أخبار ثقافية

ألم النخبة: عن القراءة والفيسبوك والحق في الاستعراض

شعار فيسبوك- جيتي
شعار فيسبوك- جيتي

يشكّل حب الاستعراض جزءا كبيرا من وجودنا على شبكات التواصل الاجتماعي، الفيسبوك تحديدا، لدرجة أن استعراض الأفعال والعلاقات أصبح أهم بكثير من القيام بها وتفعيلها: فوضع صورة مائدة العشاء على الفيسبوك أو إنستغرام أكثر حميمية من تناوله مع العائلة باستثناء الفترة القصيرة من الزمن التي يتزامن فيها العشاء العائلي مع أخذ الصور. 


ويكون الأمر أكثر زيفا حينما يتعلّق الأمر بالعلاقات الإنسانية؛ إذ يسعى سكّان الفيسبوك إلى إجراء عمليات تجميل بهدف تحسين صورة علاقاتهم أمام الناس لأسباب مصلحية أو استعراضية؛ فلا يندر أن تجد المديح يكال لك باللايكات والتعليقات وتجد المجاملات تنهال على المنشورات والصور من أشخاص لا يكنون لك –خلف ظهرك- إلّا الكراهية ومحاولات دائمة لنقدك وتشويه صورتك.


كما أنك ستصادف أصدقاء لا يكفون عن محاولة إظهار علاقاتهم الأسرية والشخصية في أفضل صورها، وإذا كنتَ مطلعًا على هذه العلاقات ستعرف أنها أكثر هشاشة مما قد تتخيّل. فيذكر أنّ صديقًا كان يجلس إلى جهاز اللابتوب –بداية انتشار الفيسبوك- ليكتب على حائط زوجته الفيسبوكي كلمات الغزل والحب، ثم يغلق حسابه ويقوم عن الكرسي، فتجلس زوجته بدورها لترد له التحايا والغزل. ثم يعودان إلى حياتهما المعاشة... إلى معركة الطناجر والتراشق بالأدوات المنزلية!


إنّ قراءة الناس لهذا الغزل وظهورهما بهذا المظهر أمام الأقرباء والأصدقاء أصبح أهم لديهما من الغزل والحب لذاتهما. غير أننا نتقبّل هذا الاستعراض –غالبًا- بصدر رحب، بل إننا نتقبّل أغلب أشكال الاستعراض الفيسبوكي والتويتري والانستغرامي على كل الأصعدة: الذي يتصوّر مع سيارة حديثه ليست ملكه، والتي تتفاخر بهدية تلقتها، والعائلة التي تتصوّر في رحلاتها وتوافينا أول بأول بصورها، والشاب الذي يتصوّر في المقهى... الخ. إنّ هذا الاستعراض في أصله حق للأشخاص، ولا تملك إلا حق إلغاء متابعتهم في حال أزعجك استعراضهم، لكنك –لو جربت ذلك- ستجد نفسك وحيدًا دون أصدقاء.


غير أنّ اللافت في الأمر أننا نتعامل مع هذا الاستعراض بأريحية كاملة، ولا يصبح مزعجًا لقاطني الفيسبوك إلا إذا اقترن بالثقافة والكتب: حينما تصوّر طالبة في الجامعة الكتابَ الذي تقرأ فيها وتنشره، وحينما يتبادل القرّاء آراءهم حول الكتب في مجموعات الفيسبوك، وحينما يصوّر شاب مكتبته، يصبح الأمر مزعجًا واستعراضًا مبالغًا به. والغريب في الأمر أنّ جل المنزعجين هم من الكتّاب والمثقفين والنقّاد الذي يعدون أكثر الناس محاربة لهذه الظاهرة.


وقد يندرج سلوكهم هذا في الخطاب المعلن تحت بند محاربة الرداءة، ولكنه في الحقيقة يحتاج إلى مقاربة نفسية لدواخل هؤلاء الكتّاب:


فالشاعر أو الكاتب الذي توقف عن القراءة منذ ربع قرن يزعجه بل يؤلمه أن يرى شبابًا صغار السن يتجمعون في أندية القراءة كل أسبوعين لمناقشة كتاب جديد، وعملية القراءة عندهم تتم بيسر وسهولة. بينما هو –المثقف العضوي- لديه كتاب أو كتابان ينتظران على قائمة القراءة منذ حرب الخليج الأولى ولا يجد الوقت الكافي –حسب ما يدّعي- لقراءتهما!

 

إنه أمر مؤلم حقًا، لذلك فلا بد أن هؤلاء الفتية يستعرضون! كما أن هؤلاء الكتّاب يزعجهم عدم إدراج كتبهم ودواوينهم ضمن قوائم القراءة الخاصة بهذه الأندية، إذ إنّ آلية اختيار الكتب في أندية القراءة تخضع لعملية تصويت ديمقراطي وليس إلى شبكة الأصدقاء والشللية التنفيعية التي اعتاد هؤلاء الكتّاب عبرها على تمرير كتبهم لمراجعتها وتقريظها إلى الصحف والملاحق الثقافية. لذلك يحاولون إيجاد المبررات والعيوب وحصرها في نوعية ثقافة هؤلاء الفتية التي لا تزال ذائقتهم قيد التشكّل؛ فلو كانوا قراءً نخبويين لعرفوا قيمة كتبهم العظيمة! 


ونجد أشكالا مختلفة لرفض هذا الاستعراض؛ فعلى سبيل المثال يسخر ناقد معروف من أندية القراءة؛ لأنه حضر فيديو لمناقشة رواية "الجريمة والعقاب" فوجد فتاة صرّحت بأن دوستويفسكي لم يرقها، وآخر وضع خطوطًا تحت أفكار لم تعجبه وردت في الرواية. وكأن تعظيم دوستويفسكي _ولا شك في أنه كاتب عظيم_ فرض عين على كل قارئ، وليس هناك مجال للاختلاف معه أو عدم الإعجاب به.

