كتاب عربي 21

الثورة المضادة تتراجع.. فهل تهزمها مصر بالضربة القاضية؟

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

لولا أن كلمة "يترنح" بات لها مدلول سيئ في النقاش السياسي حول مصر بسبب المقولة "المخدرة" التي كانت تؤكد أن "الانقلاب يترنح" منذ يوليو 2013، لكان الأصل أن يصبح عنوان المقال "الثورة المضادة تترنح"، لأن ما يحصل الآن في المنطقة يدل بدون شك، وبدون أي محاولات لبيع الوهم بأن تيارات ودول "الثورة المضادة" التي حاربت حق الشعوب العربية بالتغيير، تترنح الآن في أكثر من ساحة، وعلى أكثر من صعيد.

ربيع "الثورات المضادة"!

بدأت الثورة المضادة بتحقيق "انتصارات" واضحة في عام 2013، ابتداء من الانقلاب على الرئيس المصري المنتخب الراحل محمد مرسي، ثم حققت انتصارات مهمة في كافة الدول العربية التي شهدت انتفاضات شعبية، حولت فيها "الربيع العربي" إلى "ربيع" للأنظمة التقليدية في المنطقة بدلا من أن يكون ربيعا للشعوب. بعد انقلاب السيسي بأسابيع، أسقطت حكومة الترويكا المنتخبة في تونس، وبعدها بشهور تسيد الساحة السياسية فيها حزب وليد من بقايا التجمع الدستوري الذي كان يقوده بن علي، حيث انتصر حزب "نداء تونس" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في العام 2014 مؤذنا بتراجع القوى التي شاركت في النضال ضد نظام بن علي.

 

وفي اليمن أسقطت الشرعية التي أفرزتها ثورة عام 2011، وأعيد دور بقايا نظام على عبد الله صالح بالتحالف مع الحوثيين، وفي سوريا خسرت المعارضة مواقعها واحدا تلو الآخر، فيما سيطر اللواء المنشق خليفة حفتر على مساحة واسعة من جغرافيا وسياسة ليبيا مدعوما من نفس الدول التي ناصبت "الربيع العربي" العداء منذ بدايته.

تمكنت منظومة "الثورة المضادة"، إذن، من تحقيق كافة أهدافها تقريبا خلال السنتين اللتين أعقبتا انقلاب السيسي في مصر، وأصبحت "رؤيتها" تسيطر على كافة دول المنطقة التي شهدت ثورات شعبية، مستفيدة من نجاح الانقلاب في مصر، وتقهقر الثورة في سوريا، حتى ظنت هذه المنظومة أن بإمكانها تحقيق أي هدف تريده في المنطقة.

 

ولعل هذا يساعدنا في فهم الاتهامات لهذه المنظومة بالمشاركة في دعم محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس أردوغان الذي لا يمثل صديقا جيدا لها، إذ إن انتصاراتها في معظم دول المنطقة جعلها على ما يبدو تعتقد أنها قادرة على تحقيق أهدافها حتى في دولة مستقرة وغير عربية مثل تركيا.

خريف "الثورات المضادة"

لم يبدأ خريف منظومة الثورات المضادة قريبا، بل هو مسار متدرج منذ سنوات، فقد فشلت هذه المنظومة باستكمال أهدافها التي كانت قد حققت "انتصارات" أولية فيها في أكثر من ساحة. في تونس لم تستطع الثورات المضادة فرض رؤيتها الاستئصالية الإقصائية على الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي فضل مسار التحالف مع النهضة لتحقيق الاستقرار في بلاده على مسار الإقصاء الذي كانت ترغب به تلك المنظومة، ما جعلها تبحث عن حلفاء جدد يضعفون السبسي من داخل حزبه، وينافسونه على جمهوره، ولكنهم فشلوا في ذلك أيضا.

 

أما في ليبيا، فقد فشلت انقلابات "تلفزيونية" عدة أعلنها حفتر، "حليف" الثورات المضادة، كما فشلت حملته العسكرية الأخيرة التي حاول فيها الاستيلاء على العاصمة طرابلس فشلا ذريعا وحققت حكومة التوافق انتصارات عسكرية وسياسية مهمة بعد بدء الحملة.

وفي الأثناء، ظهر الحراك الشعبي الجديد في كل من الجزائر والسودان ليثبت أن الثورات الشعبية لم تنهزم كليا، وأن الصراع بين الشعوب الطامحة للحرية والكرامة ومنظومة الحكم القديمة المدعومة من "الثورة المضادة" لم ينته بعد. صحيح أن هذه المنظومة لا تزال تحاول تجيير نتائج الحراك في السودان والجزائر لصالحها، ولكن النخب "الشعبية" لا تزال تقاوم أيضا لتحقيق أهدافها المشروعة.

