قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: الطاعة (9)

هاني الديب
1300x600
1300x600
لفظ الطاعة يسري عليه ما يسري على لفظ البيعة. فالطاعة في الحس الإسلامي العام هي طاعة الله ورسوله وأولي الأمر والوالدين.. إلخ.

أزعم أن هذا الركن هو أسوأ ركن تم وما زال يتم استخدامه في جماعة الإخوان المسلمين. نعم، تم تلبيس المعنى الشرعي للطاعة لهذه العلاقة التنظيمية، وأحسب أن جل الإخوان لو تخلف أحدهم عن حضور عمل دون عذر يحس بأنه إثم أو على الأقل يحس حرجا شرعيا في صدره، رغم أنه أمر لا إثم فيه على الإطلاق.

بداية، أنقل لكم نص كلام الإمام البنا عن الطاعة كاملا، حتى لا يظن البعض أننا اجتزأنا الكلام فأخرجناه عن معناه، وسامحوني للإطالة.

أريد منكم التجرد في قراءة النص، وتفكروا في أول انطباع يعطيه هذا النص دون تأويل ولا تحريف ولا ليّ للنص، ليعطي معنى أنت تفهمه وهو ليس في النص.

يقول الإمام البنا:

"وأريد بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه توا في العسر واليسر والمنشط والمكره، وذلك أن مراحل هذه الدعوة ثلاث:

1– التعريف:

بنشر الفكرة العامة بين الناس. ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام، ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى، إلى غير ذلك من الوسائل العملية. وكل شُعب الإخوان القائمة الآن تمثل هذه المرحلة من حياة الدعوة، وينظمها القانون الأساسي، وتشرحها وسائل الإخوان وجريدتهم. والدعوة في هذه المرحلة عامة.

ويتصل بالجماعة فيها كل من أراد من الناس متى رغب المساهمة في أعمالها ووعد بالمحافظة على مبادئها. وليست الطاعة التامة لازمة في هذه المرحلة، بقدر ما يلزم فيها احترام النظم والمبادئ العامة للجماعة.

2– التكوين:

باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة (في هذه المرحلة) صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية. وشعار هاتين الناحيتين "أمر وطاعة" من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج، وتمثل الكتائب الإخوانية هذه المرحلة من حياة الدعوة، وتنظمها رسالة المنهج سابقا، وهذه الرسالة الآن.

والدعوة فيها خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعدادا تاما حقيقيا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة.

3– التنفيذ:

وهي مرحلة جهاد لا هوادة فيه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة كذلك، وعلى هذا بايع الصف الأول من الإخوان المسلمين في يوم 5 ربيع الأول سنة 1359هـ.

وأنت بانضمامك إلى هذه الكتيبة، وتقبلك لهذه الرسالة، وتعهدك بهذه البيعة، تكون في الدور الثاني، وبالقرب من الدور الثالث، فقدّر التبعة التي التزمتها وأعدّ نفسك للوفاء بها" (انتهى كلام البنا).

المرحلة الأولى المقصود بها قبل الانضمام للإخوان والقيام بالبيعة، والمرحلة الثانية هي أول درجات العضوية ويسمى العضو "الأخ المنتظم"، والمرحلة الثالثة وهي "الأخ العامل".

بالله عليكم، ماذا يعطي هذا النص من دلالات؟ مجرد أن أصبح الإنسان عضوا في الجماعة وجب عليه بلفظ الإمام البنا "وشعار هاتين الناحيتين "أمر وطاعة" من غير تردد ولا مراجعة، ولا شك ولا حرج"، أيضا "وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة".

فإذا أصبح أخا عاملا، وجب عليه بنص كلام الإمام البنا "ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا كمال الطاعة".

لماذا؟ نحن لسنا في معركة عسكرية يخوضها المسلمون مع الكفار. نحن نتكلم عن حركة مدنية دعوية تتخذ قراراتها بشورى وعلى علم.

