صحافة دولية

FT: ما تأثير سياسات ترامب المتقلبة على أمن الشرق الأوسط؟

فايننشال تايمز: نزوات ترامب تقوم بإثارة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط- جيتي
فايننشال تايمز: نزوات ترامب تقوم بإثارة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلها أندرو إنغلاند، يقول فيه إن يتحدث فيها عن "نزوات" الرئيس دونالد ترامب ودورها في إثارة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن نهاية التحالف ضد تنظيم الدولة كانت مخجلة، فقد انسحبت العربات الأمريكية المصفحة من شمال شرق سوريا، وسط الحجارة والفواكه المتعفنة التي رماها الأكراد الغاضبين عليها.

 

ويلفت إنغلاند إلى قول رجل كان ينظر إلى عربة أمريكية اضطرت للرجوع إلى الخلف في أحد شوارع مدينة القامشلي في شرق سوريا: "ماذا حدث لأمريكا؟"، مشيرا إلى أن هذا هو السؤال ذاته الذي يسأله الجميع في الشرق الأوسط، فقرار الرئيس دونالد ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، فاتحا الباب أمام العملية العسكرية التركية ضد الأكراد، هو آخر إشارة عن فك الارتباط الأمريكي الذي يجري ببطء من المنطقة. 

 

وتنوه الصحيفة إلى أن حلفاء أمريكا الذين طالما اعتمدوا عليها للدفاع عنهم، شجبوا الهجوم التركي، الذي وصفته السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة بـ"العدوان" على سياسة دولة عربية، إلا أن مصير الأكراد لم يكن في حسبانهم، مشيرة إلى أن ما تخشاه هذه الدول هو أن تؤدي قرارات الرئيس المفاجئة إلى تقوية العدو الرئيسي لها في المنطقة، وهي إيران، التي استثمرت في دعم نظام الرئيس بشار الأسد. 

 

ويفيد التقرير بأن قرارات ترامب تزامنت مع التوتر العالي بين الولايات المتحدة وإيران، ما خلق حسا من الخوف وعدم اليقين، مشيرا إلى أن الموضوع الأساسي الذي يشغل حلفاء أمريكا هو فيما إن كانت واشنطن حليفا يمكن الاعتماد عليه، وإن كان ترامب الذي يتردد في المشاركة في حروب مكلفة سيدافع عنها لو دخلت في حروب ضد أعدائها. 

 

وينقل الكاتب عن دبلوماسي عربي، قوله: "يشعر الناس بالخيبة من الولايات المتحدة، والحقيقة هي أن ترامب مؤيد متحمس لإسرائيل، لكنه لا يرد على القضايا العربية إلا في حال حصل على المال"، وأضاف أن تداعيات الخروج الأمريكي البطيء من المنطقة تعني قيام قوى أخرى بملء الفراغ. 

 

وتجد الصحيفة أنه في الوقت الذي أعلن فيه ترامب عن الاحتفاظ ببعض القوات لحماية آبار النفط السورية، وأعلن انتصاره بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة، أبي بكر البغدادي، إلا أن هذه التحركات لن تخفف من مخاوف حلفاء واشنطن في المنطقة. 

 

ويشير التقرير إلى أن واشنطن ظلت ولأمد طويل القوة العسكرية والسياسية المهيمنة في الشرق الأوسط، فيما من غير المعلوم إن كان تحرك الولايات المتحدة بعيدا عن المنطقة بمثابة الثغرة التي ستدخل منها روسيا. 

 

ويلفت إنغلاند إلى أن الكرملين دعم نظام الأسد، وحصل على امتيازات عسكرية وقواعد عسكرية جوية وبحرية، وأشرف على ترتيب اتفاق مع تركيا، بحيث أصبحت القوات التركية والروسية تقوم بدوريات في المناطق ذاتها التي انسحبت منها أمريكا، مشيرة إلى أن موسكو عززت من قوة علاقاتها مع السعودية والإمارات، وهما الدولتان الحليفتان لأمريكا في منطقة الخليج.

 

وتقول الصحيفة إن هناك تزامنا رمزيا بين استقبال دول الخليج الباذخ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الوقت ذاته الذي كان فيه ترامب يواجه الكونغرس الغاضب من قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا. 

 

ويورد التقرير نقلا عن المعلق الإماراتي عبد الله عبد الخالق، قوله: "لو قررت أمريكا أن تدير ظهرها لنا فسيبدأ الخليج وبقية دول الشرق الأوسط بإدارة ظهورهم لأمريكا"، وأضاف: "لو كان هناك وجود أمريكي قليل، أقل من 10% فسيكون هناك من سيملأ الفراغ". 

 

ويبين الكاتب أن هناك دينامية أخرى يراها آخرون ظهرت نتيجة لأفعال ترامب، أي تردده في استخدام القوة ضد إيران، في وقت زادت فيه جرأة المعسكر المتشدد في طهران، وباتت دول الخليج تشعر بأنها عرضة لهجمات عسكرية من طهران والجماعات الوكيلة لها. 

