صحافة دولية

فورين بوليسي: هذا هو إرث السلطان قابوس.. ماذا بعد؟

فورين بوليسي: بفضل إرث قابوس بن سعيد أصبحت سلطنة عمان في وضع أفضل من العديد من جيرانها- جيتي
فورين بوليسي: بفضل إرث قابوس بن سعيد أصبحت سلطنة عمان في وضع أفضل من العديد من جيرانها- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأكاديمية ليندا باباس فونتش، تقول فيه إن بفضل إرث قابوس بن سعيد، أصبحت سلطنة عمان في وضع أفضل من العديد من جيرانها لمواجهة التحديات المستمرة في الشرق الأوسط.

 

وتبدأ فونتش مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول إن "تغطية الأخبار الدولية للشرق الأوسط توحي بأنه يعيش دائرة لا متناهية من عدم الاستقرار، والعدوانية والطائفية، وتسيطر التقارير حول الحرب والأزمات على العناوين الرئيسية، في الوقت الذي يتم فيه إهمال الجيوب التي تتمتع بهدوء نسبي، وأبرز الأمثلة على هذا هي سلطنة عمان التي مات حاكمها، قابوس بن سعيد، في 10 كانون الثاني/ يناير، عن عمر يناهز 79 عاما بعد مرض طويل". 

 

وتشير الكاتبة إلى أن "قابوس، الذي يمثل الجيل الرابع عشر لعائلة آل سعيد، وصل إلى سدة الحكم في 23 تموز/ يوليو 1970، بعد أن أطاح بوالده السلطان سعيد بن تيمور، الذي حولت سياساته المقيدة والانعزالية البلد إلى واحد من أفقر بلدان العالم وأكثرها قيودا، وبدأ قابوس، البالغ من العمر حينها 29 عاما، والمتخرج حديثا من أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية، مهمته الصعبة: وضع رؤية لتطوير وتقدم عمان المستقبلي، وزاوج، في سعيه لتحقيق أهدافه، بين الكاريزما والفطنة السياسية، موحدا الفصائل المختلفة في أنحاء البلاد في سبيل القضية المشتركة".

 

وتفيد فونتش بأنه "خلال حكمه الطويل الذي انتهى قبل أشهر قليلة مما كان سيكون يوبيلا ذهبيا يحتفى به على نطاق واسع، حول قابوس عمان إلى دولة حديثة مستقرة وشاملة تتعايش فيها ثلاثة مذاهب إسلامية -السنة والشيعة والإباضية- مع غيرها من الديانات بسلام، وفي الواقع فإن دستور البلاد يمنع التمييز بناء على الدين، وفي بلد عربي لم يعرف العنف الطائفي يتزاوج المسلمون بين طوائفهم المختلفة ويصلون معا، بالإضافة إلى أنه تم تصنيف عمان في تقرير التنافسية الدولية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2019 بأنها خالية من الإرهاب".

 

وتقول الكاتبة إنه "بالنسبة لبلد يعتمد في دخله على النفط، وإن كانت كمياته متواضعة مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي المحيطة بها، حيث يشكل الدخل منه ما بين 70% إلى 85% من دخل الحكومة، كانت خطة قابوس للتطوير الاقتصادي طموحة، فقد كانت عمان عام 1970 معزولة عن كثير من العالم وفقيرة جدا وشبه خالية من البنى التحتية والمرافق الحيوية الحديثة، وعندما وصل قابوس إلى الحكم كان معدل الحياة المتوقعة 50 عاما، ولم يكن هناك أكثر من ستة أميال من الشوارع المرصوفة، وثلاثة مدارس عامة (يدرس فيها أقل من ألف طالب)، وكانت الرعاية الصحية في أدنى مستوى، واليوم هناك جسور وشوارع وطرق سريعة وسدود ومحطات تحلية للمياه ومرافق عامة وإنترنت عالية السرعة ومراكز ثقافية ورياضية على مستوى عالمي، والكل يشهد بنجاح برنامجه التحديثي، فأصبح معدل الحياة المتوقعة أكثر من 77 عاما، ونسبة المتعلمين بين الكبار 96%".

 

وتلفت فونتش إلى أن "قابوس دفع أيضا باتجاه إنشاء هيكل مؤسساتي أفضل، بما في ذلك دستور للبلاد وبرلمان بمجلسين، مجلس أعيان يتم بالتعيين ومجلس استشاري يتم انتخابه، ومجموعة من الوزارات لإدارة دولة حديثة، وفي الوقت الذي كان فيه حاكما مطلقا واستأثر ببعض الحقائب (بما في ذلك القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع ووزير الخارجية ورئيس البنك المركزي)، إلا أنه أحاط نفسه بعدد من المستشارين الذين يثق فيهم، وسافر في أنحاء البلاد، والتقى بالعامة، وذلك ليستطيع تأطير الأولويات والاستجابة لمطالب الشعب".

 

وترى الكاتبة أن "مثل تلك الجهود ساعدت على جعل العمانيين بمختلف مشاربهم يحبون قابوس، فوحد بذلك خليطا إثنيا وقبليا مشكلا مواطنين مترابطين، ويحبه الشعب بصفته رائد النهضة العمانية، وجعل للسلطنة صوتا مسموعا في المسرح الدولي بصفتها عضوة في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الدولية، بالإضافة إلى أنه أدخل بلده إلى عصر الحداثة".

