مقالات مختارة

من يخاف اختيارَ الشعب في تونس؟

سليم قلالة
1300x600
1300x600

لا شيء عن التزوير في تونس.. كل شيء سار وفق قواعد العمل الديمقراطي.. تَوقَّعَ الديمقراطيون أن يفوزوا، إما من خلال الوزير الأول أو وزير الدفاع السابق على الأقل، وسيُهزم الإسلاميون الذين تقدّموا بمرشحهم هذه المرة الشيخ عبد الفتاح مورو. ولا أحد منهم كان يُشكِّك في الديمقراطية أو في أحقية التونسيين بها.. فإذا بالأمور تنقلب رأسا على عقب بمجرَّد فوز مَن اعتبروه محافِظا إلى حدِّ النخاع، سلفيا، لا يخاطبهم إلا باللغة العربية الفصحى، ولم يكن مرشح الإسلاميين!

ولذلك قالوا: اللعنة على هذه الانتخابات التي مكَّنت أستاذا جامعيا بلا حزب سياسي، ولا أموال، ولا دعم خارجي من الفوز بهذه المرحلة الأولى.

وانهالت التعاليق الرافضة لهذه النتيجة في أكثر من مكان، مع أكثر من اسم… هناك من اتَّهم التونسيين بأنهم لا يستحقون الديمقراطية، وهناك مَن شَكَّك في قدرتهم على الاختيار، ومَنْ شَكَّك في كل المسار "التحرري" الذي ناضلت من أجله تونس، وأخيرا هناك مَنْ دعاهم إلى إعلان الحداد! لأنهم جميعا خافوا اختيار الشعب وخافوا أن تكون الصناديق بحق بيد الشعب يختار مَن يريد. لذلك تجدهم يعلنون قَبولهم الديمقراطية بشرط واحد أن تكون النتيجة في صالحهم، وألا تُسفر عن نجاح مَن يُسمُّونهم "رجعيين إسلاميين".

والمترشح التونسي الفائز اليوم في الدور الأول، قيس سعيَّد، هو من ذلك الصنف، الذي أعلن عن مبادئه السياسية من اليوم الأول، فضلا عن خياراته الاقتصادية: إنه لن يقبل بتجاوز الشريعة والنص القرآني في مسألة الميراث كما فعل الرئيس السابق رحمه الله، وبأنه يرفض أطروحات اللائكيين بهذا الشأن، ولن يسمح بمرور قوانين المِثْلِيين، ولا تلك التي تقبل بخدش الحياء العام، ولن يُلغي قانون الإعدام، فضلا أنه سيُحارب الفساد بلا هوادة، ولن يقبل بالمساس بالاقتصاد التونسي من أي كان، ولا يقبل بالتطبيع مع الاحتلال.. وختمها بأنه لا يقبل إلا الحديث باللغة العربية الفصحى بقواعدها التامة نُطقا وإعرابا وبلاغة خلافا لكل المترشحين الذين أغمطوها حقَّها، أو تعمَّدوا تجاهل قواعدها!

وعلى خلاف الذين كانوا يعتقدون بأنه سيخسر الانتخابات من الدور الأول، لم يُنفِق هذا المترشح التونسي الوطني، أي مليم من أموال الشعب، ولا قَبِل أن تأتيه أموالٌ من أي مصدر آخر، بل قاد حملته الانتخابية دون أي دعم مالي، ودون أيِّ تجمعات تُذكَر، فقط هي اتصالاته المباشرة واحتكاكه اليومي مع الشعب، وسمعته الطيبة التي مَكَّنته من احتلال هذه المرتبة الأولى في الدور الأول، الأمر الذي قلَّب كل موازين الانتخابات التقليدية رأسا على عقب.. ومكّننا من الخروج بعدة خلاصات لعل أهمها:

–  ليس بالضرورة أن تفوز الأسماء اللامعة في الانتخابات.

– وليس بالضرورة أن يفوز أصحاب المال وإن جاء ممثلهم "القروي" ثانيا في الدور الأول.

–  وليس بالضرورة أن الشعب هو دائما مع الواقف!

–  وليس بالضرورة أن يفوز بالانتخابات من كان في الحكم.

–  وليس بالضرورة أن تكون للفائز جماعة أو حزب يساعده…

–  وليس بالضرورة أن يكون المرشح شعبويا غير مثقف!

يكفي أن يصدق قوله، وأن يكون ضميرَ الشعب ليفوز، وليؤكد مرة أخرى أن الغربيين وأتباعهم في بلداننا إنما ينادون بديمقراطية من نوع خاص تخدمهم وتخدم مصالحهم وتقضي على ما بقي ثابتا من قيم وأصالة في مجتمعاتنا، وأنهم -على خلاف ما يبدو- أكثرُ من يخاف الانتخابات، وأكثر من يخاف حكم الشعب، وأكثر من يريدها ديمقراطية على المقاس من خلال التزوير أو التدخُّل التعسفي بالإلغاء، وهو ما نخشاه على مرشح الشعب التونسي الفائز قيس سعيد، بل ومرشح كل شعوب مغربنا الكبير.

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
محمد
الجمعة، 20-09-2019 06:22 ص
لعل الله أنعم على تونس بهذا الشريف وفقه الله