صحافة دولية

هيرست: خطة نتنياهو لضم غور الأردن ستفتك بإسرائيل

نتنياهو - أ ف ب
نتنياهو - أ ف ب

اعتبر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست أن "خطة ضم غور الأردن" التي أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتيناهو نيته تنفيذها إذا ما شكل الحكومة القادمة، "لا تعدو كونها موتا لإسرائيل".


وفي مقال له بموقع ميدل إيست آي البريطاني، ترجمته "عربي21"، أشار هيرست إلى أن خطة نتيياهو "ستفتك بإسرائيل"، مضيفا أن ذلك سيكون "بمنزل ولادة دولة ذات أقلية يهودية لا يمكنها البقاء على قيد الحياة، إلا من خلال اضطهاد الأغلبية الفلسطينية فيها والتحكم بمصائرها".

 

ويرى هيرست أن إعلان نتنياهو لن يؤثر كثيرا في الفلسطينيين، موضحا: لا يمكن لأي قدر من الضم أن يوقف هذا الصراع، لم يعد يهم الفلسطينيين الشكل الذي يتم به احتلال أراضيهم، أو ما إذا كان ثلاثة وثلاثون بالمائة سوف تنتزع من العشرين بالمائة من فلسطين التاريخية التي كانت قد تركت لهم".

 

والثلاثاء الماضي، أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن نيته فرض "السيادة الإسرائيلية على غور الأردن وشمال البحر الميت"، في حال جرى إعادة انتخابه وشكل حكومة جديدة.

وقال نتنياهو خلال مؤتمر صحفي، "أريد فرض السيادة الإسرائيلية على عدد كبير من المستوطنات بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية"، مضيفا أن "مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت وهضبة الجولان، هي الحزام الأمني المهم لنا في الشرق الأوسط"، على حد قوله.

وتاليا نص المقال كاملا:

من شأن خطة ضم غور الأردن أن تطمس بضربة واحدة جميع الجدران التي أقامتها إسرائيل بعناية لفصل الفلسطينيين بعضهم عن بعض.

من المفروض أن يكون الوعد الأبرز قبيل إجراء الانتخابات. ذلك الوعد الذي ظن بنيامين نتنياهو، الرجل الذي هيمن على إسرائيل لما يقرب من ثلاثة عقود، أن بإمكانه من خلاله أن يقلب الطاولة على خصومه السياسيين في معسكر الاستيطان اليميني. هل يكون أفيغدور ليبرمان صانع الملوك؟ ومن غيره؟
إلا أن إعلان نتنياهو بأنه سيقوم بضم غور الأردن، وبمعيته ما يقرب من ثلث مساحة الضفة الغربية، لم يفض إلى ذلك.

تباهى نتنياهو أن بإمكانه ضم جميع المستوطنات في قلب الضفة الغربية بفضل ما قال إنه علاقته الشخصية بالرئيس ترامب.

ولكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفض هذه المرة التجاوب معه.

إقالة بولتون

أصدر البيت الأبيض تصريحا يقول فيه إنه لم يطرأ تبديل على السياسة الأمريكية في هذا الوقت، ولتأكيد ذلك أقال ترامب مستشاره للأمن القومي جون بولتون، الذي طالما اعتبره الإسرائيليون ذراعهم في واشنطن.

زعم مراسل صحيفة معاريف بن كاسبيت أن نتنياهو طلب من ترامب اعترافا مماثلا بضم غور الأردن، كذلك الذي حصل عليه بشأن مرتفعات الجولان. كان بولتون متحمسا للأمر، إلا أن ترامب رفض.

ويُذكر أن كاسبيت وغيره من المراسلين جميعهم أشاروا إلى أن نتنياهو لم يكن حتى بحاجة لأن يطلب إذن ترامب لضم غور الأردن، الذي ثبت أن له تاريخا مختلفا تماما عن تاريخ مرتفعات الجولان، التي هي مناطق غنمتها إسرائيل من سوريا.

