قضايا وآراء

تعطل تشكيل الحكومة بتونس: دخول المهلة الثانية ومصاعب منتظرة

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600

1- الانتخابات و"توازن الضعف"

 
كنت نشرت مقالا في "عربي21" مباشرة بعد نتائج الانتخابات عن احتمال دخول تونس في أزمة حكم، بالنظر إلى نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية.

فالانتخابات التشريعية لم تفرز طرفا قويا يمكنه تشكيل حكومة بكل يسر، وبتحالف مع من يشبهونه أو يتفقون معه في مبادئ أساسية.

لقد خرج الجميع ضعفاء، ولم يكن الحزب الفائز (حزب حركة النهضة) إلا الأقل ضعفا وليس "الأقوى"، إذ لا تمثل كتلته البرلمانية إلا أقل من ربع عدد نواب المجلس، وهو ما جعل مهمته في تشكيل الحكومة مهمة عسيرة جدا.

 

خرج الجميع ضعفاء، ولم يكن الحزب الفائز (حزب حركة النهضة) إلا الأقل ضعفا وليس "الأقوى"، إذ لا تمثل كتلته البرلمانية إلا أقل من ربع عدد نواب المجلس

حاولت حركة النهضة البحث عن توافقات مع أحزاب تراها في خط أشواق الثورة، وظنت أنها تلتقي معها في أهداف كبرى تتعلق بالتنمية ومحاربة الفساد والدفاع عن السيادة الوطنية.

غير أن تلك الأطراف اشترطت شروطا بدت تعجيزية، وهي عدم ترؤس الحكومة من قِبل شخصية منتمية لحركة النهضة، أيضا طلب التيار الديمقراطي وزارتي سيادة، وهما العدل والداخلية، إضافة إلى وزارة الإصلاح الإداري، وهو ما اعتبرته حركة النهضة ابتزازا وحشرا في الزاوية، خاصة وهي مضطرة لحلفاء من شركاء أشواق الثورة حتى لا تضطر إلى الذهاب إلى حزب "قلب تونس"، صاحب الكتلة الثانية في البرلمان، لكون رئيسه متعلقة به قضايا شبهات فساد، وقد خرج لتوه من السجن ولم يفصل القضاءُ بعد في ملفاته.

2- الشوط الثاني وحظوظ النجاح

السيد الحبيب الجملي، الشخصية المستقلة الذي كلفته حركة النهضة بتشكيل الحكومة، استنفد مدته القانونية الأولى دون أن يُفلح في مهمته، رغم أنه حاول تحسس الساحة السياسية والاتصال بشخصيات من مختلف الطيف والمناشط، بما فيها الفنية والرياضية والإعلامية والحقوقية والحزبية والمستقلة.

هل يعود "العجز" لقدرات السيد الحبيب الجملي أم لطبيعة الساحة التونسية وتعقيداتها، وما يتداخل فيها من مصالح الداخل والخارج، وما يُستدعى فيها من خصومات الماضي والحاضر؟

المواطن التونسي لا تعنيه أيديولوجيات ولا صراعات أحزاب، وإنما تعنيه مصالحه المتعلقة بمعاشه وأمنه، وهو ما يعرفه السياسيون كلهم، ولكنهم لا يراعونه حين يخضعون لحساباتهم الحزبية ومصالحهم الخاصة.

 

المواطن التونسي لا تعنيه أيديولوجيات ولا صراعات أحزاب، وإنما تعنيه مصالحه المتعلقة بمعاشه وأمنه، وهو ما يعرفه السياسيون كلهم

لقد فشل الحبيب الجملي أو أفشلوه، واضطر أن يطلب من رئيس الجمهورية مهلة ثانية يعيد فيها اتصالاته ويُجري مشاوراته، ويحاول تركيب المتناقضات التي تأبى أن تلتئم كما جرح قديم استعصى عن العلاج.

المشاورات في الظاهر تتم في قصر الضيافة، ولكن الحقيقة تقول إن هناك أكثر من "مكان" تجري فيه لقاءات ومشاورات ومحاولات تدخل وتأثير، وهو ما جعل مهمة الحبيب الصيد صعبة، وما جعله أيضا يبدو كأنه لا يملك قراره، وكأن ما قيل عن كونه "مستقلا" ليس حقيقة.

حركة النهضة تجد ضغوطا كبيرة من مناضليها تمنعها من التحالف مع حزب "قلب تونس"، كما أنها تجد ما تعتبره "ابتزازا" من حركة الشعب والتيار الديمقراطي مقابل مشاركتها في الحكم. وهي إذ تمنعت طيلة المهلة الأولى، فإنها قد تحسم أمرها خلال الأسبوعين القادمين، فتقبل بشروط الحزبين المذكورين التزاما بوعودها الانتخابية بمسايرة خط الثورة وبعدم التحالف مع الفساد، أو (في حالة فشل الخيار الأول) قد تجد "فتوى" سياسية تبيح لها ترتيب "توافق" شبه خفي مع حزب نبيل القروي، تمنحه بمقتضاه وزارات مقابل تصويت كتلته للحكومة، تجنبا لفشل التكليف ثانية والذهاب إلى "حكومة الرئيس".

 

حركة النهضة تجد ضغوطا كبيرة من مناضليها تمنعها من التحالف مع حزب "قلب تونس"، كما أنها تجد ما تعتبره "ابتزازا" من حركة الشعب والتيار الديمقراطي مقابل مشاركتها في الحكم

3- رئاسة الجمهورية و"حكومة الرئيس"

السيد رئيس الجمهورية يبدو للمتابعين كأنه غير معني بمدى نجاح أو فشل السيد رئيس الحكومة المكلف، وهو ما أثار موجات من التعاليق خاصة في الصفحات الاجتماعية، حيث يتندر الشباب وكثير من السياسيين باستقبالات قيس سعيد المتكررة لوفود الشباب القادم من أقاصي الولايات على الأقدام. يستقبلهم بالأحضان تعبيرا عن تعاطفه معهم ومواساته لهم، دون أن يقدم لهم لا وعودا ولا إنجازات، وإنما يحدثهم عن رؤيته للنظام السياسي الجديد الذي يُبشر به هو وقائد حملته الانتخابية السيد رضا شهاب، الملقب بـ"لينين".

بعض المتابعين يقولون إن قيس سعيد ينتظر (أو يأمل) فشل الحبيب الجملي في تشكيل حكومته خلال الفترة الثانية والأخيرة، حتى تكون الفرصة القانونية سانحة لرئيس الجمهورية للتدخل.

ثمة من يستعجل قيس سعيد من الآن ويدعون إلى "حكومة الرئيس" كحل مؤكد للخروج من الأزمة، أزمة حكم وأزمة توافقات وأزمة اجتماعية لا يُستبعد أن تتفجر خلال شهر كانون الثاني/ يناير، كما عادتها غالبا.

الأزمات الاجتماعية المتفجرة في كل من لبنان والعراق، والتوترات الأمنية في الجارة ليبيا والتحولات القادمة في الجزائر، كلها تجعل تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس على موجة قلقة وتجعل السياسيين في أعين التونسيين مسؤولين عن تعطيل تشكيل الحكومة، والشروع في معالجة ملفات التنمية والفساد، وخاصة الملفات الأمنية الطارئة، وعلى رأسها ملف الوردانين، وملف سامي الفهري الذي اختفى فجأة، وحادث حافلة عمدون (وما حام حولها من شُبهة جريمة)، وغيرها من ملفات يتداخل فيها المال والإرهاب والتهريب والاختراقات الأمنية والاستخباراتية.

التعليقات (0)