صحافة دولية

الغارديان: هل اخترق ابن سلمان هاتف بيزوس بسبب خاشقجي؟

الغارديان: قرصنة ابن سلمان تتناسب مع الإطار العام للتصرفات السعودية- جيتي
الغارديان: قرصنة ابن سلمان تتناسب مع الإطار العام للتصرفات السعودية- جيتي

ترى صحيفة "الغارديان" أن قرصنة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أحد أكبر أثرياء العالم، صاحب شركة "أمازون" وصحيفة "واشنطن بوست" جيف بيزوس، تتناسب مع الإطار العام للتصرفات السعودية.

ويكشف تحقيق الصحيفة الحصري، الذي ترجمته "عربي21"، الذي أعدته مراسلتها في واشنطن، ستيفان كريشغاسنير، عن أنه في محاولة من ولي العهد لتقويض سمعة بيزوس، فإنه قام بالقرصنة على الهاتف الشخصي له من خلال رسالة "واتساب" تحتوي على فيروس، مشيرا إلى أن الرسالة جاءت في أثناء رحلة الأمير السعودي إلى أمريكا عام 2018.

 

وتقول كريشغاسنير إنه لم يكن هناك ما يدعو إلى شك بيزوس عندما تلقى في أيار/ مايو 2018، رسالة على هاتفه من حساب محمد بن سلمان الشخصي، فقد حضر ولي العهد مع صاحب شركة "أمازون" العملاقة حفلا في هوليوود قبل أسابيع من الرسالة، استضافه المنتج الحائز على جائزة أوسكار، بريان غريزر مع وكيل المواهب المؤثر أري إيمانويل، وذلك كجزء من جولة الأمير في أمريكا، وهي الرحلة التي تكهن المراقبون أنها جزء من إعادة تشكيل صورة المملكة ووضعها على مسار جديد. 

وتفيد الصحيفة بأن الأمير البالغ من العمر 32 عاما، والمعروف بـ "م بي أس"، استقبل في تلك الفترة بالأحضان في لوس أنجلوس ونيويورك، مع توقف في البيت الأبيض ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد. والتقى بنجوم التلفاز والسينما، مثل أوبرا وينفري ودوين (ذا روك) جونسون. وبدت الرحلة بما يشبه الانقلاب في العلاقات العامة للأمير الذي انتقد بانتهاك حقوق الإنسان في اليمن، واعتقال وتعذيب أثرياء السعودية في فندق ريتز كارلتون في الرياض عام 2017. 

 

ويشير التحقيق إلى أن شركة "أمازون" كانت تخوض مفاوضات مع الأمير حول إمكانية إنشاء مراكز معلومات/ بيانات في السعودية، وكانت حفلة العشاء تعد بعلاقة مثمرة بين الرجلين القويين، لكنها تدهورت وبطريقة مذهلة. 

 

وتلفت الكاتبة إلى أنه بحسب المصادر التي تحدثت معها "الغارديان"، فإن الرسالة التي أرسلت لهاتف بيزوس في يوم الثلاثاء، الأول من أيار/ مايو، جاءت من حساب الأمير الشخصي، واحتوت على فيديو، لا تعرف طبيعته. إلا أن التحليل الشرعي للملف كشف عن وجود "احتمال عال" على احتوائه على "برمجية خبيثة" أو فيروس اخترق حساب بيزوس، واستخرج معلومات كبيرة منه وفي غضون ساعات. وبهذا المعنى تعرض بيزوس للقرصنة.

وتقول "الغارديان" إنها لا تعرف طبيعة المواد التي سحبت أو ماذا حصل لها، مستدركة بأن استهداف هاتف بيزوس يتناسب مع التصرف السعودي العام، فقد اتهم ولي العهد ومن حوله بمحاولة إسكات النقاد الحقيقيين والمحتملين لهم في الداخل والخارج. و"السؤال هنا: هل كان الصحافي الذكي جمال خاشقجي الذي عينته (واشنطن بوست) واحدا منهم؟ بالتأكيد فمعرفته بالديوان الملكي الذي عمل من داخله والمنبر الذي منحته له صحيفة محترمة، ومنحت وزنا لمقالاته، تجعله من أخطر أعداء الأمير، فالمقالات التي كتبها أثارت الغضب داخل البلاط الملكي".

 

وينوه التحقيق إلى أنه بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" عام 2019 فقد شعر محمد بن سلمان ب"الغضب المتزايد" من انتقادات خاشقجي له في تلك الفترة، ففي أيلول/ سبتمبر 2017 عندما كتب خاشقجي مقالا، قال فيه إن السعودية أصبحت بلدا "لا يطاق"، قال محمد بن سلمان لواحد من مساعديه إنه سيطلق "رصاصة" على خاشقجي، وهو كلام نقلته الصحيفة عن مسؤولين حاليين وسابقين أمريكيين.

 

وتفيد كريشغاسنير بأنه في الوقت ذاته كان الأمير يطور علاقة مع ناشر أمريكي آخر سينشر عنه عددا خاصا، وبحسب "نيويورك تايمز" ففي أيلول/ سبتمبر 2017 التقى محمد بن سلمان في السعودية مع المدير التنفيذي لـ"أمريكا ميديا إنك/ إي أم أي" ديفيد بيكر، والناشرة للمجلة الشعبية التي تباع في المتاجر "ناشونال إنكويرر". 