كل ما يحتاجه نتنياهو حتى يتمكن من ضم غور الأردن، هو الحصول على أغلبية بسيطة في الكنيست، لأن القانون الذي يسمح له بإجراء عملية الضم موجود أصلا، وهو قانون أجازه نواب البرلمان اليساريون في عام 1967 تعديلا على مرسوم يعود إلى حقبة الانتداب البريطاني، يخول الحكومة بإصدار قرار يحدد ما هي الأجزاء من أراضي فلسطين التي يحق لدولة إسرائيل تطبيق ولايتها وإدارتها عليها. وكان ذلك هو القانون الذي سمح لحكومة ليفي إشكول بضم القدس الشرقية في عام 1967.

على أية حال، تخلف مذهل بعد آخر – منها تخلفه هو.

اندفع حراس نتنياهو الشخصيون لينزلوه عن المنصة، بينما كان يلقي خطابا في حملته الانتخابية في أشدود، جنوب إسرائيل، عندما تسببت صواريخ أطلقت من غزة في انبعاث صفارات الإنذار محذرة بغارة جوية.

كان ذلك بمنزلة تذكير لنتنياهو ولجميع المستوطنين الإسرائيليين بتلك الأرض التي نصبوا فوقها خيمتهم.


وهم السلطة الفلسطينية

لا يمكن لأي قدر من الضم أن يوقف هذا الصراع، لم يعد يهم الفلسطينيين الشكل الذي يتم به احتلال أراضيهم، أو ما إذا كان ثلاثة وثلاثون بالمائة سوف تنتزع من العشرين بالمائة من فلسطين التاريخية التي كانت قد تركت لهم.
 
بات نوعا من السفسطة بالنسبة لهم أن يعرفوا في أي جيب أو بانتوستان أو سجن سيحتجزون، أو ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستُحل، أو ما إذا كان الرئيس محمود عباس سيعيد مفاتيح الضفة الغربية إلى أقرب آمر في الجيش الإسرائيلي. فكما بات معروفا، يحتاج عباس كلما أراد التحرك من مكان إلى آخر، الحصول على إذن من الجيش الإسرائيلي.

لا وجود للسلطة الفلسطينية في واقع الأمر فيما عدا كوسيلة تتمكن من خلالها إسرائيل ضمان وجود شرطة فلسطينية، مهمتها إخلاء الشوارع قبل دخول القوات الإسرائيلية؛ تأهبا لشن غارات ليلية في مختلف أرجاء الضفة الغربية.

ما يقال عن استقلال المنطقة (أ) ليس أكثر من مجرد خيال، فيما لو حُلت السلطة الفلسطينية، فإن الشيء الوحيد الذي يقلق إسرائيل هو مصير ما يقرب من مائة ألف قطعة سلاح موجودة بأيدي قوات الأمن الفلسطينية.

نظرا لطبيعتها الجوفاء، فقد غدت المؤسسات والكيانات الفلسطينية إلى حد بعيد بلا معنى – فيما عدا كونها مصدرا للدخل – بالنسبة للفلسطينيين أنفسهم. ليس مهما كثيرا من الذي يقوم بالاحتلال، أو كم من القوانين يتم سنها لحرمانهم من هويتهم الوطنية ومن حقوق الملكية، ومن حق أن تكون لهم دولة خاصة بهم.

مهما حدث، وبغض النظر عن عدد الجيوب التي يتم إقامتها لحشر الفلسطينيين فيها، سوف يظل الجوهر الديموغرافي لهذا الصراع على ما هو عليه، وذلك يتمثل في حقيقة أنه فيما بين النهر والبحر، بات عدد الفلسطينيين الآن يفوق عدد اليهود الإسرائيليين.  
 