نعم، كل الإخوان يقولون إنها طاعة مبصرة وليست طاعة عمياء، لكن بالله عليك أين البصيرة في هذه الألفاظ؟

أذكر أنني حضرت ندوة فكرية لمناقشة هذه الموضوعات، وكان أحد المحاضرين ممن يمثل وجهة النظر المحافظة التي تتبنى كل كلام الإمام البنا حرفيا، وهو أستاذ جامعي مرموق. لما عرضت عليه نص الطاعة قال: "ليس هذا ما أراده البنا ولا ما فهمته في دعوة الإخوان ولا ما تعلمته"، قلت له: هل يمكن أن نستبدل هذا النص بنص آخر يوضح حقيقة ما أراده البنا وما تعلمته أنت في الجماعة؟ فرد علي: "يا دكتور أليس القرآن حمّال أوجه؟"، قلت: نعم، قال: "أفنغير النص القرآني أم نترك كل إنسان يأخذ الوجه الذي يراه؟".

بصراحة غضبت غضبا شديدا وانفعلت في وجهه وعلا صوتي، وقلت له: "أتشبه كلام البنا بالقرآن؟!".

نعم، هذا منطق كثيرين، حتى ممن علقوا على مقالاتي أن نترك هذه النصوص في أدبياتنا في عام 2020، وليفهم كل شخص في أي مكان ما يريد حسب حاجته!!

لقد كان ركن الطاعة باستخدامه الواقعي (في وجهة نظري) أحد أسباب تأخر الإخوان المسلمين إلى اليوم في تحقيق آمال الكثيرين والاستجابة لطموحات أبنائها. بل وأزعم أنها أكبر عامل طارد لكثير من الكفاءات التي لم تتحمل هذا الأسلوب في المعاملات التنظيمية.

في بعض الأحيان كانت الأوامر التنظيمية غير مقنعة للأعضاء، وكان المسؤول لا يستطيع إقناع الأعضاء بالقرار، فيلتجئ إلى ركن الطاعة لينفذ القرار غير المفهوم أو الذي لا يبدو صحيحا.

نعم، كانت وما زالت الطاعة الكاملة هي المؤهل الرئيسي لمن يترقى داخل المنظومة الإدارية للجماعة. فكلما زاد سمع وطاعة العضو كلما زادت فرص تبوؤ لمنصب قيادي بغض النظر عن الكفاءة.

من هنا، لا تتعجب إذا امتلأت المناصب القيادية للجماعة بأشخاص منقادين لا قياديين. وكعادة الأشخاص المنقادين، فهم أقل قدرة على الإقناع أو حتى طرح آراء ومبادرات مبدعة. وبالطبع لا يحب قائد من هذا النوع أن يكون بجواره أو تحته في المستوى التنظيمي من هو أعلى منه فكرا وفهما وكفاءة، فمن ثم ينتقي من هو أقل منه كفاءة وأكثر طاعة للترقي.

الأخطر، أن درجة الطاعة في الجماعة لم تكن الطريق الأوحد للترقي الإداري داخل الجماعة فحسب، بل كانت حتى العنصر الأهم في الترشح للانتخابات السياسبة والنقابية والمحلية و..و..و.

أيضا لا أبالغ إذا قلت إنه في خلال العقدين الماضيين بالتحديد؛ انتهزت قلة (وأكرر قلة) من أصحاب القلوب المريضة من ذوي الكفاءات ركن الطاعة ليتسلقوا إلى مناصب قيادية داخل الجماعة، ثم تعاملوا بازدواجية ديناميكية مع ركن الطاعة (نفاق الكلمة الأصح)، فهم يجلسون مع المستوى الأدنى منهم وينتقدون قيادة الجماعة، ويُظهرون كيف أنهم لا يألون جهدا في النصح للقيادة والتوجيه وطرح كل الأفكار الجديدة ولكنهم يجدون صعوبات من القيادة الأعلى، فيمتصون غضب الأفراد على القيادة ويحصلون على درجة أعلى من السمع والطاعة والتقدير، وحين يجلسون مع القيادة الأعلى منهم ينبطحون إلى مستوى من الطاعة والاسترضاء مما لا يمكن تصوره. وهذه القلة لا يعلمها إلا عدد محدود من الإخوان ممن لهم تواصل مباشر دائم مع المستويات القيادية العليا.

بالطبع لا يوجد تنظيم في العالم أيا كان، حزبا أو جماعة أو جمعية، إلا ويوجد فيها التزام بقرارات المؤسسة إلى درجة ما، وهذا في جماعة الإخوان المسلمين يجب أن يسمى انضباطا وليس طاعة. ورغم أنه يجب أخذ درجة الانضباط في الحسبان عند الترقي في المناصب الإدارية داخل الجماعة، فإنها يجب أن تكون تالية في الكفاءة.

