ملفات وتقارير

بعد الفراغ الأمريكي..هل بإمكان موسكو إدارة المنطقة المشتعلة؟

روسيا يمكن أن تتدخل في المنطقة باستخدام القوة العسكرية- جيتي
روسيا يمكن أن تتدخل في المنطقة باستخدام القوة العسكرية- جيتي

منذ تدخلها في الحرب السورية عام 2015م، أصبح لموسكو دور فاعل أكثر في منطقة الشرق الأوسط، مقابل انكفاء أمريكي خلق فراغا فيها.

ساهمت موسكو بادئ الأمر وباستخدام قوتها العسكرية في منع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ثم كانت عضوا أساسيا في مباحثات "أستانة" السياسية لحل الأزمة السورية، ما جعلها لاعبا فاعلا في الساحة إلى جوار لاعبين آخرين أبرزهم "إيران وتركيا"، كما تمتعت روسيا بتنسيق ميداني وأمني عالي  مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ذات الإطار.

وفي زيارة تاريخية جرت منتصف تشرين الأول/أكتوبر الحالي، خرج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصفقات تعاون اقتصادي مع حلفاء واشنطن التقليديين في المنطقة (السعودية والإمارات)، وصلت إلى توقيع 14 اتفاقية مع الرياض بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار، و10 اتفاقيات مع أبو ظبي بقيمة 1.3 مليار دولار. وفق تصريحات الرئيس التنفيذي للصندوق الروسي للاستثمار المباشر، كيريل ديميتريف.

وأعقب الزيارة عقد قمة روسية-إفريقية (من بينها مصر وليبيا) شهدت كذلك توقيع أكثر من 50 اتفاقية بقيمة 12.5 مليار دولار، وفق ما صرح به أنطون كوبياكوف، مستشار الرئيس الروسي. ورعت موسكو خلال القمة مباحثات مصرية إثيوبية حول أزمة "سد النهضة"، كما أبدت استعدادها للواسطة بين البلدين.

 

اقرأ أيضا: هل تحولت الاتفاقيات الاقتصادية بين مصر وروسيا لـ "فنكوش"؟


وفي خطوة أخيرة حملت إشارة بتراجع الدور الأمريكي لصالح الروسي، عقدت موسكو وأنقرة اتفاقية "سوتشي" (رحبت به واشنطن) في الـ22 تشرين الأول/أكتوبر الحالي على خلفية عملية "نبع السلام" شمالي سوريا.

وجاءت الاتفاقية بالتزامن مع توتر العلاقات الأمريكية التركية حول العملية، رغم توصل الجانبين إلى اتفاق على مهلة تركية مؤقتة تضمن بموجبها الولايات المتحدة تراجع الأكراد وتسمح لتركيا بإنشاء المنطقة الآمنة التي تسعى لها.

ووفق هذا المشهد الذي يحمل تقدما في الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، برزت تساؤلات عدة حول مقدرة موسكو على سد الفراغ الذي خلفته واشنطن، وماهية السياسة التي تتحرك بها، وما إمكانية أن يشكل حضورها حلا للمنطقة المشتعلة بالصراعات.

محاولات سد الفراغ

 

من جانبه يرى أستاذ العلوم السياسية خطار أبو دياب أنه "في سياق الحرب السورية بدت روسيا وكأنها اللاعب الأساسي الذي كسب الجولات، نظرا لقدرتها على إدارة التقاطعات مع اللاعبين الأساسيين على الساحة السورية، سواء لاعبين مباشرين كإيران وتركيا أو لاعب غير مباشر كإسرائيل".

ويضيف خلال حديثه لـ"عربي21" بأنه "خلال المناورات التي حصلت بعد الاتفاقين اللذين عقدتهما أنقرة مع واشنطن وموسكو حول المنطقة الآمنة، لاحظنا كيف أن واشنطن انبرت لتسلم مصادر النفط في شرق سوريا، وبعد ذلك طلعت علينا وزارة الدفاع الروسية بالقول إن الولايات المتحدة تقوم بتهريبه خارج البلاد".


ويعتقد أبو دياب بأن "واشنطن تحتفظ دوما بدور الرافعة من أجل أن يكون لها كلمة في الحل النهائي في سوريا، خاصة لرغبتها بالتحكم في إعادة الإعمار في سوريا ومعرفتها بحاجة روسيا لذلك".

ويفسر "اندفاع روسيا في المنطقة باختراق الخليج وتحسين علاقتها مع تركيا إضافة للتواجد في مصر نجم عن الفراغ الذي خلفته أمريكا".

 

اقرأ أيضا: إغناطيوس: لهذا تستحق روسيا نصرها في الشرق الأوسط

ومجيبا على سؤال "هل تستطيع روسيا وحدها سد هذا الفراغ"، قال أستاذ العلوم السياسية: "أظن لو كان هناك تعاون منهجي روسي صيني لكان ذلك ممكنا، لكني أميل للاعتقاد بأن الصين تلعب لعبتها بشكل آخر، ويمكن في بعض الأماكن أن يكون هناك تنسيق صيني أمريكي غير مرئي".