الفصل العنصري الإسرائيلي

في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، وفي شهادة له أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع التابعة للكنيست، عرض رئيس الإدارة المدنية اللواء حاييم مينديس الأرقام التالية: يوجد الآن ما بين النهر والبحر 6.8 مليون فلسطيني (خمسة ملايين في غزة والضفة الغربية وما يقرب من 1.8 مليون داخل إسرائيل والقدس الشرقية). في المقابل، وبحسب ما أعلنه المكتب المركزي للإحصاءات، يوجد في إسرائيل 6.6 مليون يهودي إسرائيلي.

ما لم يحل شيء دون ذلك، فإن الحياة بالنسبة للفلسطينيين لن يطرأ عليها تغيير. وهذا يعني أنه أيا كانت التصريحات التي تصدر في أثناء الحملات الانتخابية، فإن اليهود الإسرائيليين في طريقهم ليتحولوا إلى أقلية داخل ما يعتبرونه بلادهم، ولن يكون بإمكانهم فرض هيمنتهم إلا من خلال الفصل العنصري.

وبينما لن يبدل ذلك شيئا من حالة القهر التي تفرض على الفلسطينيين داخل وطنهم، إلا أنه يغير لا محالة من الحكاية التي تُروى عن إسرائيل في أوساط النخب في أوروبا وفي الولايات المتحدة، الذين أنفقت عليهم إسرائيل بسخاء المليارات لكسب ودهم.

قبل الضم، وحينما كان شعار "الأرض مقابل السلام" ما يزال هو الخطاب السائد لعملية أوسلو، كان بإمكان الطبقة السياسية في اليسار وفي اليمين على حد سواء، داخل بريطانيا والولايات المتحدة وفي مختلف أرجاء أوروبا، تبني رؤى متعارضة لحل الصراع في الشرق الأوسط.

كان بإمكانهم القسم بأنهم "أنصار إسرائيل" بينما يعربون في الوقت نفسه عن دعمهم لحق الفلسطينيين في تقرير المصير في دولة فلسطينية مفترضة، ولكن غير قابلة للتحقق على الأرض.
 
التخلي عن الشرعية الدولية

في حالة إسرائيل، كانت الأسطورة التي يعكفون على ترديدها تقول إن ثمة شيئا اسمه "إسرائيل الأصلية"، التي يُعترف بها دوليا، ثم (ويصاحب ذلك تنهيدة ثقيلة) هناك أشياء تسمى المستوطنات، وهي غير قانونية، ولكن (وهنا تأتي تنهيدة ثقيلة أخرى): ما الذي يمكننا فعله إزاءها يا ترى؟ ويصاحب ذلك بالتوازي فكرة أننا فقط لو أمكننا إقناع الطرفين بالوصول إلى تسوية ما، فقد يتسنى الوصول إلى حل يقوم على مبدأ تقاسم الأراضي.

ولكن كل ذلك يتغير حينما يصبح الضم هو السياسة الرسمية. إن اللحظة التي تعتبر دولة إسرائيل عندها المستوطنات جزءا منها، ستكون هي اللحظة التي ينتهي فيها وجود "إسرائيل الأصلية". حينذاك ستتحول إسرائيل إلى مستوطنة واحدة، وستتخلى دولة إسرائيل عن شرعيتها الدولية.

إذا كان الضم فتاكا لصورة إسرائيل الدولية كدولة أوروبية متقدمة في وسط صحراء موحشة من العرب غير المنطقيين وغير المنضبطين، فإنها ستكون أكثر فتكا لفرص بناء الدولة اليهودية والحفاظ عليها داخليا.

لم يكن الاعتراف بدولة إسرائيل في أثناء عملية أوسلو من قبل ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية هو التنازل الأكبر ضررا بالقضية الفلسطينية، وإنما التخلي عن الفلسطينيين الذين يعيشون داخل دولة إسرائيل، ويشكلون ما نسبته عشرين بالمائة من سكانها.

النضال في سبيل السيادة

أوجد ذلك كل أشكال الشذوذ. كانت القدس تشكل القلب من الصراع وتعتبر عاصمة الدولة الفلسطينية، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تكن لديها أي سلطة على المقدسيين المقيمين فيها.