لقد ناقش العلماء في ندوة ميلانو مسألة طاعة المسؤول في التنظيمات الإسلامية، وخلصوا إلى أنها تواص بالحق كما أسلفنا، ولا يأثم من لا يطيع.

الأمر الوحيد الذي يأثم فيه عضو الإخوان أو حتى المسلم غير المنتمي لأي تنظيم؛ هو أن تكون هناك مصلحة للمسلمين لا تتحقق إلا من خلال هذا الشخص ولا يقوم بتلك المصلحة. أؤكد مصلحة للمسلمين عامة، وليست مصلحة للتنظيم.

كما أن على جميع أعضاء الإخوان أن يعلموا أن انضباطهم في الجماعة لا يعفيهم من المسؤولية الشخصية أمام الله (وكلكم آتيه يوم القيامة فردا)، فعليه أن يُعمل عقله في كل ما يُطلب منه من تكليفات بغض النظر عن الجهة القيادية التي أصدرت القرار.

وهل هناك قيادة يمكن أن تحظى بشرف أعلى من أن تكون معينة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعرف هذا الحديث؟

عن علي رضي الله عنه قال: "بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية، فاستعمل رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه فغضب، فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف".

نعم، قيادة الإخوان لم تأمر أعضاءها بأن يلقوا بأنفسهم في النار، لكن أن تضعهم في مواجهات غير محسوبة وتعرضهم لمخاطر غير متوقعة العواقب، هو من شبيه هذا أيضا!!
التعليقات (3)
محمد الشرقي
الثلاثاء، 12-11-2019 06:16 ص
متلازمة الطاعة إلى أين ؟ !!! (2) يمكن القول إن الفضاء الفكري السائد في التنظيم فيما يتعلق بالحرية الفكرية للمنتمين فضاء معوق إلى حد بعيد وينقصه الكثير كى يعبر عن الجميع ، فهناك أصوات عديدة تعبر عن نفسها في الفراغ لعدم فاعلية قنوات التواصل ، فنظام التفكير في المؤسسة يعتمد على أطر وحلقات ضيقة تحتكر التفكير خاصة عند الأزمات ،ومن ثم يشكل هذا التوجه خطورة كبيرة على العمل والنشاط لأنه يفرض نوعا من الحصار الفكري على القاعدة الصلبة العريضة التي تفتقر إلى الحديث الصريح ، وهذا النهج سوف يشكل بشكل دائم ومضطرد خطورة كبيرة على العمل بسبب تغييب المشاركة الفكرية الواسعة والمفتوحة لأعداد كبيرة من الأفراد ، ومن هنا كان من المفيد ومن الضروري عدم حصر التفكير في جهة معينة أو في نطاق ضيق بل المطلوب ممارسة التفكير بشكل منهجي بكل طلاقة وفق أسس وقواعد وأصول منهجية صحيحة وعلى أوسع نطاق ممكن من أجل الوصول إلى نتائج إيجابية تشكل إضافة حقيقية للمؤسسة . التعاطي مع الأوضاع الخارجية والمتغيرات الظرفية الشديدة التعقيد بأفق قليل الحيلة ، مع وجود صعوبات عصية تواجه العمل كثيرا ما تفرض على نظام التفكير السائد في التنظيم حالة من السكون والجمود وعدم القدرة على توليد أفكار ورؤى جديدة ومن ثم يتم اجترار الأفكار التقليدية التي تأخذ طابع المسلمات ، ومن ثم يستقر في المخيال الجمعي بعض الصور الذهنية الجامدة والساكنة وبعض النماذج والأشكال النمطية التقليدية للمواقف والأعمال والأنشطة والممارسات في وعى ولا وعى أفراد التنظيم لبعض تلك الأعمال والممارسات والأنشطة التي أصبحت تشكل جزءا من الصورة الذهنية المستقرة في وعيهم ، ويصبح التفكير خارج نطاق تلك النماذج (خارج الصندوق)عسير وممتنع ، وهذه الحالة تشابه إلى حد بعيد ما يمكن أن نسميه البرمجة