كتاب عربي 21

عن اغتيال سليماني وإيران وأمريكا: أين المشروع العربي والإسلامي؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600

أثارت عملية الاغتيال الأمريكية لقائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، وما تلاها من تصعيد إيراني-أمريكي، الكثير من النقاشات والأسئلة وردود الفعل في الأوساط العربية والإسلامية، وانقسمت الآراء بين ثلاثة اتجاهات رئيسة:

الاتجاه الأول، وهو يمثل محور المقاومة وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين وقوى الحشد الشعبي في العراق وحلفاء إيران في المنطقة، وهو يعتبر أن عملية الاغتيال اعتداء أمريكي مباشر على إيران والعراق وقوى المقاومة، وأن المطلوب الرد على هذه العملية يصل إلى طرد القوات الأمريكية من منطقة غرب آسيا. ووصفت الجهات التي تمثل هذا الاتجاه اللواء قاسم سليماني والحاج أبا مهدي المهندس بشهيدي محور المقاومة، وبأن سليماني شهيد فلسطين والقدس، ولعل مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله ورئيس المكتب السياسي في حركة حماس إسماعيل هنية أوضح من يعبر عن هذا الاتجاه.

الاتجاه الثاني، وهو يمثل القوى المعادية لإيران ومحورها في المنطقة أو من الذين يواجهون هذا المحور في أكثر من ساحة عربية وإسلامية، وهم أبدوا سعادتهم لاغتيال سليماني ولو أن العملية تمت على أيدي الأمريكيين، واعتبروا أن سليماني هو المسؤول عن قتل مئات الآلاف من العرب والمسلمين في سوريا والعراق واليمن، وهو المسؤول عن هزيمة الثورة السورية وبقاء النظام السوري بقيادة بشار الأسد، وأنه باغتيال سليماني ارتاحت المنطقة من عدو خطير.

الاتجاه الثالث، وهو الذي يدعو إلى الحياد في الصراع الأمريكي-الإيراني، ويعتبر أن العرب والمسلمين ليسوا معنيين بهذا الصراع، بحجة أن ما يجري بين الفريقين هو "مجرد تمثيلية أو مسرحية"، وفي أحسن الأحوال هو "مجرد صراع بين أفرقاء مختلفين على كيفية تقاسم النفوذ في العالم العربي والإسلامي"، وأن هذين الفريقين عندما يتفقان فيما بينهما يتوزعان المصالح والنفوذ، وأن ما يجري لن يصل إلى حد الصراع المفتوح، ولذا علينا ترك هذا الصراع على غاربه وعدم الوقوف مع طرف ضد طرف، وحسبما يقول المثل العامي في لبنان: فخار يكّسر بعضه، أو وفقا لبعض المقولات الدينية: اللهم أشغل الظالمين بالظالمين.

والملفت في ردود الفعل الموقف الذي نسب إلى حركة طالبان أو ما يسمى "الإمارة الإسلامية في أفغانستان"، والذي ندّد بعملية الاغتيال الأمريكية وحذر أمريكا من عواقب الاغتيال. ولم يتم نفي البيان الصادر عن الحركة مما يؤكد صحته، مع العلم أن حركة طالبان تختلف فكريا وسياسيا مع إيران وقوى المقاومة، وحصل بينهما صراع شديد في أفغانستان، ولذا لا يمكن تصنيف هذا الموقف ضمن الاتجاهات الثلاثة، وقد يكون ضمن تقاطع الموقف في مواجهة الأمريكيين اليوم.

فأي من هذه المواقف تعبر عن المشروع العربي والإسلامي؟ وعلى أي أساس يمكن لأي حركة سياسية أو دينية أو قومية أن تحدد موقفها من التطورات؟ وهل يكفي الخلاف السياسي في بعض الساحات كي نحكم على أي مشروع مضاد؟ وما هي الأولويات التي يمكن أن تحدد لنا الموقف من أية عملية اغتيال أو حدث سياسي هام في المنطقة؟

قد لا يمكن الإجابة عن كل هذه الأسئلة بشكل مختصر وسريع، وقد يحتاج المرء لكتابة أبحاث أو دراسات حول" فقه الأولويات"، أو "علم الأولويات في السياسة" أو ما يسمى "الخلاف بين التكتيك والاستراتيجي في الصراع السياسي"، وهناك كتب ودراسات كثير كتبت في هذا المجال من قبل علماء ومفكرين وباحثين. إضافة لذلك، نحن بحاجة أحيانا أن نقرأ التطورات والأحداث بعيدا عن العواطف الشخصية أو الحسابات الجزئية والقطرية أو العصبيات المذهبية والتاريخية والقومية.

