أفكَار

قصر الرئاسة بتونس والعوام.. أنسنة أم تجريف للوعي الديمقراطي؟

الثورة التونسية تزيل الحاجز بين قصر قرطاج والشعب  (أنترنت)
الثورة التونسية تزيل الحاجز بين قصر قرطاج والشعب (أنترنت)

منذ نجاح الثورة التونسية مطلع العام 2011، وهروب رأس النظام السابق الراحل زين العابدين بن علي، سقط حاجز الخوف من القصر الرئاسي في ضاحية قرطاج بالعاصمة، بعد أن عادت الكلمة للشعب، وتم تأكيد ذلك في نظام سياسي أعطى الكلمة العليا للشعب ممثلا في البرلمان.

وقد دشّن الرئيس التونسي السابق الدكتور منصف المرزوقي، خطوات أنسنة قصر قرطاج حين فتحه ليس فقط أمام المفكرين والمثقفين ونشطاء حقوق الإنسان، وإنما أيضا أمام عامة الناس للزيارة والاستكشاف.

لكن مجيء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إلى قصر قرطاج نهاية العام 2014، قد أعاد إلى حد ما بناء الحاجز النفسي بين قصر قرطاج وعامة الناس، بالنظر إلى التركيبة الشخصية للرئيس الراحل الباجي قايد السبسي نفسه، فإن انتخابات تشرين أول (أكتوبر) الماضي، التي أفرزت فوز أستاذ القانون بالجامعة التونسية قيس سعيد، قد أعادت القصر مرة أخرى إلى الحاضنة الشعبية.

الصحفي والإعلامي التونسي الحسين بن عمر، يفتح في هذا الملف الخاص بـ "عربي21"، سؤال "أنسنة قصر قرطاج الرئاسي" على عدد من المفكرين وعلماء الاجتماع والسياسة في تونس، وعما إذا كان الأمر يتعلق باستراتيجية سياسية لها خلفية فكرية، أم أنها سلوك سياسي شعبوي يزول بزوال أصحابه.

هل أتى على التونسيين حين من الدّهر، يربو عن خمسة عقود كاملة، ظلّوا فيها يتوجّسون خيفة من قصر قرطاج، مقر الإقامة الرّسميّة لرئيس البلاد، وساكنيه، حتى صحّ فيهم ما ذكره عبد الرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" في باب الاستشهاد بمضار الخوف على الأمم بالقول: "إني أرى قصر المستبد في كل زمان ومكان هو هيكل الخوف عينه، فالملك الجبار هو المعبود، وأعوانه هم الكهنة، ومكتبته هي المذبح المقدّس، والأقلام هي السكاكين، وعبارات التعظيم هي الصّلوات، والناس هم الأسرى الذين يقدّمون قرابين الخوف".

والتونسيون على تلك الريبة من ساكني الصرح المعماري الرئاسي المنتصب على شاطئ قرطاج الأثرية، شيّده المعماري التونسي أوليفييه كليمون كاكوب بين 1960 و1969 على طراز العمارة العربيّة الأندلسيّة،  إلى أن هبت بين ظهرانيهم الرياح المرسلة لما يسميه الباحث المغربي محمّد الطلاّبي بـ"الربيع الديمقراطي" مع مطلع كانون ثاني (يناير) 2011، جاسرة الهوّة بين حكّام القصر الجدد والحشود التي بحّت حناجرها، ذات شتاء ديسمبري، مطالبة بـ"إسقاط النظام".

لم يكن مفاجئا البتة لمتابعي مسيرة قيس سعيّد الانتخابية، استقباله التلقائي لمجموعة عاطلين عن العمل، قيل أنهم قدموا مشيا على الأقدام من مدينة قفصة (جنوب تونس)، بقصر قرطاج دون أي بروتوكول خاص، شأنهم في ذلك شأن الوزراء والضيوف الأجانب، للإنصات لمشاغلهم، معيدا للأذهان ما كان بدأه الرئيس الدكتور المنصف المرزوقي، في فترة رئاسته بين 2011 و2014، حيث ناله قصب السبق في استقباله المتواتر لعائلات شهداء الثورة وجرحاها، فضلا عن إنشائه لما سمّي بـ"حوارات قرطاج" التي استضافت شخصيات وطنية ودولية مثل أوليفيه روا وهشام جعيّط وعزمي بشارة وأحمد زويل ومصطفى شريف.