 

وتنوه فونتش إلى أنه "خلال الربيع العربي عام 2011، الذي أطاح بعدد من الأنظمة التي استمرت لفترة طويلة، نجت عمان من المعارضة على نطاق واسع، وانحصرت المظاهرات في السلطنة في منطقتين فقط، حيث ركز المحتجون على الفساد والرواتب والبطالة، وردا على ذلك قام قابوس بتعديلات في حكومته، وأقال وزراء، وزاد الرواتب، ووعد بإيجاد 50 ألف وظيفة في القطاع العام، وهو ما أسكت الاحتجاجات، في الوقت الراهن على الأقل".

 

وتذكر الكاتبة أنه "نادى خلال فترة حكمه للمساواة بين الرجل والمرأة، ومنح حق الانتخاب للجميع عام 2002، وعين النساء في مواقع سلطة، وأوجد فرص عمل للجميع، بما في ذلك (الأجور ذاتها للقيام بالعمل ذاته) في كل من القطاع الخاص والعام، وفي عام 2004 قام بتعيين أول امرأة عمانية في منصب وزيرة للتعليم العالي في الحكومة، وتبعت ذلك أخريات ليس فقط في الحكومة ولكن أيضا في مجلس الأعيان، الذي يعين أعضاؤه من السلطان، ولعدد من المناصب الدبلوماسية".

 

وتقول فونتش إنه "علاوة على هذا كله، فإن إرث قابوس الذي سيبقى في الواقع سياسته الخارجية، القائمة على كل من المبادئ والمنطق، فإن عمان التي كانت مستقلة منذ عام 1650 ومدركة لتاريخها وواقع السياسة في محيطها تبنت سياسة اعتدال وحوار في الشؤون الدولية، بالإضافة إلى أن السلطنة أصرت على اتباع سبيل مستقل وغير منحاز (صديقة للجميع، وليست عدوة لأحد)، حتى مع احتمال لوم إخوانها العرب".

 

وتبين الكاتبة أنه "حتى في الوقت الذي تشتعل فيه الحروب في المنطقة فإنه لا يوجد جندي عماني واحد على الأرض خارج حدود السلطنة، لا في اليمن ولا في سوريا أو ليبيا أو أي مكان آخر، وفي عام 1979 وبعد اتفاقية كامب ديفيد، كانت عمان من الدول القليلة في جامعة الدول العربية التي لم تقطع علاقاتها بمصر أنور السادات، وبعد اتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل قامت الحكومة العمانية وإسرائيل بفتح مكاتب تجارية في كل من مسقط وتل أبيب، واستضافت عمان رؤساء الوزراء الإسرائيليين شمعون بيريز وإسحاق رابين وبنيامين نتنياهو، وحافظت في الوقت ذاته على علاقات حميمية مع السلطة الفلسطينية، وخلال فترة الحرب في سوريا بقيت سفارة عمان في دمشق مفتوحة، على عكس معظم الدول العربية، ومنذ عام 2017 اتخذت عمان سبيلا محايدا في المقاطعة المفروضة ضد قطر، التي فرضتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر".

 

وتشير فونتش إلى أنه "كونها حليفة لأمريكا -مع وجود علاقات صداقة ابتداء من رئاسة جورج واشنطن عندما كانت عمان أول بلد عربي يرسل سفيرا لأمريكا عام 1840- سعت السلطنة تحت حكم قابوس للحفاظ على تلك العلاقة وتقويتها، وسافر قابوس إلى أمريكا في زيارتين رسميتين، في 1974 وفي 1983، وتشكل اتفاقية استخدام المرافق، التي تم توقيعها عام 1980 (ويتم تجديدها دوريا) الأرضية للتعاون العسكري القائم بين البلدين، وفي المجال الاقتصادي، ساعدت اتفاقية التجارة الحرة لعام 2009 مع أمريكا، التي تفاوضت عليها سفيرة عمان لواشنطن -وهي أول سفيرة عربية في أمريكا- على تحسين فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين".

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "عمان تحت حكم قابوس حافظت في الوقت ذاته على علاقات جيدة مع جارتها إيران، ولذلك استطاعت أن تكون وسيطا بين عدوين، فتوسطت في إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين من إيران، كما دعت لسياسة ضبط النفس خلال الأزمات، واستضافت حوارات سرية أدت إلى الاتفاقية النووية مع إيران عام 2015".

 

وتؤكد فونتش أن "الرحلة التي بدأها قابوس بن سعيد قبل 50 عاما تقريبا مستمرة، وإرثه سيستمر، لكن هناك تحديات، فالحكام في السلطنة وفي منطقة الخليج خارج حدودها يواجهون شعوبا يشكل فيها الشباب المتعلم الذي يستخدم التكنولوجيا نسبة كبيرة، وبدأ هناك تحد للعقد الاجتماعي التقليدي في الشرق الأوسط بين الدولة السخية والمواطنين الشاكرين، وطموحات الجيل الجديد واضحة: حرية تعبير أكبر، ورفع القيود عن الإعلام، وحوار سياسي حقيقي، ومشاركة حقيقية في العملية التشريعية، وفرص عمل أفضل، وإصلاحات اقتصادية حقيقية".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "بفضل قابوس فإن عمان على الأقل في وضع أفضل من غيرها من جاراتها للتعامل مع هذه التحديات، وكان الزعيم الوحيد الذي عرفه معظم العمانيين، وقد نقل بلدهم من الفقر المدقع والغياب النسبي إلى لاعب ناجح على المسرح الدولي، وأقام أركان الدولة الحديثة، وانتقال السلطة إلى هيثم بن طارق، ابن عم قابوس، واختياره الشخصي للخلافة، كان سريعا وسلسا، وتتوفر للسلطان الجديد بدعم من العمانيين فرصة فريدة للاستمرار في الطريق الذي أسسه سلفه نحو السلام والازدهار والحداثة".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)