وفقط من أجل المساهمة في النقاش أطرح بعض الأسئلة، وأضع بعض النقاط من أجل حوارات أعمق وأشمل..


أولا: حول مسرحية الصراع بين إيران وقوى المقاومة من جهة، وأمريكا والكيان الصهيوني من جهة أخرى: يحلو للبعض من محللين ومفكرين وإعلاميين وحتى قادة سياسيين وحزبيين؛ أن يصفوا ما يجري بين إيران ومحور المقاومة من جهة وبين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة أخرى منذ عام 1979 وحتى اليوم؛ بأنه مجرد مسرحية أو تمثيلية، وأن كل شيء متفق عليه، وأن لدى إيران مشروعا فارسيا صفويا إمبراطوريا تستغل كل شيء من أجل السيطرة على العالم العربي والإسلامي، وأن قوى المقاومة مجرد أدوات ووكلاء للمشروع، وأن إيران مستعدة لأن تضحي بكل شيء لكي تسمح لها أمريكا وإسرائيل بالسيطرة على المنطقة، وتعود لتكون كشاه إيران، وأن كل التضحيات التي قدمت هي من أجل ذلك، وأن ما سقط من شهداء وما قدم من تضحيات هي من أجل هذا المشروع.

أي أن إقفال السفارة الصهيونية في طهران واحتجاز الرهائن الأمريكية في طهران وكل أشكال الحصار الأمريكي على إيران مجرد تمثيلية، وأن كل دعم إيران للمقاومة في لبنان وفلسطين لتحرير الأرض تمثيلية، وأن كل قصف أمريكا وإسرائيل لقوى المقاومة في لبنان وسوريا والعراق تمثيلية، وأن كل ما قامت به قوى المقاومة ضد أمريكا وإسرائيل تمثيلية، وأن استشهاد الحاج قاسم سليماني والحاج أبي مهدي المهندس تمثيلية، وأن الرد الإيراني تمثيلية.. إلى آخر السلسلة.

أنا لا أنفي أنه قد تحصل تقاطعات حتى بين الأعداء، ولكن هل يمكن أن ننفي أن كل حصار أمريكا وعقوباتها لأن إيران تدعو لمواجهة الكيان الصهيوني وأن الخلاف الأساسي بين الإمام الخميني والشاه كان بسبب علاقته بأمريكا والكيان الصهيوني؟

ثانيا: حول الخلاف مع إيران على دورها في سوريا واليمن والعراق ولبنان: طبعا هذا أمر صحيح ومؤكد، بغض النظر عن تقييم موقف كل جهة وأبعاد الصراعات في هذه الدول، لكن هل يؤدي ذلك إلى أن نقف مع أمريكا والعدو الصهيوني في مواجهة إيران وحلفائها، أم يقتضي الأمر أن نبحث عن حلول للأزمات بعيدا عن دور القوى الكبرى؟ وألا يستدعي ذلك أن نحدد اهداف المشروع العربي والإسلامي وألوياته في هذه المرحلة؟ ولماذا يقبل البعض التعاون مع روسيا في بعض الملفات رغم أن الدور الروسي في سوريا متطابق مع الموقف الإيراني في كثير من الأحيان؟


ثالثا: في العمل السياسي لا يمكن تقييم الأمور من منظار العواطف أو الحسابات الجزئية، بل المطلوب نظرة استراتيجية كلية وتحديد المصالح والمبادئ الأساسية سواء كانت فكرية أو سياسية، وعلى ضوء ذلك نحدد مواقفنا.

نحن إذن أمام صراع كبير في المنطقة، والوجود العسكري الأمريكي والكيان الصهيوني يتحملان المسؤولية الكبرى في معظم مآسي هذه المنطقة. فحتى لو اختلفنا مع إيران ومحور المقاومة في بعض القضايا وتجاه بعض الصراعات، ألا يتطلب ذلك اليوم تجاوز بعض هذه الخلافات والبحث عن نقاط مشتركة في الصراعات القائمة اليوم؟

هذه أفكار وأسئلة برسم الجميع من أجل حوار هادئ ونقاش حقيقي.

التعليقات (1)
عماد
الخميس، 16-01-2020 04:51 م
"أين المشروع العربي والإسلامي؟" سؤال وجيه . والجواب عنه يحزن القلب ويدمع العين . فلنترك الإجابة عنه بعجالة ولنبحث عن مكان نهضتنا الثقافيه العربية الإسلامية لانه لا يبينهما واو . فلنسحبها ليكون الربيع الإسلامي