أفكَار

هل يعكس المسرح السوداني مسارات الثورة وأحلام الثوار؟

السودان.. عروض مسرحية تحاكي مطالب الثورة وتطلعات الثوار  (عربي21)
السودان.. عروض مسرحية تحاكي مطالب الثورة وتطلعات الثوار (عربي21)

بدأ المسرح في السودان يواكب التحولات السياسية والفكرية، بتقديم عروض جديدة تعكس ما يدور في الساحة الآن من مرحلة انتقالية تنتابها حالات التوتر ويسودها الغموض، بيد أن بعض النقاد يشيرون إلى أن ما عرض حتى الآن على خشبات المسارح المختلفة لا يعبر كفاية عن عمق ثورة الوعي التي اجتاحت عقول السودانيين بعد التغيير الكبير في المشهد العام، بينما يرى آخرون بأن الأعمال المقدمة اقتربت من تحقيق أشواق الجمهور المسرحي، رغما عن تحيزاتها الفكرية والسياسية.

وسيطرت الحالة السياسية العامة على مضمون عرضين مسرحيين في الخرطوم الأسبوع الماضي، إذ استوحى العرض الأول؛ (حكايات أحاجي السودانية متناولا تطور الثورة السودانية والتغييرات الاجتماعية وحضور المرأة في الثورة التي عصفت بنظام حكم استمر لقرابة ثلاثين عاما).

بينما ناقش العرض الثاني ذات القضية ولكن من زوايا أخرى، فقد تناولت مسرحية (أولاد مكي) قضايا الشباب والجيل الذي كان وقودا وأيقونة للثورة من خلال الاختلاف الفكري والتوجهات السلوكية المتعددة، على كافة الأصعدة سواء على مستوى الأزياء أو التذوق الموسيقي، حتى على مستوى عادات تناول الأطعمة.

وكانت مسرحية "كراسة حساب" هي أول عمل فني يعرض على خشبة المسرح القومي منذ الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، وهي مسرحية من تأليف وإخراج وليد عمر الألفي، وجرى عرضها في ليلة واحدة فقط حتى الآن، واستخدم العمل أسلوب الاستعراض بخلفية الموسيقى والأصوات الغنائية، وركز على توثيق مراحل الثورة السودانية منذ اندلاعها في كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي وحتى مأساة فض اعتصام الثوار أمام قيادة الجيش في العاصمة الخرطوم الثالث من حزيران (يونيو) الماضي.

أحاجي المدينة:

على فناء مسرح قصر الشباب والأطفال المُطل على النيل في العاصمة الخرطوم، طرح مجموعة من الشباب المبدع أفكارهم وطموحاتهم والغموض الذي يكتنف مستقبل ثورتهم، وذلك عبر عرض مسرحي بأسم (حكاوي أحاجي المدينة) عرض عبر ثلاث لوحات مسرحية في ثلاث أماكن مختلفة، محاولا تقديم تجربة جديدة على مستوى مكان العرض، حيث تناولت اللوحة الأولى ماضي السودانيين وتتبع آثار التغيير في ثورات السودان التاريخية (ثورة اكتوبر/ تشرين أول1964م، وانتفاضة مارس أبريل/ آذار نيسان 1985م)، وعرض الممثلين عبر الأحاجي السودانية التقليدية تلك التجارب السياسية.

بينما حاولت اللوحة المسرحية الثانية تقديم رؤية الشباب وتقييمهم للتراث القديم، ومقارنتها بقضايا الحاضر، وتطلعات الأجيال الجديدة للمستقبل.

 



أما اللوحة الثالثة، فقد كانت عبارة عن استعراض جسدي على وقع الطبول والأزياء الإفريقية في محاولة لربط الماضي بالحاضر معا، ويتزامن كل ذلك مع تعبير عن قوة الثورة.
  
وقال كاتب وجامع النص المسرحي عمر الحاج لـ"عربي21": "إن العرض يحاول طرح الأزمات والإشكالات السياسية وكيفية تحقيق مبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة مع الاعتماد على السرد ثم الحوار في طرح الأفكار"، موضحا بأن اللوحة الثانية من العرض تمثل واقع اليوم المُثقل بذات الإشكالات، لكن العرض يقدمها بوجهة نظر جيل اليوم.

وأوضح أن العرض لم يتعرض للهويات وإنما ألمَح للنزاع الأزلي حول الهوية السودانية، وركز على موضوعات تتعلق بالحرية والديمقراطية وحقوق النساء.

وتحدث لـ"عربي21" مخرج العرض المسرحي جسور أبو القاسم، فقال: "إن العرض يحث بشكل جوهري على طرق إدارة الحوار بين السودانيين في القضايا المختلف حولها، وأن العرض لا يخفي تحيزه للإفريقانية ويرى أنها هي الجهة التي يجب على السودان التوجه إليها". 

وأضاف: "هذا طرح واضح وصريح ومباشر للعرض".

