كتاب عربي 21

محمد شحرور.. وعبد العاطي كفتة وشعبولا

أحمد عمر
1300x600
1300x600
تلخيص كتاب "بيضة الديك" ليوسف الصيداوي ليس سهلاً، وهو أول كتاب كُتب رداً على قراءة محمد شحرور المعاصرة. وكتبت ردود كثيرة عليه، مثل "تهافت القراءة المعاصرة" لمنير الشواف، وهو نحو 700 صفحة، و"التحريف المعاصر في الدين" لعبد الرحمن حبنكة الميداني، وهو نحو 500 صفحة، وغيرها كثير..

يجمع "بيضة الديك" في الرد بين تهافت المنطق في "الكتاب والقرآن"، والأخطاء اللغوية والنحوية والتعبيرية والخفة. والشحرور يجادل ويفسر ويستنبط كتاب الله ومعجزته الباقية في البيان بغير علم ولا كتاب منير. اللغة أس وجود العرب، والشعر ديوانهم، ولولا القرآن لكان العرب قبيلة صغيرة في مجاهل الصحراء، فهو الذي حفظ لسانهم وكيانهم.

قصرَ الصيداوي نقده على اللغة من غير تعريج فقهي على الحلال والحرام، وجعل نقده ثلاثة مصاحف هي؛ المنطق اللغوي عند الكاتب ومتكآته، وبعض أحكامه المؤسسة على اللغة، ولغته وهو يقرأ القرآن قراءة معاصرة. ولم يكن المؤلف قد سمع الشحرور مغنياً في تلفزيون أو في إذاعة. ووُصف الشحرور بالشجاعة، ولم يجرح في معركة فكرية، ولم يسجن مثل سيد قطب، أو يعدم مثله، الرجل مات على فراشه، وكان بطلاً على الشاشات! والشجاعة في زماننا ليست في نقد الفكر الديني والدين، بل في نقد السلطان، فالدين صار بردعة، ولا يجرؤ المثقف العربي على الحمار، وقديماً قيل إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

وأغلب الظن أن سبب إعجاب المثقفين العلمانيين العرب الشحارير والليبراليين به، هو إيمانهم بقول "الغاية تبرر الوسيلة"، فوسيلة الشحرور متهافتة منطقياً وعلمياً ولغوياً، لكن غايته هي الإصلاح الديني، وهو يجعل لباب إصلاحه في المرأة ولباسها، وليس في السلطان، فيقصر عورتها على جيوبها، ولم يكن المثقفون العلمانيون العرب يطمحون سوى إلى خلع حجابها، فكاد يسلخها سلخاً. هناك أمم كبيرة كل نسائها عاريات، لكنها أمم متخلفة.

وكان المؤلف مكرماً من السلاطين العرب، ومقرباً من أكثرهم مالاً، وأعزهم نفراً، وله موقف من الثورة السورية قال فيه بلغة معادلات الرياضيات والخطوط البيانية قولته المأثورة التي أذهلت الثقلين بحكمتها: فكر أحادي يقاتل فكراً أحادياً! لو كنت ناصحاً لنصحته أن يتجنب الظهور على التلفزيون، فهو يثير الشفقة بقدراته التعبيرية والثقافية، وليس من الذين يملأون العين جمالاً والسمع مقالاً، وكلما سمعته تذكرت السيسي وهو يسأل عن الوطن فيقول ببلاغته وفلاتره: حضن.

كاتب أم باتك؟

كتاب الصيداوي ممتع في الاستشهاد بالأمثلة الشعرية وطلاوة اللغة، وحس السخرية الناعم، ويثني على طرافة الشحرور غير المقصودة، فهو باتك وليس كاتباً، والبتك هو التغيير والقطع، وأخطاؤه لا يقع فيها طالب مجدّ في الصف السابع، ففيها أخطاء فاحشة، من رفع للمنصوب وجر للمرفوع، وصفة تسبق الموصوف، والمذكر في كتابته مؤنث، والمؤنث مذكر، والضمائر الموصولة غير مناسبة.. ولا نتهم الباتك الذي جعلوه مفكرا، بالتواطؤ مع أصحاب صفقة القرن، عندما يفسر قوله تعالى في بني إسرائيل "ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ" بقوله: أي تحجروا في تفكيرهم من بعد موسى. ويشرح الشحرور الآية قائلاً من غير ادعاء لصفات الطبيب: أي حصل تصلب شرايين! هذا التفسير على ركاكته، هو له، فهو يشبهه، وليس للمؤلف الثاني الذي أجرى عملية قلب مفتوح لصفقة القرن التي لم تبدأ اليوم.

مؤلف واحد أم مجموعة من المؤلفين؟

يقول الصيداوي إن الركاكة ظاهرة في الكلام، وإن المؤلف يعتدي اعتداء شديداً على كلام الله بنفي ذم بني إسرائيل الذين ذبحوا البقرة، وقوله "تحجروا في تفكيرهم"، فيه لغو وإحالة، ولو قال على المجاز تحجر تفكيرهم، لقبلنا، وأنه لا جدال في أن المرء حقيقة أو مجازاً يعمى ويصم ويتحجر، أو يعمى بصره وتصم أذنه ويتحجر تفكيره، أما أن يعمى في بصره، أو يصم في أذنه، أو يتحجر في تفكيره، فهذا لا يكون في حقيقة أو مجاز.

