كتب

الملف النووي الإيراني وحدود المواجهة بين طهران وواشنطن

توفيق المديني: إيران لم تعد تملك مشروعا سياسيا لمواجهة أمريكا وإسرائيل في آن معا  (الأناضول)
توفيق المديني: إيران لم تعد تملك مشروعا سياسيا لمواجهة أمريكا وإسرائيل في آن معا (الأناضول)

الكتاب: إيران النووية البرنامج الإيراني النووي من النشأة إلى الأزمة فالحل
الكاتب: طالب إبراهيم
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق2019،( 535من القطع الكبير).

بنت إيران موقفها طوال الأزمة على أن من حقها تخصيب اليورانيوم وفق معاهدة منع الانتشار النووي، وأنها لن تتنازل عن هذا الحق مهما كان الثمن، كما أنها سوّغت لنفسها الاستمرار بتخصيب اليورانيوم بالمماطلة الروسية في إنهاء العمل وتشغيل مفاعل بوشهر. وقال المسؤولون الإيرانيون إنهم سيخصبون اليورانيوم الذي يحتاجونه للأغراض السلمية، ولن يخضعوا للابتزاز الخارجي في المجال النووي؛ أسوة بباقي المجالات الرئيسية في إيران، لكن طهران التي تنتهج سياسة التوازن البراغماتي بين مبدئيات الداخل والظروف الخارجية، بدأت تشعر بأن خلف الأكمة ما خلفها، وأنَّه من الأفضل لها القيام بعمل ما لـ "تنفيس" الضغوط الخارجية عليها، واللعب من جديد بورقة الوقت والبقاء في المنطقة الوسطى بين التصعيد المدروس والحلول الواقعية، أي تحقيق أعظم فائدة ممكنة من اللعب وسط الملعب" (ص 369 من الكتاب).

الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة القوى الكبيرة

بعد سنوات من الأخذ والرد، وبعد تقلبات السياسة وثوابت المنطق، وبعد سنوات من التفاوض توصلت إيران ومجموعة القوى الكبيرة إلى اتفاق حول أزمة ملف إيران النووي، فكان الاتفاق التاريخي بين إيران مع الدُّول الست، في حزيران /يونيو 2015، الذي تم البدء بتنفيذه في 17 كانون الثاني /يناير 2016، ومن هنا كان الرهان الكبير على القرار الاستراتيجي لإنجازه، حيث علّق الرئيس روحاني آمالا كبيرة على ذلك الاتفاق، ووصف ذلك الإنجاز بأنّه يمثِّل "صفحة ذهبيّة في تاريخ بلاده"، ولاسيّما لجهة فكّ الحصار المالي والاقتصادي، وعودة إيران إلى التفاعل مع الاقتصاد العالمي بشكل يُعيد إنعاش اقتصادها.

 



يقول الكاتب طالب إبراهيم: "وأخيرا انتصر العقل في واحدة من أكبر وأخطر الأزمات في العالم مطلع الألفية الثالثة، وعلا صوت الحوار على المدافع ، تضمن الاتفاق المذكور 82 نقطة أهمها:
 
موافقة إيران على تشغيل نحو خمسة آلاف من طراز "آي آر-1" من أصل 6100 جهاز مثبت بالفعل لتخصيب اليورانيوم لمدة عشر سنوات.

تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 5%، وهي النسبة الضرورية لعمل المفاعلات النووية المخصصة لإنتاج الطاقة الكهربائية. كما خفضت إيران تركيز أو إجراء عمليات معالجة أخرى لمخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 % ، واتُّفِقَ على أن تقوم إيران بخفض مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى 300 كغ، بدلا من عشرة أطنان تقريبا، وهي الكمية التي قيل إن إيران كانت تملكها عشية التوقيع على الاتفاق المبدئي عام 2013. 

 

المُتَشدِّدُون داخل القيادة الإيرانية يريدون أن تتصرف إيران كقوة إقليمية كبرى، وأن تؤدي دورا مؤثرا في المنطقة وفي الساحة الدولية،


تجري إيران أنشطتها المتعلقة بتخصيب اليورانيوم استنادا إلى خطتها الطويلة الأمد، التي تصل إلى 15 عاما، ويتضمن ذلك حماية الأبحاث والتطوير بشكل حصري في مجمع تخصيب نطنز، وتحتفظ إيران بمستواها من تخصيب اليورانيوم حتى نسبة 3.67%، وتمتنع عن إجراء أي تخصيب لليورانيوم، وأبحاث تخصيب اليورانيوم وتطويره في موقع فوردو، كما تمتنع عن الاحتفاظ بأي مادة نووية في الموقع المذكور.

تحوّل إيران منشأة فوردو إلى مركز نووي وفيزيائي وتكنولوجي، ويُقام تعاون دولي، متضمن بشكل اتفاقات شراكة علمية تسلسلية في مجالات الأبحاث المتفق عليها، ويبقى 1044 جهاز طرد مركزي في مفاعل الماء الثقيل (IR-1) في ستة أجهزة ضخ تسلسلية في جناح واحد في منشأة فوردو، حيث يدور اثنان من هذه الأجهزة التسلسلية دون يورانيوم وسيحوّلان، بعد إجراء التعديل الملائم لبنيتها الأساسية، لإنتاج النظائر المشعة المستقرة، وتبقى الأجهزة الأربعة الباقية مع بنيتها الأساسية المرتبطة بها في حالة خمود. وتُزال كلُّ أجهزة الطرد المركزية الأخرى والبنى الأساسية المتعلقة بالتخصيب وتخزينها تحت المراقبة المستمرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية"(ص479 من الكتاب).

