمدا من طاولة مباحثات جنيف، ومن ثم أستانة، يبدو قسد تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في تشكيل اللجنة الدستورية، التي سيوكل إليها رسم هوية وشكل البلاد على المستوى السياسي".


وتابع منوّر بأن الإدارة الذاتية تراهن على حكم فيدرالي يحفظ مكتسباتها الأخيرة، وربما يكون ذلك ما لوحت به واشنطن لهم مقابل تمرير اتفاق إنشاء "المنطقة الآمنة".


أسلم الخيارات


الباحث بالشأن السوري، أحمد السعيد، قال إن "التزام قسد بالاتفاق يعد أمرا متوقعا، نظرا لأن من شأن تطبيقه تجنبيها تحركات تركية عسكرية ضدها".


وأضاف لـ"عربي21" أن حديث الولايات المتحدة عن نيتها سحب قواتها أو تقليص أعدادها، وضع "قسد" في موقف ضعيف، فهي من جهة مهددة بتحرك تركي ضد مناطق سيطرتها، ومن جهة أخرى لم تلق مطالبها من النظام بالاعتراف بشرعيتها أذانا صاغية، رغم التنازلات الكثيرة التي قدمتها للأسد، في جولات المفاوضات التي عُقدت في دمشق.


ووفق السعيد، فإن اتفاق "المنطقة الآمنة" ورغم تعارضه مع مصلحة "قسد" وتحديداً لجهة فصل مناطق سيطرتها عن المناطق ذات الأكثرية الكردية في تركيا، إلا أنه يبقى أسلم الخيارات من وجهة نظرها.

 

اقرأ أيضا: لماذا أصرت تركيا على "عمق" المنطقة الآمنة.. وما تحدياتها؟


وتابع الباحث، إن المنطقة الآمنة باتت أمرا واقعا وخصوصا أن روسيا انتقلت إلى الدول الموافقة عليها، ولذلك فقد يجنب اتفاق "المنطقة الآمنة" سيناريو التدخل التركي، لكن بخسارة بعض المناطق، وعلق قائلا "خسارة بعض المناطق أخف وقعا من خسارة كل شيء".


في الأثناء، أكد مسؤول  كردي، أمس الأربعاء ، أن الدبلوماسية الأمريكية استطاعت نزع فتيل تحرك تركي متوقع في الشمال السوري، موضحا أن الاتفاق الأخير بين الأطراف الثلاثة سيسمح بتسيير دوريات مشتركة في شمال البلاد لتهدئة المخاوف الأمنية التركية.


وقال عضو لجنة العلاقات الدبلوماسية في "حزب الاتحاد الديمقراطي، دارا مصطفى، في تصريحات صحافية، "حتى اللحظة عمل الأمريكيون بشكل صادق لحماية مناطق شرق سوريا".


عين على الاتفاق


من جانبه، قال مصدر كردي لـ"عربي21"، إن "قسد" لا زالت تعقد آمالا على عقد اتفاق مع النظام السوري.


وأضاف، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، أن "مضي "قسد" في تطبيق الاتفاق، واستمرارها فيه مرهون بمدى استجابة النظام السوري، لمطالبها، وخصوصا فيما يتعلق بشرعية وجودها سياسيا".


وهنا أشار المصدر، إلى  دعوة القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، السبت الماضي، النظام السوري للاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا، و"الإدارات الذاتية" القائمة في شمالي شرقي البلاد.


وعلق قائلا "قد تكون موافقة "قسد" على تطبيق الاتفاق، هي وسيلة من وسائل الضغط على النظام، لدفعه إلى التحرك بعد الموافقة على جزء من شروطها التفاوضية".

التعليقات (0)