الفكرية والذهنية، وهذا النمط الفكري سائد في الكيانات التي تعجز عن ممارسة توليد أفكار جديدة وغير تقليدية ، أما المؤسسات والتنظيمات النشطة والمتجددة والمبدعة لديها قدرات استثنائية على المناورة والتجديد و تجاوز الأنماط التقليدية المتكررة من الأفكار والإجتهادات والأعمال ، وتعتمد تلك التنظيمات على إستراتيجية الذهن المفتوح المتحرك و المتدحرج الذي يتوفر لديه الاستعداد الفكري ويملك أدوات المعرفة ومقومات التفكير المرن حيث يتسنى له التعامل بشكل ناجح مع المتغيرات التي تشكل التحدى الأكبر أمام فكر المنظمة ، والحقيقة أن المؤسسات والمنظمات التي تعمل في ظروف وبيئات تتسم بالحركة والتحول والصيرورة تراهن على هذه النوعية من العقليات التي يمكن توسيع نطاقها على خارطة التنظيم من خلال التعلم والتدريب والتجربة . يجب أن يستقر في الفكر الجمعي للمنظمة إن التلويح بمسألة الطاعة بالصورة الشائعة يعد أمرا سلبيا وقيدا يفسد أكثر مما يصلح ، وقد يدفع هذا النهج بعض المنتمين إلى إعادة النظر في طبيعة هذه العلاقة التنظيمية التي تؤسس لنمط العلاقة الجبرية التي تعتبر أكثر الأمراض التي يعاني منها شعوبنا من المحيط إلى الخليج ، وفي هذا السياق غير مستبعد تصور حدوث حالات قد تصل فيها العلاقة بين الفرد والمؤسسة إلى نقطة نهائية فاصلة وذلك لوجود اختلافات واختلالات جذرية ومركزية في نظم الأفكار ونمط التوجهات والقناعات والرؤى والتصورات والأعمال ، وبدون شك إن متلازمة الطاعة لها دور كبير للوصول إلى هذه النتيجة المؤسفة و المخيبة للآمال . والحقيقة لا توجد إشكالية أو تعارض بين الإلتزام بموجبات ومقتضيات العمل التنظيمي الطوعي وبين امتلاك رؤية نقدية خاصة تجاه ما يتم تداوله من أفكار وتصورات ومواقف وأحداث داخل المؤسسة أو خارجها ، فالمراجعة والنقد والاستدراك على ما يتم من ممارسات عمل ونشاط وظيفي مهم تؤيده نظريات وحقائق الإدارة العلمية المعاصرة بكل قوة ووضوح ، ويؤدي دور شديد الأهمية من أجل المحافظة قوة النشاط وصلابة المؤسسة وفاعلية الكيان . وإذا كانت القيادة ترى أن مصلحة المؤسسة تقتضي الإلتزام الصارم من قبل المنتمين بالقواعد والبرامج والوسائل والسياسات التي تتبعها وتلتزمها وتسير أعمالها وفقها ، فإن المحافظة على هذه المصلحة يقتضي أيضا الحرص علي وجود مشاركة حقيقية واسعة وفاعلة بأريحية كبيرة من قبل جميع المنتمين الذين يجمعهم وحدة الإتجاه والمصير . هناك خلط لدى البعض في فهم وإدراك معنى ومفهوم الطاعة داخل الحركة الإسلامية ( أفضل إستخدام لفظ (الإلتزام) الذي يوحي بالعمل والحراك الاختياري الطوعي بعكس (الطاعة) التي تحمل معاني وظلال الجبر والقسر ، كما أشرت من قبل . وقد يتصور البعض في هذا السياق بأن الطاعة مقابل استقلالية الرأي وحرية التفكير وهذا التصور غير صحيح بالمرة ، هل من المعقول أن يفرض على الفرد الذي ينتمي للحركة الإسلامية أن يعطل ملكاته ويتجاهل وجوده ويتنكر لشخصيته ولذاته ويذوب في الكيان الحركي بالكلية إلى الدرجة التي يصبح فيها عقله معطل عن العمل ، هذا لعمري انتكاسة كبيرة يجب العمل على تجنبها بشكل دائم وبدون أى تردد ، مثل هذا التوجه إذا سيطر على العمل سيكون توجها