قضايا وآراء

السلطة وإسرائيل: التنسيق الأمني مقابل البقاء

عبد الناصر عيسى
1300x600
1300x600

لم يكن المراقب والمتابع العادي للشأن الفلسطيني بحاجة ماسة للتصريحات العلنية لقائد المنطقة الوسطى الأسبق الجنرال غادي شمني والتي أعلن فيها قبل عدة سنوات أن بقاء ووجود السلطة الفلسطينية مرهون بحماية الجيش الإسرائيلي لها، وأنه لولا مساعدات إسرائيل للسلطة الفلسطينية لانهارت بسبب الضغط الداخلي ونشاطات حماس في الضفة الغربية، ليدرك أن معادلة الأساس الناظمة لعلاقات السلطة الفلسطينية مع دولة الاحتلال، والتي صاغتها سياسات اليمين واليسار، العسكر والساسة في إسرائيل، تقوم في السنوات الأخيرة على مقايضة التعاون الأمني مقابل الحماية والبقاء، بغض النظر عن الإطار والأفق السياسي.


ماذا يعني ذلك؟ وما هو موقف السلطة الفلسطينية من الأمر؟ 


تزعم دولة الاحتلال أن السلطة الفلسطينية تدرك معادلة المقايضة السابقة جيدا، أي التعاون الأمني مقابل الحماية. ممن؟ من حماس وبقية "الإرهابيين"! وهو ما أكده مؤخرا المحلل العسكري في هآرتس 27-9-2019، معتبرا ذلك حقيقة يدركها الجميع ولا يمكن أن تخفيها المناكفات السياسية بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء نتنياهو حول المساعدات المالية للسلطة وغيرها.


والأهم من ذلك هو أن الواقع على الأرض يشهد بهذا التفاهم المشترك، فالسلطة الفلسطينية والتي يفتخر رئيسها، ومؤخرا على منصة الأمم المتحدة، بأنه ملتزم بـ83 اتفاقية لمحاربة الإرهاب، تستمر بالالتزام بوضوح بالتعاون الأمني ضد "الإرهاب"، كما في عملية" عين بوبين أو دولاف"، ولا تعتبر انهيار الأفق السياسي وانتهاء إمكانيات حل الدولتين _وهو المشرع الأصلي لهذا التنسيق – سبباً للمس به في اعتراف عمليّ واضح أنه مرتبط فعلاً ببقائها لا بآفاق التقدم في عملية التسوية .


من اللافت أن كلا طرفي معادلة التعاون الأمني مقابل البقاء يستخدمان "بعبع" حماس والجهاد الإسلامي، أو بعبارة الطرفين الإرهاب الفلسطيني من أجل استمرار المعادلة "فلولا جهودنا في محاربته لوقعتم في مأزق ولسقطت هيبتكم أو سلطتكم" – يقول احدهما للآخر، وفي مقابل هذا لا يتم التطرق لوحش الاستيطان المعربد في كل زاوية من فلسطين والمسيطر بالتدريج على القدس والمقدسات، فهي أمور برأي طرفي المعادلة تتعلق بالأفق السياسي وليست شرطاً أو ضرورة لاستمرار المعادلة المأساة .


ليس انسداد أفق المصالحة الوطنية الفلسطينية أمر عابر إذن، أم إنه جاء كنتيجة لعدم التزام حماس ببند هنا أو اتفاقية هناك، وبالضرورة نتيجة حتمية أو شرطٍ ضروريّ لاستمرار معادلة السلطة وإسرائيل السائدة: التنسيق الأمني مقابل البقاء، فإذا تمت المصالحة الوطنية الفلسطينية انهارت بالضرورة معادلة الأساس، وهذا ما لا يتوقع أن يتم طالما لم تتغير معطيات وظروف السلطة الفلسطينية الحالية. 


هكذا تضمن المعادلة السابقة استمرار الاحتلال بشكل مريح للطرفين، وتشيطن المقاومة ويتطور الاحتلال تدريجيا نحو العنصرية و الأبرتهايد الزاحف وتستمر إسرائيل بالتطور الاقتصادي وبالتطبيع الزاحف لعواصم القرار في المحيط العربي، أما السلطة فتستمر في "صراعها ونضالها العنيد" في أروقة ومكاتب وفنادق عواصم العالم "المتحضر".

0
التعليقات (0)

خبر عاجل