ثمة ضربة مؤلمة أخرى سياسيا وعسكرية لمنظومة الثورة المضادة، تتمثل بالموقف الأمريكي المتمنع عن تقديم دعم حقيقي لها بمواجهة إيران و"وكلائها" في المنطقة، ما أدى إلى انشغال دول هده المنظومة بحل أزماتها مع إيران في ظل امتناع ترامب عن تقديم دعم حقيقي عسكريا وسياسيا لها.

 

لا يعني هذا التغاضي عن سياسات إيران التوسعية في المنطقة، ولكن الحديث في إطار "التحليل السياسي" يقود لاعتبار ما يجري هو انتكاسة لهذه المنظومة، وهو في نفس الوقت ليس انتصارا لإيران التي تعاني من عزلة دولية وحصار مدمر لاقتصادها ورفاه شعبها.


في تونس أيضا، تمثل نتائج الانتخابات الرئاسية ضربة أخرى لمنظومة الثورة المضادة، وذلك بصعود مرشحين غير مفضلين لها للدورة الثانية، وخصوصا أن المرشح الأقوى حتى الآن هو قيس سعيد الذي يعتبر مستقلا تماما في توجهاته وطروحاته السياسية عن التأثيرات الإقليمية والدولية.

 

هذه الأحداث جميعها تثبت أن انتصار الثورات المضادة ليس قدرا، وأن هزيمتها ممكنة، وأن الثورات الشعبية لم تنته بعد، وأن المعركة لم تحسم بعد لصالح القوى التقليدية التي تحكم منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في المنطقة العربية.


مصر.. هل تكون الضربة القاضية؟

إذا كانت بداية صعود منظومة "الثورة المضادة" هي نجاح الانقلاب في مصر وإنهاء التحول الديمقراطي فيها، فإن "الضربة القاضية" لهذه المنظومة "المترنحة" لن تكون إلا باستعادة الثورة في مصر، واستئناف مسار التحول الديمقراطي التدريجي فيها. ولذلك فإن الأنظار كلها تتجه الآن إلى مصر، وإلى العودة المتدرجة للحراك الشعبي ضد نظام يمارس الإفقار والقمع ضد الشعب المصري منذ 3 يوليو 2013.

 

فهل تنجح هذه العودة بتوجيه ضربة قاضية للثورة المضادة؟ لا يمكن لأي محلل أو باحث أو سياسي أن يحدد إجابة واضحة على هذا التساؤل، ولكن الحراك الذي بدأ يوم 20 أيلول/ سبتمبر الجاري حقق هدفا رئيسيا وهو كسر حالة الخوف التي صنعها قمع النظام خلال ست سنوات، إضافة إلى أنه أعاد للشارع حيويته من جديد. 


لم يحقق الحراك انتصارا واضحا في الجمعة الثانية من المظاهرات بسبب الحشد الأمني المشدد الذي حول مصر إلى ثكنة عسكرية، ولكن هذا الحشد لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، ومن الواضح أن مصر ستشهد الآن مرحلة من "عض الأصابع" بين الشعب وبين النظام وقبضته الأمنية، وما يقوله التاريخ أن الشعوب إذا أدركت قوتها وحقوقها، فإن القبضة الأمنية لا يمكن أن تنتصر للأبد!