 

وتنقل الصحيفة عن محللين، قولهم إن هذا قد يجبر دول الخليج على البحث عن طرق دبلوماسية مع طهران لمنع اندلاع النزاع، ففي تموز/ يوليو أرسلت الإمارات أول وفد بحري لها إلى طهران، وهو الأول منذ ستة أعوام، أما السعودية فقد أظهرت جدية لإنهاء حرب اليمن، وعقدت، كما يقول مسؤولون غربيون، محادثات سرية مع الحوثيين المؤيدين لإيران. 

 

وينقل التقرير عن الدبلوماسي العربي، وصفه إيران بأنها مثل "بلطجي المدرسة"، وقال إن الرياض وأبو ظبي حاولتا البحث عن "دعم الأخ الأكبر من الخارج، ومن الواضح أنه غير مهتم بمحاربة هذا البلطجي"، ولا حتى مواجهة إيران بطريقة غير عسكرية، ومن هنا فإنه لم يكن أمامها سوى خيارين "إما توقيع معاهدة فرساي الخاصة بها مع إيران، أو مواصلة المقاومة، وحتى الآن لم تختر الاستسلام".

 

ويستدرك إنغلاند بأن النقاش حول الانسحاب الأمريكي من المنطقة يدور منذ عقد أو يزيد، فثمن التدخل في العراق وأفغانستان ضغط كثيرا على واشنطن، مشيرا إلى قول دبلوماسي أمريكي مخضرم، إن الضغط حقيقي "عندما كان يتم الحديث عن النزاع في سوريا (أثناء فترة باراك أوباما)، وهو ما سمعته عن العراق، لم يكن أحد يريد قوات في سوريا". 

 

وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي كان فيه حذرا لتأكيد التغيرات، إلا أنه قال: "انتهى العصر الذي كانت فيه أمريكا وحدها من تؤثر في منطقة الشرق الأوسط". 

 

ويفيد التقرير بأنه من منظور عربي فإن فشل أمريكا كان في تقديم الدعم لحسني مبارك، الذي حكم 30 عاما، أثناء الربيع العربي 2011، ثم تبع ذلك تردد أوباما في تنفيذ وعده بضرب سوريا في حال اجتاز النظام السوري الخطوط الحمراء في استخدام السلاح الكيماوي في عام 2013، ثم أغضب الرئيس الأمريكي محور السعودية- الإمارات بتوقيع اتفاقية نووية مع إيران عام 2015. 

 

ويقول الكاتب إنه لهذا كان من المفترض أن يكون ترامب مختلفا، فقبل عامين تودد لحكام السعودية، من خلال اختياره عاصمتهم أول محطة له بعد انتخابه، وبعد عام خرج من الاتفاقية النووية التي وقعها سلفه، وأتبع ذلك بسلسلة من العقوبات الشديدة، مستدركا بأن اعتماده على حدسه ونزاوته ورؤيته للأمور من خلال التعاقد المالي زرع شكا جديدا في المنطقة. 

 

وتوضح الصحيفة أن استراتيجية أقصى ضغط أدت إلى زيادة التوتر في الخليج، فيما لم تبد هناك أي إشارة إلى استعداد ترامب لاستخدام القوة العسكرية أبعد من العقوبات الاقتصادية، ففي حزيران/ يونيو أحبط عملية عسكرية ضد إيران بعد إسقاط الأخيرة طائرة دون طيار، وفي أيلول/ سبتمبر رد بضعف على الاعتداء الذي شن ضد منشآت النفط السعودية، وهو الهجوم الذي حملت واشنطن والرياض إيران المسؤولية عن تنفيذه، ووصفه وزير الخارجية مايك بومبيو "بعمل حرب". 

 

ويورد التقرير نقلا عن مدير المخابرات الأمريكية السابق (ام أي6) جون سويرز، قوله: "لم يسمع من قبل عن تعرض حليف مقرب للولايات لهجوم صاروخي وطائرات دون طيار دون أن يكون هناك رد عسكري"، ويضيف: "لم يعد ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها تريد التأثير، وحلت محلها إلى مستوى معين روسيا والرئيس فلاديمير بوتين، فيما اكتشفت الدول أن عليها ترتيب علاقاتها ليس من خلال آلية السمسرة الأمريكية". 

 

ويقول إنغلاند إنه لكونهما شعرتا بالخيبة من إدارة ترامب، فإن الرياض وأبو ظبي قامتا بتبني سياسة تدخل في الشؤون الخارجية، وضختا مليارات الدولارات لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بعد عزل محمد مرسي عام 2013، ودعمت الإمارات، وبشكل نشط، أمير الحرب خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، وفي عام 2015 شنت الرياض وأبو ظبي حملة عسكرية ضد المتمردين الحوثيين، وبعد عامين قادتا حصارا ضد قطر. 