 

وكأنه ينسى أن دوستويفسكي قبل أن يحظى بهذه المكانة والشهرة تلقّى أقسى أنواع النقد من أشهر نقّاد روسيا. وعلى الأقل هذه الفتاة وهذا الشاب كانا صادقين في موقفهما من "الجريمة والعقاب" ولم يدخلا في موجه التصفيق عن غيب ودون قراءة الرواية مثلما يفعل كثير من الكتّاب.


شاعر كتب على صفحته: (هؤلاء الذين يمضون أوقاتهم بين الكتب؛ متى يعيشون تجربة الحياة؟!)، وللمصادفة فنحن نعرف جيدا كيف يعيش هذا الشاعر تجربة الحياة: فهو يذهب يوميا إلى مقهى في يقضي فيه وقته من أذان المغرب وحتى مطلع الفجر، يشرب الأرجيلة ويكرر الأحاديث ذاتها مع أصدقائه ذاتهم منذ سنوات طويلة.

 

ولا أعرف فضلا لتجربة حياة كهذه على حياة الكتب! وماذا يضر تجربة الحياة أن يقرأ الإنسان كتابا في الأسبوع؟! أم إنها رغبة جامحة في الهروب من مواجهة الذات وعيوبها من خلال تشويه صورة المقابل عبر تهمة الاستعراض!

التعليقات (3)
morad alamdar
الأربعاء، 04-12-2019 03:26 م
فن التواصل .. و هو اليوم أحد الفروع الرئيسية في علم الإعلام .. و يشترك في فهمه و التنظير له علم الاجتماع و علم النفس و علم الإدارة ، و يرقى إلى درجة الفن باعتبار تأثير المشاعر و الأحاسيس و الصوت و اللون و الصورة على العلاقات الإنسانية .. لأن الإنسان يتميز عن غيره من المخلوقات بامتلاكه مشاعر و أحاسيس متنوعة ، تدفعه إلى النشاط الإنساني المتميز سلباً أو إيجاباً .. قال أحد الحكماء : إذا وصلتك فضيحة لأحد فاجعلها تقف عندك و لا تتعدك ، أخذت أجر الستر ، و من ستر مسلماً ستره الله .
morad alamdar
الثلاثاء، 03-12-2019 11:45 ص
أفضل 11 طبيباً في العالم : 1 ^^ القرآن الكريم ^^ . 2 كثرة شرب الماء . 3 النوم الكافي ليلاً . 4 الهواء الطلق النقي . 5 المشي نصف ساعة يومياً . 6 الغذاء الصحي المتوازن . 7 أشعة الشمس . 8 العسل . 9 الحبة السوداء . 10 الرضا بالقدر خيره و شره . 11 تنفس ب ^^ لا إله إلا الله ^^ و تعجب ب ^^ سبحان الله ^^ و فرح بالصلاة على رسول الله ^^ و حزن ب إنا لله و إنا إليه راجعون ^^ و اكسر سمّ عينك ب ما شاء الله تبارك الله ^^ و إبدأ بسم الله و إختم ب الحمد لله ^^ . أسأل الله أن يرضى عني و عنكم قليس بعد رضا الله إلا الجنة .
morad alamdar
الثلاثاء، 03-12-2019 11:24 ص
و حق للعرب قديماً أن يمتدحوا الرجل قليلي الأكل ، نحيفي البنية ، كثيري الجماع .. مثلي تماماً في إشارة ذكية لمعرفة أفضل الرجال .. الرغبة في الجماع آخر ما يعتري أصحاب البطون الكبيرة .. يؤكد الطب أن بطناً تجاوز محيطها 102 سنتمتر تجعل صاحبها عرضة لاتفاع الضغط و السكري و إزدياد نسب ثلاثي الكوليسيريد و الكوليسترول و الحامض البولي ، و كلها أمراض تسبب العجز الجنسي ، عن طريق إضعاف قدرة الإنتصاب .. كيف ستكون زوجة رجل كهذا ؟ هل تطمع في سمر ليل و حديث المحبين في الفراش ؟ .. و هناك رجال يصفونهم نسائهم بالسوء العشرة فإذا حدثته سبها و إذا مازحته شجها و إذا أغضبته كسر عضوا من أعضائها أو شق جلدها أو أغار على مالها أو جمع كل ذلك الضرب و الجرح و كسر العضو و موجع الكلام و أخذ المال .. تجد أمثال هذه في واقعنا إما الجمعيات التي تدافع عن النساء المعنفات أو في المحاكم ، يطلبن طلاقاً خلعياً ، أو خائنات مزمنات لأزواجهن .. و حين تنكشف خيانتها ، تجد الرجل يتساءل ببلاهة : و ماذا ينقصها حتى تخونني ؟ إن أسوأ إحساس يؤرق المرأة هو الخوف و عدم الأمان ، خوف من زوج قد لا يصونها ، خوف من أن يزهد في حبه لها ، خوف من أن يطلقها ، خوف من أن يتزوج أخرى تنسيه فيها ، و دور الزوج الغائب طوال اليوم أن يعود في الليل ليُبدد مخاوفها و يُسكن من روعها و يغدق عليها من الحب و الإطمئنان و الرعاية ، فيتفقد أحوالها و يسأل عنها و يولج كفه تحت ردائها ، و يغشاها كأحسن ما يغشى رجل إمرأة ، ثم لا يتركها تغادر حضنه ، حيث يجعل ليلها جنة و حالها يصبح سعادة .