 



مواصلة الرئيس سعيّد نهج انفتاح القصر على "قوافل" العاطلين عن العمل، دافع مهم للتساؤل من جديد إن كنّا إزاء أنسنة قرطاج، أم أنّ الأمر لا يعدو أن يكون سوى سياسة اتصالية و"شعبويّة" كما يراها البعض. فإلى أي حدّ يعدّ السلوك الإنساني للرئيس سعيّد موجّها نحو إشباع دوافع اجتماعيّة متماهية مع خطابه الانتخابي، الذي انتصر فيه للمفقّرين و"البطّالة"، وناسخا لصورة الحاكم المستبد، التي نقلها يوسف ابن ميمون، الطبيب اليهودي الأندلسي، من وصيّة أبيه له، بحسب السيرة الروائيّة للأديب المصري ممدوح الشيخ، من أنّ "كُلُّ المُلُوكِ يُحِبُّونَ أَن يَرَاهُمُ النَّاسُ بِالتَّاجِ والصَولجَانِ، مُحَاطينَ بِالحَرَسِ تَتَلَألَأ مَهَابَتُهُم بِزِينَةِ المُلكِ، فَإِن صِرتَ طَبِيبَ المَلِكِ فَاحذَر أن تُخبِرَ أَحَدًا بِأَنَّكَ تَرَى الملك عاريا"؟

فهل تُعرّي سلوكيات الرئيس سعيّد تعالي "النخبة" المتباكية على "هيبة" القصر من وطأة أقدام "القوافل" الزاحفة من كلّ فجّ عميق، أم تعرّي صلاحيات "الرجل النظيف" العاجزة عن سدّ رمق الحشود الزاحفة نحو قصره"؟

إعادة الثقة إلى مؤسسات الحكم والدولة

يرى يسري الدّالي، دكتور باحث في علم النفس الاجتماعي، في تصريح لـ "عربي21"، أنه بالاستناد إلى تعريف كارل روجرز، عالم النفس الأمريكي، للأنسنة من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، بوصفه علم دراسة القيم، على أنّها تحويل السلطة المركّزة حول الإنسان إلى سلطة إنسانيّة دون الحاجة لسلطة مؤسسيّة، فإن النشاط السلوكي المتبع من قبل الرئيس قيس سعيّد يتماهى إلى حدّ كبير مع هذا التعريف، بل أنّ تصرّفه يشي بأنه بصدد الاستفادة والاستعارة من هذا الحقل المعرفي بطريقة ذكيّة.

 


يضيف يسري الدّالي: "إنّ المركز الاجتماعي لقيس سعيد، كأستاذ جامعي وزوج قاضية، كان يمكن أن يفرض عليه طوقا وعزلة تمنعانه من التواصل مع فئات اجتماعيّة متوسّطة كـ"القهواجي" و"الخبّاز"، إلاّ أنّ ما يبديه الرئيس في الوقت الحالي من إصرار على الإصغاء التفاعلي معهم يشي بعكس ذلك، مؤكّدا في ذات السياق أن الرئيس يبدو على وعي تام بحاجة المجتمع الماسّة والأكيدة لمثل هذا النوع من الأنسنة، وهو ما جعله يحافظ على ذات التصرّف والسلوك الذين أبداهما قبل ولوج القصر، على أمل غرس  قيم مجتمعيّة ثابتة ومفتقدة منذ قيام دولة الاستقلال، وأهم هذه القيم، قيمة الصدق والاشتغال عليها بدءا بالعائلة وصولا إلى رأس السلطة.