حدود المواجهة بين أمريكا وإيران 

صحيح أن إيران اتخذت قرارا أُحاديا "يتحدى الإرادة الدولية" حين أعلنت أنها أصبحت قوة نووية، لكنها في الحقيقة التاريخية لم تشذ عن القاعدة، بل سارت على الخطى عينها التي سارت عليها بقية الدول النووية الأخرى التي سبقتها في هذا المضمار للدخول إلى "النادي النووي" العتيد، إذ ليس من وسيلة انضمام إلى ذلك النادي العتيد غير تلك: عنوة وقسرا وفرضا لأمر واقع. فالنادي المذكور، وهو قدس أقداس القوة في زمننا هذا، لا تنفتح أبوابه إلا خلعا وفي وجه الجَسور، ذلك ما فعلته روسيا السوفييتية، عندما أنهت احتكار الولايات المتحدة لسلاح الإفناء الشامل، فافتتحت بذلك حقبة الاستقطاب الثنائي، وذلك ما فعلته بعدها فرنسا الديغولية، ثم الصين الشعبية، فالهند "الديمقراطية"، فكوريا الشمالية، ذلك الديناصور الستاليني القابع في أقصى الشرق، مدقعا جائعا، ولكنه نووي الأنياب، وكذلك باكستان الإسلامية، دون نسيان إسرائيل بطبيعة الحال، تلك التي حازت السطوة النووية في "غفلة" أو في تغافل نشيط من القوى الكبرى. إيران فعلت إذن ما فعل سواها، إذ مضت في تخصيب اليورانيوم وتوصلت إلى امتلاك تقنياته.

 

ترى القيادة الإيرانية المتشددة أنَّ المواجهة حول البرنامج النووي الإيراني هي جزء من مواجهة أوسع بين إيران والدول الغربية


المُتَشدِّدُون داخل القيادة الإيرانية يريدون أن تتصرف إيران كقوة إقليمية كبرى، وأن تؤدي دورا مؤثرا في المنطقة وفي الساحة الدولية، وأن تُحَوِّلَهَا إلى قوة نووية يعزز موقعها ويمنحها المزيد من القوة والاستقلالية. فبعد أن أصبحت إيران المستفيد الأول من سقوط عَدُوَيهَا اللدُودَين: نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق، وبعد أن استفادت من عواقب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، (رغم أنها فقدت كثيرا من رصيدها الأخلاقي في العالم العربي جراء التقائها الموضوعي مع أميركا حول العراق)، وبعد أن باتت لطهران اليوم التأثير الأكبر في العراق، إضافة إلى أن إيران تشكل الدولة الثانية المصدرة للنفط في الأوبك، وهي تستفيد من ثَمّ من ارتفاع سعر النفط، تنتهج القيادة الإيرانية مع تعمق أزمة الاستراتيجية الأمريكية في إقليم الشرق الأوسط بسبب الأزمة السورية، سياسة هجومية إذا لزم الأمر، لتأمين مصالح إيران الحيوية السياسية، النووية منها وغير النووية.

وترى القيادة الإيرانية المتشددة أنَّ المواجهة حول البرنامج النووي الإيراني، هي جزء من مواجهة أوسع  بين إيران والدول الغربية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، ساحتها العراق، وأفغانستان، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، وغيرها من المواقع، وأن "الإيرانيين لن يترددوا في زعزعة الاستقرار في عدد من دول المنطقة لضمان ما يسمونه "حقهم المشروع" في امتلاك القدرات النووية الكاملة. وتعتمد إيران في هذا المجال على جيش قوي ومهم لردع الأمريكيين عن شن أي عملية عسكرية ضدها. وهو ليس جيشا مزيفا. ومردّ ذلك أولا إلى استحالة كشف المنشآت النووية الجوفية، أو تلك التي تقام في المناطق السكنية؛ ثم إن إيران تملك قدرة عسكرية فعلية للثأر، وهذا لم يكن حال العراق في عهد صدام حسين. 

للعلم، فإن إيران منذ أن أخفقت في تصدير الثورة الإسلامية إلى العالم العربي، لم تعد تملك مشروعا سياسيا لمواجهة أمريكا وإسرائيل في آن معا، وهذا بصرف النظر عن الموقف العقيدي الإيراني الذي ما يزال يتحدث عن الشيطان الأكبر. فما تستهدفه إيران من خلال معاركها الإقليمية هو الدفاع عن بقاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وليس مطالبة طهران بإبرام معاهدة عدم اعتداء مع واشنطن سوى تعبير عن هاجس بقاء رجال الدين في السلطة.

 

اقرأ أيضا: امتلاك القنبلة النووية هدف جامع لكل السياسيين الإيرانيين

 

اقرأ أيضا: إيران.. مقارنة بين دوافع الشاه والإسلاميين لامتلاك النووي

 

اقرأ أيضا: ولادة أزمة الملف النووي الإيراني ومواقف الأطراف المختلفة





التعليقات (0)