كتاب عربي 21

الفلسطيني لم يلمس تداعيات وقف العمل بالاتفاقيات مع الصهاينة

عبد الستار قاسم
1300x600
1300x600

أعلن محمود عباس الرئيس غير الشرعي للسلطة الفلسطينية في تموز (يوليو) الماضي وقف العمل بالاتفاقيات مع الصهاينة، وشكل لجنة لمتابعة تنفيذ هذا القرار. وتوقع الناس أن يحمل هذا القرار تداعيات يلمسها الشارع الفلسطيني، لكن هذا التوقع لم يتبلور بعد.

 

أبقى الاتفاقيات حية

نلاحظ أن عباس لم يلغ الاتفاقيات، وإنما أبقاها قائمة وحية يمكن أن تعود الدماء إلى أوصالها. هو لم يخرج منها، ولم يقل أن هذه الاتفاقيات لم تعد صالحة، أو أنها لم تعد تلبي أي طموح فلسطيني، ويتعمد الطرف الصهيوني ترجمة الاتفاقيات كما يرى هو مناسبا ضاربا بعرض الحائط المصالح والحقوق الفلسطينية. هو فقط أوقف العمل بها ودون أن يعلن أن لا عودة للعمل بها. لقد أبقى الباب مفتوحا للعودة إلى العمل بها وضخ الحياة فيها من جديد.

 

طوعت السلطة نفسها وكيلا أمنيا لإسرائيل، وإذا غاب الوكيل فإن صاحب الشأن المباشر يقوم بسد الثغرات المستجدة. لم يلحظ الناس في الضفة الغربية نشاطا أمنيا صهيونيا غير المعتاد والمتمثل بحواجز هنا وهناك وبدوريات عسكرية تجوب مختلف الأماكن.


كان من المتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات من قبل السلطة الفلسطينية متوافقة مع عدم العمل بهذه الاتفاقيات، وكان من المتوقع أن تعلن اللجنة المشكلة عن هذه الإجراءات للجمهور لكي يتقيد بها، ولكي يقوم الناس باتخاذ خطوات عملية لتفادي أي انعكاسات سلبية قد تطرأ على حياتهم اليومية نتيجة هذا القرار. فمن المعروف أن السلطة الفلسطينية ربطت حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية بعجلة الاقتصاد الصهيوني، وكبلتهم أمنيا بحيث أصبح التعاون الأمني مع الصهاينة أمرا اعتياديا، وربطتهم أيضا بإجراءات مدنية منبثقة عن التنسيق المدني.

وقف العمل بالاتفاقيات يعني نسف أساس هذه الاتفاقيات وهو الاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير وإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني فورا واتخاذ إجراءات تعبر عن هذا الوقف مثل إلغاء بعض الأجهزة الأمنية ونقل موظفيها إلى مؤسسات أخرى، وتغيير قيادات الأجهزة بسبب اعتيادهم على اللقاء مع الصهاينة والتنسيق معهم، وإقامة أحزمة أمنية فلسطينية تحافظ على أمن الفلسطينيين. ويشمل وقف التنسيق الأمني إعادة الأسلحة التي صادرتها السلطة إلى أصحابها بغض النظر عن الفصيل الذي ينتمون إليه. وكان من المفوض أن تفصح السلطة عن مصير هذه الأسلحة وعن أماكن وجودها.

 

التنسيق الأمني لم يتوقف


كان من المتوقع أن تكثف إسرائيل من نشاطها الأمني في الضفة الغربية تبعا لوقف التنسيق الأمني معها. طوعت السلطة نفسها وكيلا أمنيا لإسرائيل، وإذا غاب الوكيل فإن صاحب الشأن المباشر يقوم بسد الثغرات المستجدة. لم يلحظ الناس في الضفة الغربية نشاطا أمنيا صهيونيا غير المعتاد والمتمثل بحواجز هنا وهناك وبدوريات عسكرية تجوب مختلف الأماكن.

وكان من المتوقع أيضا أن يلاحظ الناس نشاطات مدنية صهيونية تتعلق بالحياة اليومية والمدنية للناس، لكن لم نلحظ انعكاسا إداريا يسد ثغرة وقف التنسيق الإداري مع الصهاينة. وهذا يعني أن التنسيق المدني والإداري ما زال قائما.

وأهم عنصر في المسألة هو الوضع الاقتصادي. وقف العمل بالاتفاقيات يعني وقف العمل باتفاقية باريس الاقتصادية والعمل على فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني ما أمكن عن الاقتصاد الصهيوني. وهذا يتطلب خططا اقتصادية فلسطينية تركز على الإنتاج الفلسطيني والتعويض عن بضائع بديلة للبضائع والسلع الصهيونية. 

كان من المتوقع أن تعمل اللجنة التي شكلها عباس على وضع استراتيجية اقتصادية جديدة تعتمد نظرية الاعتماد على الذات، وتعمل حثيثا على تشجيع الزراعة واستصلاح الأراضي والتوقف عن استيراد العديد من السلع من الخارج لصالح تشجيع الإنتاج المحلي. كان من المتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات تشجع الفلاح والنساج والحذّاء والحداد والنجار والخياط ومختلف قطاعات الاقتصاد الفلسطيني. وأن يتم اتخاذ إجراءات للمحافظة على الموارد من خلال الاقتصاد في الإنفاق وتشجيع التوفير والاستثمار. 

 

وقف العمل بالاتفاقيات يعني وقف العمل باتفاقية باريس الاقتصادية والعمل على فك ارتباط الاقتصاد الفلسطيني ما أمكن عن الاقتصاد الصهيوني


وكان من المتوقع أيضا ان نتوقف عن استيراد بضائعنا عن طريق الموانئ الإسرائيلية، وأن نتوجه نحو ميناء العقبة ليكون الميناء الرئيس الذي ننقل احتياجاتنا منه، ونصدر من خلاله. وكان من المفروض أيضا التوقف عن استعمال العملة الإسرائيلية ما أمكن، وأن نجد ونجتهد في استعمال العملة الأردنية. وهذا كان يتطلب تكثيف اتصالاتنا مع الأردن لترتيب أوضاع اقتصادية جديدة.

والوضع الذي كان يمكن أن يكون مستجدا إذا تم تطبيق ما أعلن عنه عباس يتطلب حل أزمات رئيسية كبيرة يعاني منها الوضع الفلسطيني الداخلي وهي أزمات الشرعية والهوية والتوزيع. لا يوجد شرعية في الأرض المحتلة/67، وهناك تمزق في الهوية الفلسطينية وهنا سوء توزيع للحظوظ المادية والمعنوية بين الناس. هناك ظلم كبير يلحق بالناس بسبب استئثار فصيل معين للوظائف والمسؤوليات. وهناك تمييز بين الناس يصل حد العنصرية والإقصاء والرفض. وأي نظام سياسي لا ينجح ما لم يقم عدالة بين الناس. وقف العمل بالاتفاقيات مع الصهاينة يتطلب إقامة عدالة وحسن توزيع وحسن توظيف للمال العام.

كل هذه الأشياء وغيرها كثير لم يلمسه الشعب الفلسطيني على أرض الواقع. وكالعادة، يصدر عباس قرارات ويدير ظهره دون وضع خطط وبرامج للتنفيذ.

التعليقات (0)