التعليقات (5)
الحسين بن عمر
الثلاثاء، 01-10-2019 09:03 ص
مرحبا أستاذ وشكرا على المقال، فقط يكون من الدقة الحديث عن القوى المضادة للثورة بدلا الثورة المضادة، الثورة فعل إجتماعي إيجابي في العموم وبالتالي يكون من الأسلم الحديث عن القوى المضادة للثورة. مع خالص التقدير
فراس أبو هلال
الإثنين، 30-09-2019 11:59 م
شكرا أستاذ آدم.. الصراع مع الاستعمار بشكل أساسي.. وكنت قد كتبت سابقا عن هذه الفكرة هذا المقال https://arabi21.com/story/1177177/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A9#author_648
adem
الإثنين، 30-09-2019 08:10 م
شكرا على المقال لم يكن الأمر مفاجأة أقصد ترنح و سقوط الثورات المضادة بإذن الله تعالى إلّا لضعاف النفوس و قليلي البصيرة وذوي النّفس القصير ممّن يتوهّم العبقرية و معرفة كلّ شيء !!!؟؟؟.. ملاحظتي الوحيدة تتعلّق حول من قاد هذه الثورة المضادة ؟ نسبها إلى أحفاد أبي لهب و ثعالب ابن زيد احتقار لذكائنا ، المسؤول الوحيد الغرب الرّسمي بكلّ توجّهاته فهو المخرج و واضع السيناريو بينما أسندت البطولة و التّمثيل لمنافقي بني جلدتنا ممّن ورد ذكرهم من قبل .
هيمن الخطابي
الإثنين، 30-09-2019 01:35 م
شعار الانقلاب يترنح، استخدم ليس للتخدير ولكن للتحفيز، والواقع أن الحراك الثوري بعد الانقلاب لمدة تقترب من عام بدى وكأنه قريب من النصر، ولم يكن في تقدير غالبية المشاركين فيه المدى الإجرامي الذي يمكن أن تصل إليه قوى الثورة المضادة ومؤيديها وداعميها لسحق الثورة. فمن توقع أن تقف تيارات ليبرالية واشتراكية وسلفية والمؤسسات الدينية والطرق الصوفية واتباع الكنيسة خلف الانقلاب العسكري؟ ومن توقع أن آل سعود الذين تحالفوا في الستينات مع الإخوان وبنوا شرعيتهم على كونهم داعمي الإسلام وممثليه، سيدعمون الانقلاب ويطيحو ن بالإخوان وكل التيارات الإسلامية، وأن شيوخ الإمارات المنشغلين بأموالهم ورفاهيتهم سيتحولوا إلى قوات مرتزقة تصول وتجول في المنطقة للسيطرة علي حكوماتها؟ ومن توقع أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الذين بشرونا بنشر الديقراطية وحقوق الإنسان في بلادنا، سيقفون خلف الانقلاب العسكري، وأن روسيا بعد ثورتها ستعود لأطماعها الامبراطورية وبناء قواعدها العسكرية؟ ولكن تغير موازين القوى في العالم العربي كله سيجعل الموجات القادمة للثورة أوسع نطاقاً وأكثر عنفاً ونجاحاً ضد قوى الثورة المضادة، والله أعلم.
مصري جدا
الإثنين، 30-09-2019 12:43 م
المعارك الصفرية غير موجودة في دنيا البشر ،،، ما تسمى بالثورة المضادة تعبر عن مصالح أشخاص وكيانات ومؤسسات ودول ،،، فهل يمكن التفاهم معها والحفاظ على جزء من مصالحها دون المساس بالمصالح العليا للشعب والدولة ،، أمر يحتاج إلى تفكير وتخطيط ومعلومات وكفاءات ،،، لماذا ،،، .. انماط التغيير والتعديل في أنظمة الحكم العسكري في بلدان العرب بصفة خاصة.. وكل نظم الحكم فيها عسكري حتى دول الخليج .. لن يخرج عن سيطرة المؤسسات العسكرية بدعم صهيوامريكي لاعتبارات المصالح وفي المقدمة أمن إسرائيل.. امن الوجود وليس امن الهدوء .. حدث هذا في ثورة يناير كما حدث في السودان والجزائر منذ شهو .. المؤسسة العسكرية متوغلة في باقي مؤسسات الدولة وفي السياسة والاقتصاد والإعلام وفي غالبية بيوت المصريين بسبب التجنيد الإجباري وفي قلوب وعقول ملايين البسطاء والفقراء ..ا المؤسسة العسكرية شريك متضامن بواقع القوة والتواجد .. وهي الطرف الأقوى.. يبقى طرفان .. الحركة الإسلامية والحركة المدنية وكلاهما في أضعف حالاته.. لكنهما ضلغي مثلث الحكم ولو بعد حين ... المطلوب اذا هو .. اولا .. تقوية واستمرار الحراك الشعبي لإسقاط السيسي مع استبعاد شعارات يسقط حكم العسكر ... ثانيا ... إعادة نظر المربع الإسلامي والمدني في بيته والبناء الداخلي استعدادا للمرحلة القادمة بمنصات قيادة جديدة تمتلك المعلومات والمفاءات والعلاقات... ثالثا ... تكوين منصة قيادة شعبية تمثل حراك الشارع على غرار تجربة السودان ... رابعا .. بلورة المطالب الشعبية والاجراءات العملية استعدادا لمرحلة ما بعد السيسي حتى لا نكرر أخطاء ما بعد الثورة... الخلاصة .. العسكر شركاء .. والشعب غطاء .. والنخبة امل ورجاء ... حفظك الله يا مصر ..