يفتقر للرشد والمعقولية ويعد عملا غير مقبول بالمرة ولا يجب إن يكون مطروحا من قبل أى أحد في المؤسسة ، إن حسن استثمار العنصر البشري (الذي يعد رأس المال الإجتماعي الحقيقي ) لا يتحقق في ظل هذه الرؤية الغير رشيدة إطلاقا ، وينبغي علينا أن نفهم وندرك بأنه لا يمكن تحقيق الفاعلية والإستفادة القصوى من الأفراد إذا حشرناهم في أوعية مغلقة وقوالب جاهزة ونماذج جبرية ، وفي النهاية فإن هذا المنحى من التكوين ومن التربية والتنشئة الحزبية الضيقة سوف يتسبب في النهاية خسارة وفقدان العناصر والأفراد بشكل دائم .
محمد الشرقي
الإثنين، 11-11-2019 03:05 ص
متلازمة الطاعة إلى أين ؟ !!! من الطبيعي أن تهتم القيادة ـ أى قيادة ـ بكل ما يؤدي إلى رفع مستوى الأداء والإنجاز وفاعلية الأنشطة في المؤسسة التي تديرها ، والقيادة التي تتصف بالحكمة والكفاءة تتعامل مع فريق العمل على أنهم شركاء حقيقيون يتمتعون بالحقوق الكاملة في طرح تصوراتهم نحو العمل والتي بالضرورة سوف تترك آثارها على قرارات القيادة ، وكلما التزمت القيادة في الأمور الاجتهادية برؤية تعبرعن الإتجاهات الغالبة ومن ثم ينبثق منها سياسات واضحة تعبر عن الاتجاه العام الذي تؤيده وتختاره وتميل إليه غالبية المنتمين كلما أصبحت كافة الأعمال والأنشطة أكثر قدرة على على تحقيق أهداف المؤسسة ، وسينعكس كل ذلك على مستويات أداء القيادة بدون شك . للأسف هناك نوع من التركيز والإلحاح والاحتشاد والتمترس من قبل المستويات القيادية حول مسألة الطاعة بشكل يضفى عليها الطابع أو النمط العسكري رغم إن المسألة أبسط من ذلك . الإلحاح على متلازمة الطاعة وتكرار الكلام حولها بصوت زاعق يشيع نوع من عدم الاستقرار وكأن الكيان كله على حافة الإنهيار بسبب حدوث أو إمكانية حدوث نوع من التمرد أو الخروج أو الإنقلاب على المؤسسة من قبل الأتباع الدراويش من المنتمين الذين لا يكاد يسمع لهم حتى الهمس ،وهؤلاء الذين يشكلون الغالبية حريصون على الالتزام بالطاعة من حيث المبدأ بدون طلب أوإلحاح من أحد ، فالعملية تتم بقوة الدفع الذاتي مثل عملية التنفس . بداية أقول بأني لا أميل مطلقا نحو إستعمال كلمة الطاعة في سياق المؤسسات التي يتم الإرتباط بها من خلال الاختيار الطوعي الحر، والكلمة ( الطاعة ) في الحقيقة لها إنعكاسات وظلال غير مريحة للنفس بالرغم من أنها كلمة ليست غريبة عن الأذن والثقافة الإسلامية ، فالنصوص الدينية المرجعية تضافرت على إستعمال كلمة الطاعة للدلالة على القبول والتسليم والاستجابة لأمر الله ورسوله بالمطلق ، وأنا أعتقد أن المقام هنا يتطلب هذا المنحى من الإستجابة المؤكدة طاعة والتزاما ، فطاعة الله ورسوله لا مفر منها ولا بديل عنها بلا شك والتسليم المطلق هو رد الفعل الطبيعي في هذا المقام ، ولذلك فإن موقفنا المتحفظ من إستعمال الكلمة ليس موقفا مبدئيا ،ولكنه يتعلق بالسياق الذي تستعمل فيه الكلمة ، ومن هنا أخلص أن إستخدام كلمة ( الطاعة ) في فضاء الأحكام والتشريعات المنصوص عليهما في الكتاب والسنة أمر طبيعي وبديهي ومسلم به خاصة في دائرة الواجبات الدينية المحضة حيث لا يملك الفرد هنا إلا أن يطيع و ينصاع ويلتزم بمقتضيات تلك التشريعات والأحكام