وذكر جسور أن العرض المسرحي يعالج المشكلات التي ما تزال ماثلة في الفضاء العام للبلاد كتحقيق الديمقراطية وإتاحة الحريات، لأن ذات المشكلات التي قامت لأجلها ثورة الشباب لم تحل بعد أن سطت النخب السياسية على مقاليد السلطة بينما لم تتح حتى الآن الفرصة الكافية للثوار الشباب الذين قامت على أكتافهم الثورة، المشاركة الفاعلة التي تلبي أحلامهم الثورية.

 



وعن اخيتاره فناء قصر الشباب والأطفال بدلا عن خشبات المسرح القومي، يقول المخرج جسور: إنها  محاولة لاستغلال رمزية المكان في خدمة قضايا الثقافة بعد تعرض ذات المكان للإهمال المتعمد من النظام المعزول.

ويُعد قصر الشباب من المعالم التاريخية البارزة في السودان، الذي أسس في العام 1970م، وهو مؤسسة ثقافية علمية تهتم بتطورير ورعاية الشباب والأطفال من الجنسين وتعمل وفق نظام رعاية المواهب وتأهيل الفاقد التربوي ويضم عدة اقسام من بينها الدراما والموسيقي والفنون الجميلة والاقتصاد المنزلي.

ورأى في توزيع الجمهور إلى ثلاث مسارح لعرض واحد هو تجربة جديدة لقيادة لوحات يستطيع عبرها اكتشاف زوايا العرض المسرحي .

ولفت الانتباه إلى أن (حكايات أحاجي المدينة) اشتغلت فنيا على الرقم ثلاثة، وقسمت الرؤية الإخراجية إلى ثلاث لوحات وثلاث ممثلاث وثلاث ممثلين في كل لوحة.

أولاد مكي: 

على ذات المبنى المطل على النيل، استضافت خشبة مسرح قصر الشباب والأطفال (العرض الجماهيري) لمسرحية (أولاد مكي) الكوميدية، التي قام بتأليفها وإخراجها محمد حسن طيارة وبطولة نجم الكوميديا ربيع طه والنجمة رحاب الكرار ومهاب معتصم ورماح القاضي.

يقول مخرج المسرحية طيارة لـ"عربي21": "إن المقصود من مسرحية (أولاد مكي) رؤية ومحاولة لتفهم الجيل الحالي على أساس كون جيل مختلف وطموح وقادر على التغيير بقليل من التوجيه يستطيع أن يصنع فارقا كبيرا".

 



وتروي المسرحية قصة أسرة سودانية كانت تعيش خارج البلاد وعادت إلى الوطن لتواجه مشكلات سياسية واجتماعية وثقافية، تحاول المسرحية معالجتها بقالب كوميدي ساخر.

ويرى طيارة أن المسرحية تسلط الضوء على القضايا الموجودة الآن في الشارع العام ومحورها الشباب.

الناقدة المسرحية ميسون عبد الحميد تشير في مقابلة مع "عربي21"، إلى أن مسرحية (أولاد مكي) تحكي قصة اجتماعية بسيطة وتعالج حياة أسرة مصابة بالتفكك، في ترميز إلى السودان في فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير ما قبل ثورة كانون أول (ديسمبر)، وتمت إدارة الأسرة في العرض المسرحي من الخارج بواسطة شخصية منكسرة ومنبوذة اجتماعيا، وتتكون الأسرة من أم انصرافية وأب خائن وولد مدمن وبنت ذات اهتمامات سطحية مخدوعة عاطفيا، وتستمر الأسرة في هذا الوضع إلى أن تحدث انتفاضة شعبية تغير مسار الحدث الدرامي وتتحول بموجبها الشخصيات الدرامية إلى وضع جديد مختلف بشكل جذري يناسب أجواء الثورة الشعبية.

عبر عدد من اللوحات ـ تضيف الناقدة ميسون ـ حاول العرض أن يبث قدرا عاليا من الإحباط والبؤس طيلة ربع قرن، وهو معادل موضوعي يعادل عمر الشباب الذين صنعوا التغيير في السودان، وذلك بالضغط والتصعيد على المؤسسة الأسرية اللاهية والتي ترمز للسلطة من أجل سماع صوت الأبناء عبر شتى السبل الثورية، وهنا استفاد العرض من مصطلحات أنتجها الوعي الجمعي السوداني (جمهور العرض) بذكاء لامس وجدانهم الثوري، وبمعالجة فنية كوميدية تارة والتراجيديا تارة أخرى، كما أستخدم العرض لغة تواصل مباشرة تمثلت في مصطلحات الثورة السودانية (ترس، تصعيد، تفاوض، إدارة أهلية.. الخ).