لو أوجزنا لقلنا إن الباحث المفكر يكتب بلغة العوام أحياناً، كما لم يقع لمفكر من قبل. فالكتابة بالعامية ليست من أصول المناهج، وقد يقع لروائي أو قاص عندما يجري الكلام على ألسنة القائلين، أو لإخباري مثل الجاحظ. الكتاب ليس من تأليفه وحده، فقد ألفه مع أستاذه، ولا يشير الصيداوي إلى أستاذه، وهو جعفر دك الباب. ويهتزُّ الأسلوب ويحسن أحياناً، فلعل ذلك مرده إلى تباين أسلوب المؤلفَين، أو المؤلفِين كما يقول آخرون.

لكن معجبيه كثيرون، وهم يفهمونه، قيل عن السيسي إنه يخاطب القلوب بسهولة لغته، كأن له لغتين، فليس للسيسي سوى لغة واحدة وهي لغة الفلاتر، والعامة لا تفهمه كما يشاع، فهو يحتاج إلى مترجمين اثنين، لكن هذا دكتور وعالم ومفسّر قرآن ومفكر، وصاحب قراءة معاصرة، وهو لا يجيد القراءة العادية، والأمثلة كثيرة. فقد بلغ عدد صفحات كتاب الصيداوي 265 صفحة، ولم يحط بالكتاب كله، فأين أعجوبة الشحرور؟ ولمَ نال كل هذه الشهرة؟ السبب أنَّه أغار على كتاب أمّة بحالها، واعتدى اعتداء لم يسبقه سوى القليل.

التوحيد والشرك والاشتراكية:

لم تعد الشهرة كما كانت قديماً، لا ينالها إلا أصحابها الأكفاء، فقد غدا شعبان عبد الرحيم شهيراً ونجماً، ولم نعرف النجوم إلا في العصر الحديث، وكذلك اللواء عبد العاطي صاحب أصابع الكفتة التي تشفي من الإيدز والسكري وسواهما من الأمراض. هناك أمور في كتاب الشحرور تستحق النظر على أخطائه المنكرة المنطقية والمنهجية واللغوية، فهو طريف وفيه أفكار كثيرة وعجيبة وغريبة وجهد كبير استغرق عشر سنوات، من تلك الأفكار الشعرية أن التسبيح في كتاب الله، معناه صراع المتناقضين داخلياً الموجودين في كل شيء. وفكرة أن عدم تطوير التشريع، وتثبيت مذهب أو مذاهب فقهية معينة، هو شرك الألوهية. وأن الشرك هو الثبات في هذا الكون المتحرك، والوقوف ضد التطور، وهذا شرك الربوبية. وأن سكونية الفكر والفقه والتفسير، هي من أوائل مظاهر الشرك الخفي عند العرب، فالتخلف شرك، والتقدم توحيد، فهو بذلك يحاول تسمية فقهاء المسلمين بالمشركين، لالتزامهم بدلالات النصوص من الكتاب والسنة. لكنه لم يوجب عليهم الحدَّ أو يحل دماءهم، لله درّه.

تاج محل:

وهو دكتور في الرياضيات، وليس مثل شعبان عبد الرحيم عامل كيّ، فمثل الشحرور كمثل رجل بنى عمارة غير صالحة للسكنى، مشرفة على الانهدام، فقد بنيت على شفا جرف هار، فلا يمكن بناء عمارة صحيحة لمهندس لا يعرف الجمع والطرح، ويقول إن: واحداً زائد واحد يساوي خمسة! لكنه استطاع تأليف كتاب وبنى عمارة، وشجاعته حقيقة تشبه شجاعة المجانين الذين يخرجون عراة في الشارع، أما عمارته التي بناها فهي عجيبة، وأعجب من تاج محل، غرفة النوم هي المطبخ، والمطبخ زريبة ينام فيها الذئب بجانب الشاة، والأسد بجانب الضبع. ونوافذ العمارة مسدودة، أو مبنية في الأرض، وأقواس المداخل غير متصلة، والأضواء ليست في السقوف ولا على الجدران، وإنما وراء الحيطان من طرف الشارع، والباب لا يسع الداخل إلا زحفاً، والسقف قبة مقلوبة، أو طبقتان فيها خرق كما يصف هو الجيب، وهكذا...