 

وتستدرك الصحيفة بأن قدرة السعودية والإمارات بدت محدوديتها عندما حملت إيران مسؤولية تخريب ناقلات النفط في الخليج وضرب المنشآت النفطية في السعودية، بالإضافة إلى ثمن المواجهة، ففي كلمة قبل الهجمات على السعودية قال مسؤول إيراني بارز أمام تجمع دولي إنه في حال ضربت أمريكا الجمهورية الإسلامية، فإن الأخيرة سترد بضرب الإمارات بطريقة تضر بها، وتدفع بخروج العمالة الأجنبية منها، "في ساعة". 

 

ويلفت التقرير إلى أن المسؤولين السعوديين والإماراتيين أكدوا أنهم لا يريدون مواجهة مع إيران حتى لو كانوا يدعمون استراتيجية ترامب، مشيرا إلى قول مسؤول سعودي بارز إن موقف الرياض كان هو الثبات، وليس تقديم رجل أو تأخير رجل أخرى، وأضاف: "نحن في وضع حرج، ونريد ردا قويا، لكن من سيقوم بضربة قوية؟.. اعتقدنا أن لدينا الوقت، وأنهم (في إيران) لا يملكون الوقت بسبب العقوبات". 

 

وينوه الكاتب إلى أن المسؤول السعودي رفض فكرة أن أمريكا لا يمكن الاعتماد عليها، مشيرا إلى دعم ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي عام 2018، واستمراره في دعم حرب اليمن، وقال: "في وجه الأزمة الدولية (مقتل خاشقجي) وكان العالم يريد إغراق السعودية، فمن وقف معها؟ ترامب". 

 

وتذكر الصحيفة أن وزارة الدفاع قالت إنها أرسلت منذ أيار/ مايو 14 ألف جندي إلى المنطقة، ولديها 54 ألف جندي في الشرق الأوسط، وذلك بحسب مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية، مستدركة بأنه رغم هذا كله فإن الرياض خائفة بسبب زيادة العداء ضد المملكة في الكونغرس. 

 

وينقل التقرير عن مسؤول يعرف بتفكير الرياض، قوله: "ابتعد الكونغرس عن السعودية وأكثر من أي وقت مضى"، وأضاف أن تأرجح ترامب وتعاونه مع كل بلد بطريقة مختلفة يترك أثره، وقال: "في الوقت الحالي نحن مرتاحون، ومن السذاجة ألا تشعر بالقلق بأنه لن يغير رأيه بسرعة". 

 

ويقول إنغلاند إنه في العام الماضي عندما كان ترامب يحاول الضغط على السعودية لتخفيض مستويات إنتاج النفط، فإنه حذر الملك سلمان من أنه لن يبقى في عرشه لأسابيع لولا الحماية الأمريكية، وقال إن المملكة تقترب من روسيا والصين، الدولتين اللتين تشتريان النفط السعودي.

 

وتذكر الصحيفة أن محمد بن سلمان زار روسيا 4 مرات منذ عام 2015، وتعاون البلدان في مجال النفط الخام، مشيرة إلى أن روسيا بدفاعها عن نظام الأسد، كشفت عن أنها حليف يمكن لدول الخليج الوثوق فيه حتى لو كانت تدعم المعارضة السورية، فيما هناك اعتقاد بأن موسكو، التي وثقت علاقتها مع تركيا وإسرائيل، تستطيع الحد من تأثير إيران في المنطقة. 

 

ويورد التقرير نقلا عن المسؤول المطلع على تفكير الرياض، قوله: "تمارس روسيا تأثيرا على إيران وتركيا، وعلينا التعامل معها.. لم يعد الأمر كما في الحرب الباردة أن تقف مع جانب ضد آخر، ولا أعتقد أننا نختار حلفاء جديدين، لكننا نستمع إليهم، ونحن بحاجة لأن تكون لدينا خيارات". 

 

وينقل الكاتب عن معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، قوله إن روسيا والصين، اللتين تقدمان معظم السلاح إلى إيران، قامتا بجهود مهمة لبيع السلاح إلى السعودية، وقطع الهيمنة الأمريكية والبريطانية، اللتين باعتا على التوالي نسبة 68% و16% من السلاح إلى السعودية، في الفترة ما بين 2014- 2018. 

 

وتقول الصحيفة إن السؤال هو إن كانت كل من الصين وروسيا قادرتين على ملء الفراغ الأمريكي، مشيرة إلى أن عبد الله يجيب قائلا: "لا.. فقط 1% وربما 10% في الخمس سنوات المقبلة، لكن ليس بشكل كامل"، وأضاف "سيكون خليجا دوليا، وليس خليجا أمريكيا". 

 

وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول الدبلوماسي المصري السابق، والزميل البارز في معهد السلام الأمريكي، هشام يوسف، إنه لو أرادت أمريكا تسريع خروجها من المنطقة فإن مشكلاتها تجذبها إليها، "للمنطقة طريقتها في فرض نفسها على المشهد الدولي، وحتى لو أردت الخروج فلن تستطيع.. يعني تخفيف للتأثير الأمريكي لا نهاية له".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)