ألوان وأزياء:

تميزت العروض المسرحية التي قدمت على قصر الشباب بالاهتمام بالأزياء التي ارتادها الممثلون من حيث التصميم والألوان ذات الدلالات المتعددة، وحسب مصممة الأزياء المعروفة مهيرة الطيب محمد الطيب فإن للسودانيين تصاميمهم وألوانهم الخاصة التي تم اكتسابها من البيئة الثقافية المتعددة، وهي في الواقع دالة على البعد النفسي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وتشير مهيرة في حديث مع "عربي21" أن العروض المسرحية حاولت المزاوحة بين الواقعية والرمزية، واشتغلت على إيجاد خط لوني واحد لتحقيق وحدة الموضوع رغم أن البعض قد يرى غير ذلك في أزياء الممثلين.

 



وتحدثت مهيرة عن مدلولات الأزياء المسرحية في العرضين "حكايات أحاجي المدينة" و"أولاد مكي"، مشيرة إلى انعكاس اللون الأخضر الذي يعبر عن المثالية وسمو الأخلاق والتصوف والمسؤولية الوطنية فضلا عن الألوان ذات العمق الافريقي، مؤكدة على أن الازياء وألوانها تساعد بشكل فعال في توصيل النص المسرحي للجمهور وتوظيف الحوارات، وأضافت قائلة: "الزي بصورة عامة له دلالة بالتحولات السياسية والاجتماعية الجارية الآن في السودان".

الثورة الفنية:

وتعليقا على النشاط المسرحي الذي أعقب الثورة الشبابية في السودان، يقول الناقد الدرامي محمود حسن فكاك لـ"عربي21": "إن الثورات بالضرورة تعمل على تغيير المفاهيم المجتمعية ومن ضمنها حركة الفنون"، موضحا أن المسرح يظل صاحب القدم الطولى ضمن منظومة الثورة الفنية وذلك بامكاناته الإبداعية في نشر الوعي وطرح القضايا الوطنية ونقاش المسكوت عنه.

 


ويلاحظ فكاك في التجارب المسرحية التي أنتجت بعد الثورة حالة تيه كبيرة لصانع الفكرة وهي لا تنفصل عن حالة التيه العامة، فعلي سبيل المثال نجد عرض مسرحية (أولاد مكي) الذي قدم بمسرح قصر الشباب والأطفال لم يبارح متشابهاته من عروض المسرح التجاري التي ظلت تكرر على خشبات المسرح بأشكال وأسماء مختلفة ولكن تظل الآدائية مترنحة في ذات المكان، بمعنى لم تؤثر المتغيرات على نمط التفكير الفني ولم تتم الاستفادة من مساحة الحرية في مناقشة مواضيع جادة تحترم عقل المشاهد.

على الصعيد الآخر يشير فكاك إلى أن العروض ذات الإتجاه الموحي بالثورية، بمعنى أنها تدعي استنطاقها لمفهوم الثورة فكرياً وفنيا، وينطبق هذا النمط على عرضي (كراس حساب) و(حكايات أحاجي المدينة)، فالأول يسعى إلى معالجة المؤدين غير المتخصصين من الآثار النفسية لحادثة فض الاعتصام وما سبقها من انتهاكات ذات صلة وقد نجح إلى حد ما في مسعاه من خلال تقديم العرض من شباب غير متخصصين يمثلون الحالات المرجو علاجها، وإن كان فنياً تم استلابه بالحالة الغنائية.

أما العرض الثاني (حكايات أحاجي المدينة) حسب الناقد فكاك، فقد أوقع المشاهد ـ من خلال تقديمه لثلاثة حكايات متصلة ومنفصلة ـ في فخ سؤال التمسرح والبحث عن الحالة الفنية في نطاق العرض الذي احتفى بالشكل مقابل المقولة الجوهرية لجمهور يبحث عن مساحات الحرية الغائبة، عن الكلمة في سطوتها وعنفوانها وثورتها.

ورأى في الحالة التجريبية التي تلبست العرض في مقابل الإسم الدال على الحكاوي والقصص والتشويق قد صنعت حالة انفصال بين العرض والجمهور رغم مهارة المخرج في خلق فضاءات بصرية و(سنوغرافية) مدهشة.

ويخلص الناقد فكاك إلى طرح السؤال المهم؛ إلى أي مدى استفاد المسرح السوداني من التحول السياسي والفكري الذي انتظم البلاد؟

التعليقات (1)
عبدالله محمد علي
الخميس، 19-12-2019 05:48 م
المسرح السوداني تجارب محلية لا ترقي حتي لان تكون محلية كاملة فهي تجارب بدائية لا تتجاوز ام درمان ناهيك عن السودان وهي غير جاذبة لتصل وتنافس في العالم العربي الذي يجذبه الفن المصري الجذاب والسوري الذي برع بصورة جيدة اذا لم نستخدم المقياس الاقليمي في النظر للأمور سنظل ندور في فراغ في شارع النيل في ام درمان ولن يسمع بنا أحد ونظل تمدح أنفسنا وتنتج تنظير فطير لا يقدم ولا يؤخر النظرللاشياء بمنظار عالمي يحسن من نظرتنا لأنفسنا