لم يخف الدالي استغرابه واستهجانه لقول البعض بـ"تشليك"(حطّ من القيمة) الرئيس للقصر نتيجة استقباله لقوافل العاطلين عن العمل، مؤكّدا على أنّ الأسوة والقدوة والاستماع لمشاكل الناس، تعدّ، من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي، من أوكد أدوار الرئاسة، منبّها إلى أنّ هذا السلوك التفاعلي من شأنه أن يعيد الثقة في مؤسسات الدولة ويمد جسورها بين السلطة والمواطن، فمجالسة الرئيس لهذه المجموعات الشبابيّة المؤثرة، القادمة من الجهات المحرومة، ستجعلها تعود لمدنها المفقّرة بشحنة نفسية ودافعية كبيرة من أجل البذل والتفكير بعقلانية ووعي في بناء مستقبلها بعيدا عن السلوكات اليائسة التي قد تدفع بعضها نحو الجريمة والإرهاب.

بناء شبكة علائقيّة جديدة بين السلطة والمواطن

يؤكّد يسري الدّالي أن الهدنة الاجتماعيّة الحقيقية لا تستجدى من المنظّمات الشغيلة، بل تبنى من خلال غرس علاقات ثقة بين الحاكم والمحكوم، تسهم في بناء السلم الاجتماعيّة المطلوبة، مضيفا أنّ زوّار القصر من الشباب المعطّل لن يعودوا لقراهم ومدنهم بهدايا وأموال، بل سوف يعودون متشبعين بقيم التضحية، خاصّة وأن الرئيس، من حركة وضعه ليده على أكتاف الشباب، قد حثّهم على التعاون بوصفه من أهم قيم التواصل البشري.

علاقة الثقة هذه يراها زهيّر اسماعيل، جامعي وباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصاديّة والاجتماعيّة، في تصريح لـ "عربي21"، بأنّها شعور الناس الطبيعي بأنّهم اختاروا رئيسهم في اقتراع عام حر وشفّاف، وهذا من شأنه أن يقرّب منهم شخص الرئيس ويؤنسن المنصب. 

 



من جهته، ثمّن عبد السلام الزبيدي، مستشار الإعلام والاتّصال، في تصريح لـ "عربي21"، ردّ الفعل الإنساني الذي أبداه الرّئيس سعيّد تجاه المجموعة الشبّابيّة، والذي تجسّم في طريقة الاستقبال وما تضمّنته من مصافحة حارّة واحتضان وملامح وجه تشي عن بعد انساني إيجابي، منوّها في نفس الإطار بالتّعاطف والتضامن الذين أبداهما الرئيس تجاه المطالب الاجتماعيّة المشروعة التي ساقها الشباب. 

 



نفس الرّأي نحا حذوه عمّار الجماعي، شاعر وروائي، الذي يرى، في تصريح لـ "عربي21"، في سلوك الرّئيس قيس سعيّد انسجاما مع مقولته المأثورة "الشعب يريد"، وهو ما يفسّر وفق رأي الجماعي خفض سعيّد لجناح التواضع للوافدين عليه من الأعماق لحسن ظنّهم برئيسهم فما خاب ظنّهم، فقد استقبلهم وحضنهم وربّت عليهم في صورة "الأب الرّؤوف ".

 



في ذات السياق، استحسن الزبيدي دعوة الرّئيس إلى أن يكون الشباب قوة اقتراح وإطلاق وعود ببذل الأقصى، وهو ما يعتبر تجسيدا عمليا لما جاء في خطاب التكليف الذي دار حول مفهومين أساسيين هما الأمانة والعدل.

القيمة بوّابة للاستثمار الدّاخلي والخارجي

يرجع يسري الدّالي الوهن الكبير الذي أصاب منظومة الاستثمار قبيل الثورة إلى غياب مناخ الثقة بين المستثمر وبيئة الاستثمار، العائد بدوره إلى انعدام الثقة في السلطة وعائلاتها الحاكمة، مذكّرا في ذات الصّدد بما كانت تؤتيه عائلات الطرابلسيّة من جشع من خلال فرض شراكتها حتى على أصحاب المشاريع الصغرى كالمقاهي والمطاعم، وهو ما دفع بالمستثمرين إلى عدم الاستثمار مخافة أن تفرض عليهم الشراكة مع الطرابلسية، مضيفا بالقول أنّ خلق القيمة المجتمعيّة يلقي بضلاله على العلاقات الاقتصادية ويؤثر فيها بصفة مباشرة، ليخلص إلى أنه في تسويق قيمة الصدق من قبل شخص الرّئيس، مقدّمة لبناء بيئة اقتصادية وتجاريّة سليمة وقائمة على الثقة.