بشكل مطلق . أم في المؤسسات التي يرتبط الفرد فيها بشكل طوعي فإن الإلتزام فيها يتأسس ويتحقق بشكل إختياري وكنتيجة طبيعية بسبب تقارب والتلاقي وانطباق رؤى و خيارات الفرد مع خيارات وتوجهات المؤسسة ، وعلى هذا الأساس يمكن إعتبار إن الارتباط والانتماء للمؤسسة يتحدد وفق ميكانيزمات التوافق الذي يتجدد بين رؤى وخيارات الفرد المؤسسة . وأنا أتعرض لهذه المسألة الشديدة الحساسية حول معضلة (الطاعة) على خارطة التنظيم ، أرى أن كلمة (الطاعة) بمعناها القريب المباشر تطرح في غير موضعها ، والكلمة تستخدم في الفضاء التنظيمي بشكل يجعلها شديدة وثقيلة على النفس رغم أنها كلمة ليست غريبة ولادخيلة على الذهنية والنفسية والأذن الإسلامية ، فالكلمة في ذاتها تتمتع بالحضور والقبول والتداول في إطار المنظومة والثقافة الإسلامية خاصة على مستوى المرجعية العليا ( القرآن وسنة ) بلا حرج ولاغضاضة إلا إنني أرى أن الأفضل والأنسب استخدام كلمة بديلة عوضا عنها في الفضاء التنظيمي ، فكلمة ( الطاعة )، كما أشرت فوق أنها ثقيلة على السمع فإن لها تأثير وصدى سلبي تعكس ظلال وإيحاءات غير مريحة ابتداء ، شأنها في ذلك شأن التعامل والتعاطي مع كل ما هو مطلوب على أنه من التكاليف والفروض والواجبات لأسباب تتعلق بطبيعة النفس البشرية ، فالكلمة محملة بمعاني وظلال توحي و تعكس نوعا من الشعور بالقهر والجبر والقسر وغياب الإرادة والإختيار الطوعي ، وأنا هنا أقترح كلمة بديلة أكثر قبولا وأقوى في الدلالة وأكثر عمقا في المعنى والمضمون ، و الكلمة البديلة المقترحة هي ( الالتزام ) والحقيقة أن هذا المصطلح يعد الأقرب و الأليق والأنسب والأقوى في سياق الأعمال القائمة على الاختيار والتطوع . فكلمة الإلتزام تعبر بشكل أقوى دلالة عن الإقدام الطوعي والمبادرة الذاتية والحركة النابعة من الفرد بشكل طوعي ، فالإلتزام خيار شخصي وذاتي والخيار الذاتي يستصحب معه دافعية ذاتية تنبع من الداخل من الأعماق ، بينما الطاعة مطلب وأمر وتوجيه فوقي ، ولذلك يمكن أن يصاحبه نوع من المقاومة الخفية اللاشعورية ولذلك لا حاجة إلى إستعمالها في هذا المقام …… يتبع
مصري جدا
السبت، 09-11-2019 09:48 ص
تجربة شخصية ،،، شاهدها بنفسي ،،في لجنة اختيار المرشحين لانتخابات مجلس الشورى المصري بعد الثورة ،، بعد ان تمت الانتخابات الداخلية للإخوان في اختيار المرشحين ،، وقفت اللجنة عند شخص ،،تم انتخابه بشبه الإجماع من القواعد وانتخبته القيادات الوسيطة بالإجماع حيث حصل على 27 صوتا من 28 صوتا ،، إلا أن اللجنة استبعدته،، لماذا ،، بزعم انه يتعامل مع القيادات بنديه،، سألت ما معنى انه يتعامل بنديه ،، قالوا لا يطيع الأخ المسؤل ،، قلت ،، هو لا ينفذ تعليمات الجماعة ، قالوا بل ينفذ وبكفاءة ،، لكنه له رأي دوما في كل الأمور وكثير النقاش ،، قالوا هو مرهق ،، قلت انتم تأخذون الجماعة للهاوية بأبعاد أمثال هؤلاء ،،، تبعدون المرهقين ،وترقبون المراهقين ،، واعتذرت بعدها عن حضور اللجنة ،، وكان غالبية نواب الاخوان لمجلسي الشعب والشورى دون المستوى ،، تناولك جيد يا دكتور هاني ،، وأدعو الله أن يوفق بقايا قيادات الاخوان لما فيه خير مصر والعروبة والاسلام ،،،