الدين لله والجنّة للجميع:

قبل سنوات صرح بابا الفاتيكان فرانسيس قائلاً: "إن الرب قد افتدى الملحدين"، الجميع سيدخلون الجنة، واستبشر كثيرون، مع أنهم لا يؤمنون بالجنة والنار، وقد سألت ابن القارح (أحد ابطال رسالة الغفران) عن سبب كرم البابا والشحرور والخميني في إدخال الناس الجنة بصكوك أو مفاتيح، أو مجاناً من غير تذكرة، فقال: ليس من العدل أن يدخلها الجميع. وأظن أن الكافرين والملحدين يؤمنون بالجنة سراً ويطمحون إلى الدخول إليها. ولسان حالهم يقول: أن ندخل مع المجرمين إلى الجنة خير من أن ندخل النار مع الداخلين. عبد الوهاب المسيري يسمّي هذا الإيمان؛ الإيمان الخفي، وقد اقتبسه من الشرك الخفي، وله فيه أقوال رحمه الله.

نحن مع بعضنا البعض:

انبرى كتاب وعلماء للدفاع عن الشحرور المطرب، وقالوا لكل من وضعه في الجحيم وشتمه، وهل قرأت كتابه كله؟ هناك امتحانات يسقط فيها الممتَحن من أول كلمة، خذ امتحان السيارة التي لو قادها الممتحن من غير مرآة، أو من غير أن يضع الحزام، أو أن يترك مكابح اليد مرفوعة، سيسقط فورا في.. الجحيم. هناك امتحانات في كل المواد كان الممتحنون يرسِّبون فيها الطالب لارتكابه الخطأ القاتل الذي لا يغفر. يكفي أن تقرأ عدة صفحات من كتابه لتحكم عليه، حاله سماعا أسوأ بما لا يقاس، فهو لا يُحسن الحديث، ولا.. القديم. وكما يقول أهل مصر: أهو إحنا مع باع دينه.

رسالة الغفران للمعري:

رسالة الغفران كتاب نقدي في الشعر، اتخذ من الجنة والنار سبيلا للنقد، فزج بمن شاء في النار وكرم من يحبُّ بالجنة.

وقد رأيت على طريقة المعري، أو ما يماثلها، في ما يرى المتمني، أني في المدينة الفاضلة، ورأيت أني أخرج بعد الإفطار حتى أجزّ الأعشاب في حديقة منزلي، فيلحقني كلبي. أخرج، فأجد بشار الأسد يلعب الغولف مع نيرون، فأستغرب أن يكونا في المدينة الفاضلة! وأقول: كيف دخلت هنا يا سيادة الرئيس، ولا ألقاب في المدينة الفاضلة..

وجنتي متخيلة، هي غير الجنة التي وُعد بها المتقون، لكني ما أزال خائفاً من مقام الرياسة ومن المخابرات، وأخاف من تهمة توهين روح الأمة وإضعاف الشعور القومي، فيقول: كنت مقاوماً وممانعاً يا رفيق، ويتابع اللعب. وأسأل نيرون، فيقول كنت فنانا وأحب الموسيقا. ثم يطلب مني بشار الأسد أن أعيره مقصاً، فلا أعيره، خوفاً من أن يستعمله في التعذيب، وأعتذر وأقول: عندي مكنسة، وأغضب لسكني بجوار هذين السفاحين. وأرفع طلباً للبلدية في اليوتوبيا لنقل سكني، ثم أرى الشحرور أيضا في الجوار، وأقول إنه كان موحدا فلعلها بركة التوحيد.

وأستغرب مثل زياد الصوفي كيف يفسِّر فواتح السور التي عجز عنها جميع السلف، واجتهدوا وأنهوا تفسيراتهم بقولهم: والله أعلم بمراده. ولا يعرف هذا المفكر معنى الحرية! ويقول طرف أحادي ضد طرف أحادي! ويقول "أحادي" العيس لبشار عندي مقص يا سيادة الرئيس، سيادة الطرف الأحادي الأول في الثورة مع أنَّ روسيا وإيران والصين ودول أخرى تدعمه. وأرى عبد الفتاح السيسي قد تلبّس في شكل نيرون، ويشرب الماء من الثلاجة، التي ليس فيها سوى الماء حتى في الطوبى، فما زال زاهداً كما كان، فأقول: عجباً كيف دخلتم الطوبى؟! سأرفع طلباً بنقلي من هنا، ثم تضرب رأسي كرة الغولف الثقيلة الصلبة، برمية من بشار أو هتلر أو عبد الفتاح السيسي، فأصحو من حلمي وأقول لأهل الشحرور الذي دفن في دمشق وكتب على شاهدة قبره آية وعيد تخصُّ المشركين: "هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ".. مثل الشحرور مثل السيسي الذي أسقط أهله جملة "توفني مسلما" من الدعاء الشهير ليوسف عليه السلام على شاهدة المقبرة، وأقول لأصحابه معزياً بالتعزية التي يحبّونها، ويظهر منها أنهم قوم يؤمنون بالحرب بعد الموت، ومن صميم قلبي: السلام لروحه.
التعليقات (1)
عبد الرحمن سعيد
الأربعاء، 01-01-2020 06:43 ص
كنت انتظر منك تقديم منهجا وحجة منطقية وعلمية تفكك ما أتى به السيد محمد شحرور لا مجرد تهكم وسخرية ..كما من السذاجة تشبيه شخص قضى عمره بين الكتب وبغض النظر عن إنتاجه باشخاص منحطة الذوق والفكر ...

خبر عاجل