انفتاح القصر على المجال العام

يرى زهيّر اسماعيل، أنّه إذا كان المقصود بأنسنة مؤسسة رئاسة الجمهوريّة تأنيس ما كان مُثيرا للخوف والرهبة في المخيال العام وتقريب مؤسسة القصر من الناس، بعد الثورة، فإنّ ذلك يعني "انفتاح المكان على المجال العام بعد أن كان مكانا مغلقا، ارتبط في نهاية عهد بورقيبة بالدسائس وفساد البطانة واعتباطيّة السياسات وخرف رأس السلطة، وارتبط في حكم بن علي بالسطوة والبطش والاعتداء على حقوق الإنسان واستباحة الأعراض والتصرّف المطلق في المال العام.  لينفتح المكان بعد الثورة على المجال العام من خلال تواتر التداول على مؤسسة الرئاسة".

 ويضيف زهير اسماعيل: "إنّ القصر الرئاسي انفتح مع الرئيس المرزوقي على كلّ الفئات الاجتماعيّة وخاصّة الأطفال ونساء الأحياء الشعبية الفقيرة والداخل المفقّر وعاملات الضيعات الفلاحيّة، كما انفتح على القصر على فعاليات الفكر والثقافة فكانت حوارات قرطاج لقاءً لجمهور الثقافة الواسع مع رموز الفكر والمعرفة من تونس والبلاد العربية والعالم، معتبرا أنّ رغبة الرئيس قيس سعيّد في الإقامة الخاصة بمنزله بضاحية المنيهلة الشعبية، هي إشارة عميقة إلى أنّ رئاسة الجمهورية وظيفة أملاها التفويض الشعبي وليست منزلة اجتماعية ومعيشية جديدة".
 
في ذات السياق، يعتبر زهيّر اسماعيل أنّ من أجمل مظاهر أنسنة القصر الرئاسي هو استقبال رموز المقاومة الفلسطينية مع المرزوقي، ومع قيس سعيّد صار التطبيع خيانة وطنيّة. فالحق الفلسطيني إنساني قبل أن يكون فلسطينيا فهو عربي إسلامي.

"أنسنة" القصر فرضيّة تحتاج إلى إثبات

لئن أبانت القراءة النفسية للدكتور يسري الدّالي أنّ الرئيس بصدد تمرير رسائل اتصالية تهم التكافل الاجتماعي، بغاية بناء أرضيّة معاملات اجتماعيّة واقتصاديّة جديدة، فإنّ عبد السلام الزبيدي، مستشار الإتصال والإعلام، يرى في تصريح لـ "عربي21" أنّ سيل الاستقبالات والأنشطة الرئاسيّة اليوميّة تشي بغياب استراتيجيّة اتّصاليّة أو أنّها لم تتبلور بعد، وإن كان قصر المدّة المقضّاة بالقصرلا يسمح بإطلاق أحكام معياريّة، وفق رأيه، وإنّما تعطينا فقط بعض المؤشرات على الصورة التي يريد الرئيس وفريقه إلباس نفسه والقصر بها. مضيفا أنّ "القول بأنْسنةُ القصر فرضية في حاجة إلى الإثبات والتأكيد، والقوْلُ بأنّ ذات القصر كان رمزًا للغطرسة و"شبه ممنوع" عن الزواولة" حكم فيه مبالغة". 

في ذات السّياق، يؤكّد عبد السلام الزبيدي على أنّنا إزاء صورتين للقصر، الأولى زمنيا تدور حول الدولة المهابة، باعتبار أنّ مفهوم "هيبة الدّولة" كان مفهوما مركزيا في خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، والثانية تدور حول الدولة العادلة والمؤتمنة على الحقوق، مذكّرا بفشل الصُورةٌ الأولى في تحقيق ذاتها وانزياحها عن أهدافها، رغم استقبال القصر في الخماسية الرئاسيّة السابقة لفقراء وبعض عائلات الشهداء وأطفالا ومتميزين في التحصيل العلمي والتفوق الرياضي لكن بصورة عرضية، أمّا الصورة الثانية فما تزال بصدد التبلور، ومن السابق لأوانه الحديث عن أنسنة القصر.
 