وبرر استبعاده لقدرة روسيا وحدها على سد الفراغ، بقوله: "عندما نلاحظ إمكانات روسيا الاقتصادية نجد أن هذا البلد غير غني وليس عنده تلك الإمكانيات الكبيرة، وإمكاناته محصورة في الناحية العسكرية".

ويعتبر بأن "روسيا تحاول بسط سيطرتها في المنطقة للمحافظة على استمرار تحكمها بمادة الغاز ولكي تبقى مؤثرة في هذا الملف".


ووفقا لوجهة نظره فإن "روسيا استفادت من التردد والفشل الأمريكي ولكنها ليست قوة كالاتحاد السوفيتي السابق ولن تكون كذلك، الآن تلعب في هذا الملعب لكن مع أي تغير في الوضع أمريكي مستقبلا يمكن أن يؤدي ذلك إلى مواجهات أكثر".

ويتابع ما يراه بأن "الصين بإمكاناتها الكبيرة بمشروع الحزام والطريق هي المؤهلة أكثر لأن تتمتع بدور أكبر في الشرق الأوسط".

استغلال التخبط والتشرذم


ومن جانبه يرى أستاذ العلاقات الدولية برهان كور أوغلو بأن "الفراغ في المنطقة ليس بسبب عدم وجود واشنطن بل بسبب عدم وجود سياسة موحدة بين شعوب المنطقة بما فيها الدول العربية وتركيا وإيران"، مضيفا "هناك تخبط في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، مترتبة على وجود توجه ملحوظ عند ترامب للاتجاه إلى الشرق أكثر خاصة الصين والهند".


واعتبر كور أوغلو خلال حديثه لـ"عربي21" بأن التقارب الروسي التركي، على سبيل المثال، يمكن فهمه بسبب أن "الروس عندهم قدرة على التعامل مع المتغيرات في المنطقة، وعندهم تواصل أفضل مقارنة بالتواصل التركي الأمريكي، حيث يوجد استقرار في الموقف الروسي بينما الموقف الأمريكي متقلب، ولا يوجد موقف صريح من القضايا في الشرق الأوسط بشكل عام".


ويقول: "روسيا ليست جديدة في المنطقة ولها تاريخ من خلال دعم أنظمة ذات توجهات اشتراكية خلال عهد الاتحاد السوفيتي، والوجود الأمريكي تركز على الدفاع عن مصالح "إسرائيل" بالدرجة الأولى، وأمريكا لها أجندة خاصة وكانت تتعاون مع دول عربية من أجل تطبيقها، لكنها الآن تضغط عليهم وتستعمل لغة ابتزازية غير مرضية ومتدنية مع حلفائها".


ويفسر توجه السعودية والإمارات للتعاون مع روسيا بقوله: "هذه الدول الخليجية براغماتية جدا بحيث يمكن أن يتحالفوا مع أي دولة إذا ضمنت لهم أمنهم".

 

اقرأ أيضا: صفقات بـ1.3 مليار بين الإمارات وروسيا تزامنا مع زيارة بوتين

ويظن بأن "روسيا بدأت تلعب دورا فاعلا بعدما استطاعت حل مشاكلها الداخلية إلى حد ما، خاصة في ظل ما أحدثته السياسات الأمريكية الأخيرة في أفغانستان والعراق وسويا من فراغ"، مضيفا "ذلك أعطى صورة لكل من روسيا والصين لتلعب أدوار أكثر فاعلية، مستغلين غياب سياسة موحدة بين دول المنطقة".

ويشدد على أن الدول العظمى وجدت مناخا مناسبا في السيطرة على المنطقة من خلال هذه الانقسامات في الصف العربي وتركيا وإيران.

حل الإشكاليات

 

ويؤكد أستاذ العلاقات الدولية على أنه "ليس بمقدور روسيا أن تحل المشاكل في المنطقة"، قائلا "لا أظن أن روسيا تريد أن تحل المشاكل، هي تريد أن تستفيد من الوضع لتثبيت قوتها أكثر".


ومن وجهة نظره "روسيا تحركت تجاه المنطقة لتأثيرها على أمنها بحكم القرب الجغرافي، ولأن المنطقة تشكل لها سوق سلاح مناسب، وكذلك مساحة للحرب مع أمريكا على النفوذ".

وشدد بأن "حل مشاكل المنطقة لا يمكن أن يكون من خلال روسيا ولا من خلال أمريكا، يجب أن ينطلق من داخل دولها بتوفير الديمقراطية وحرية الإعلام واحترام حقوق الإنسان".

ويلفت إلى أن "روسيا ترضى لبشار الأسد الذي قتل قرابة مليون شخص أن يبقى في السلطة ولا تعنيها جرائمه، وحتى لو وجدت حاجة ملحة لتغييره فإنها تبقي النظام الذي يتعاون معا ويوفر لها كل الإمكانيات من أجل تأمين وصولها إلى المياه الساخنة".

وختم "روسيا يمكن أن تتدخل في المنطقة باستخدام القوة العسكرية، ولكن لا يمكن أن تحل مشاكلها من خلال وضع أنظمة سليمة في المنطقة، ولا ينتظر منها هذا الدور".


 
التعليقات (0)