في مجمل العملية السلمية، لا يشكل فلسطينيو 1948 – أي أولئك الذين سمح لهم بالبقاء، أو الذين فرض عليهم النزوح داخليا عندما أقيمت دولة إسرائيل – أي جزء من النضال ضد الاحتلال. فهؤلاء يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويطلق عليهم سادتهم اسم "العرب الإسرائيليون".

يغير الضم كل ذلك. فهو يطمس بضربة واحدة جميع الجدران التي أقامتها إسرائيل بعناية لفصل الفلسطينيين بعضهم عن بعض، وحبسهم في كتل سكانية تخضع للرقابة المشددة باستمرار. وبذلك يصبح الفلسطينيون في غزة وفي الضفة الغربية وفي مناطق 48 وفي الشتات، وحدة واحدة يشتركون معا في النضال من أجل تحقيق السيادة داخل وطنهم.

دونما إدراك، سوف يؤدي الضم إلى تدمير الحلم الصهيوني في إقامة دولة ذات أغلبية يهودية.

وكل من لم يتم اغتياله أو سجنه على يد إسرائيل من الزعامات الفلسطينية، كان مطلوبا منه أن يؤدي دورا في الحفاظ على الوضع القائم الذي تم بموجبه فعليا، وإن لم يكن بالاسم، ضم مناطق مثل غور الأردن.

وليس ذلك كما لو أن الفلسطينيين يتمكنون الآن من استخدام وزراعة الأراضي في غور الأردن، وهي بالمناسبة أكثر أراضيهم خصوبة، علما بأن مساحة هذه الأراضي تقترب من مائة وستين ألف هكتار، وتشكل تقريبا ثلاثين بالمائة من الضفة الغربية. بل تقوم إسرائيل باستغلال كل أراضي غور الأردن تقريبا لاحتياجاتها الخاصة، وتحظر على الفلسطينيين دخول ما يقرب من خمس وثمانين بالمائة من تلك المساحة، وتحرم عليهم استخدامها سواء لأغراض الإنشاء أو البنية التحتية أو الرعي أو للأغراض العائلية.
 
في العام 2016 بلغ عدد الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك المنطقة خمسة وستين ألفا، مقابل أحد عشر ألف مستوطن. وهذا يعني أن الأقلية السكانية يسمح لها بالتجول بحرية في خمس وثمانين بالمائة من الأرض.

موت بطيء

ليست إسرائيل بحاجة إلى ضم غور الأردن، فقد فعلت ذلك فعليا.

وإذ تضمحل القيادة الفلسطينية وتتجه نحو الموت ببطء، لا مفر من أن الأجيال القادمة من الفلسطينيين ستفتح أعينها على مشهد مختلف تماما، لن يجد هؤلاء مفرا من إعادة النظر في استراتيجيتهم وسيعمدون إلى إصلاح أخطاء الماضي، واعتبار أنفسهم مرة أخرى جزءا من شعب واحد أخرج عنوة من وطنه.

لا يعدو الضم كونه موتا لإسرائيل 1948، الدولة ذات الأغلبية اليهودية.

وسيكون الضم بمنزلة ولادة دولة ذات أقلية يهودية لا يمكنها البقاء على قيد الحياة، إلا من خلال اضطهاد الأغلبية الفلسطينية فيها والتحكم بمصائرها. إن من يفعل ذلك في قارة تسكنها أغلبية عربية مسلمة، إنما يحكم على نفسه بالموت البطيء.

وبغض النظر عن عدد الزعماء العرب الذين ستتمكن إسرائيل من شرائهم، فإنها ستستمر في استثارة سخط عموم العرب والمسلمين عليها أينما وجدوا، ولن يحمي دولة الأقلية اليهودية منهم شيء على المدى البعيد، لا الجدار ولا الجيش ولا أسطول الطيارات المسيرة ولا السلاح النووي ولا الرئيس الأمريكي

التعليقات (0)