"الشعبويّة" تفضح غياب الصلاحيّات الدّستوريّة

يرى عمّار الجماعي، شاعر وروائي، أنّ حصر نشاط الرّئيس في ما أسماه بالشّكل "الشعبوي"، من شأنه أن يعطي انطباعا مريبا بأنّ يدي الرّئيس مغلولتان دستوريّا، معربا عن خشيته من أن تتبع محدودية الصلاحيات الدستورية بعجز مرتقب عن تحقيق انتظارات ناخبيه عالية السّقف، وهو ما يدفعه للخشية من سلوكيات "أنسنة" القصر أكثر من خشيته من عودة صورة الرّئيس "الصنم"، غير المحتك بفئات شعبه، فكلاهما شر يضيف الجماعي.

 



ويستفسر الجماعي: "ماذا ينتظر الرّئيس ليعلن عن حزمة من الإجراءات الممكنة التي لا يحتاج فيها إلى حكومة جديدة مثل إمضاء القانون الانتخابي الذي رفعه النواب للرئيس الأسبق رحمه الله في أواخر أيامه ولم يتسنّ له توقيعه؟ وما الذي يمسكه عن إعلان قرار خفض راتبه كرسالة إيجابية تعطي للرئيس صورة الزّاهد المتعفّف؟ ما الذي يحول دون الظهور التلفزيّ للتذكير بتصوره للعمل السياسي؟ هل تكفي صور صلاته في جامع عقبة وزيارته لمصبّات النفاية و"إخراج طفل مزبلة" ليطمئنّ شعبه أنّنا "نسير في الطريق القويم ؟ ".

"الشعبويّة" تجسيد لغياب دولة المؤسسات 

يوافق عبد الرزاق الحاج مسعود، باحث في علم الاجتماع، في تصريح لـ "عربي21" ما ذهب إليه عمّار الجماعي من خلال تأكيده على أنّ "السلوك السياسي التواصلي المتمثّل في استقبال وفود شبابية شعبية من الجهات "المهمّشة" في قصر الرئاسة والتقاط صور معهم وهم بملابسهم "الرثة" وأحذيتهم المعفرة بالتراب على أرضية القصر الرخامية الفخمة والمفروشة بزرابي ثمينة لامعة، والتوقّف في مقاهي الشعب لشرب قهوة ممّا يشرب العامّة وتحيّتهم مصحوبا بأرتال من سيارات الأمن الرئاسي كما فعل في القيروان، ليس إلاّ سلوكا شعبويا دعائيا".

 



ويخشى الحاج مسعود أن يفضي سلوك الرئيس سعيّد "الشعبوي" إلى "تجسيد طوطمي/ إحيائي/ سحريّ للخير المطلق والقدرة الخارقة والحق الإلهي بما يحيل على النموذج الملكي/ السلطاني الامبراطوري الذي يلجأ اليه ذوو الحاجات وأصحاب المظالم مباشرة إلى "الحاكم" دون الحاجة إلى المرور عبر المؤسسات الوسيطة التي "ابتدعتها" الدولة الحديثة، دولة القانون والمؤسسات"، وينتهي الحاج مسعود إلى أنّ سلوك "الاستعراض الشعبوي" للرئيس سعيّد يصبّ مباشرة في تجريف الوعي الديمقراطي الذي تحتاجه تونس في مرحلة وضع الأسس الأولى للديمقراطية باعتبارها تجسيدا للعقلانية في المجال السياسي العام.

لئن مثلت السلوكيات التلقائيّة للرئيس قيس سعيّد، المتجسّمة في استقباله لجحافل المهمّشين من دواخل البلاد وإصراره على الاحتكاك اليومي بساكني الأحياء الفقيرة، مظاهر أنسنة وخفض جناح لمحكوميه، فإنّ الجامعي زهيّر اسماعيل يعتبر أنّ "التحدّي الأكبر يبقى تحويل هذه الأنسنة إلى سياسات تسهم في تثبيت البناء الديمقراطي وتخفف من معاناة الناس وتربطهم بقيم العمل والعيش المشترك وألا تبقى مجرّد حميميات مناسباتيّة.

التعليقات (0)