 

وتذكر الصحيفة أن بيكر يعد لاعبا مؤثرا في واشنطن، حيث دعاه الرئيس دونالد ترامب قبل زيارة السعودية بشهرين إلى عشاء خاص في البيت الأبيض، وكان من بين الحاضرين الممول الذي قيل إنه عمل مستشارا للأمراء السعوديين كيسي غراين، مشيرة إلى أن علاقة ترامب وبيكر قديمة، حيث كشف تحقيق لوزارة العدل الأمريكية أن بيكر أدى دورا مهما في مساعدة حملة ترامب الرئاسية "لقتل" القصص السلبية والمتعلقة بعلاقات خارج الزواج للمرشح في حينه، وقام بدفع مبالغ مالية للنساء اللاتي أقام ترامب علاقات معهن وكن شاهدات.

 

ويشير التحقيق إلى أنه عندما سافر ابن سلمان إلى الولايات المتحدة في رحلته التي جال بها عددا من الولايات العام التالي، كانت شركة بيكر هي التي نشرت عددا خاصا بطباعة راقية، صور الأمير بالرجل الذي سيقوم بتغيير العالم، لافتا إلى أن بيكر وغراين التقيا مرة أخرى مع الأمير عندما أقام في نيويورك.

 

وتقول الكاتبة إنه بعد أسابيع من عملية القرصنة الناجحة ضد بيزوس، شنت حملة أخرى وإن كانت مختلفة، وهذه المرة ضد معارض سعودي يقيم في كندا وعلى علاقة مع خاشقجي، وبحسب التحليل المستقل الذي قام به "مخبر المواطن/ سيتزن لاب" فقد تلقى عمر عبد العزيز رسالة تحتوي على فيروس خبيث عن إرسالية متوقعة من شركة "دي أتش أل"، وذلك في نهاية حزيران/ يونيو 2018، وعندما نقر على الرابط الذي تحتويه الرسالة أصبح هاتفه مصابا بالفيروس، ما يعني اختراقه. 

 

وعلمت "الغارديان" أن خاشقجي وعبد العزيز تبادلا مئات الرسائل في الأشهر التالية، وزعم عبد العزيز في دعوى قضائية أن هاتفه تعرض لاختراق من السعودية، وهي تهمة تنفيها الحكومة هناك، إلا أن عبد العزيز يخشى أن رسائله المتبادلة مع الصحافي ربما أعطت لقتلته لاحقا رؤية عن نشاطاته، مشيرة إلى أنه لم يكن الوحيد الذي اخترق هاتفه من المعارضين للنظام، فقد كان هناك المعارض المقيم في لندن يحيى العسيري، الذي كان على اتصال دائم مع خاشقجي، وكذلك "اليوتيوبر" المعروف غانم الدوسري المعروف بأفلامه الساخرة من العائلة المالكة، خاصة محمد بن سلمان. 

 

وبحسب التحقيق، فإنه بعد شهرين من قتل خاشقجي في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2018 ظهرت قصة أخرى، مع أنها ليست مرتبطة بجريمة ذبح وتقطيع الصحافي، لكنها كانت أكثر خبثا، ففي 10 كانون الثاني/ يناير 2019 نشرت "ناشونال إنكويرر" عددا خاصا، كشف فيه عن علاقة عاطفية لبيزوس، وظهر عدد من المقالات في "إي أم أي" فيما يعتقد أنها حملة تشويه ضد بيزوس، واحتوت المقالات، التي تحدثت عن علاقات جنسية لبيزوس، على تفاصيل خاصة، بما فيها رسائل نصية أرسلها لصديقته قبل عدة أشهر، ورسائل أخرى أرسلت بعد اختراق هاتفه بأيام. 

 

وتلفت كريشغاسنير إلى أن الرئيس ترامب الناقد لبيزوس و"واشنطن بوست" و"أمازون"، الذي كشف تقرير أنه "مهووس" بـ"أمازون"، بدا فرحا بهذه الأخبار، وكتب تغريدة قال فيها: "أنا آسف جدا لسماع الأخبار عن جيف بيزوس الذي أسقطته صحيفة منافسة، أعتقد أنها أكثر دقة في تقاريرها من تقارير صحيفته التي يستخدمها للضغط، واشنطن بوست وأمازون"، وعبر عن أمله "في أن تصبح الصحيفة في أيد أفضل وأكثر مسؤولية".

وتستدرك الصحيفة بأن القصة لم تتوقف عند هذا الحد، ففي 7 شباط/ فبراير 2019 نشر بيزوس مدونة مثيرة، رد فيها على مالك "إي أم أي"، تحت عنوان "لا، شكر، سيد بيكر"، ووصف فيها حملة "ابتزاز" من "ناشونال إنكويرر"، الذي هدد في رسائل إلكترونية بنشر صور فاضحة له ولصديقته إن لم يتوقف بيزوس في التحقيق حول الطريقة التي حصلت فيها المجلة على المعلومات، وأكدت شركة "إي أم أي" أنها لم "تدفع ولم تتأثر بأي شكل من الأشكال بقوى خارجية، سياسية أو غير ذلك". 

 

وينوه التحقيق إلى أن بيزوس رفض هذا العرض، ونشر المراسلات مع الشركة بما فيها وصف للصور المحرجة التي تقول "إي أم أي" انها بحوزتها، وكتب بيزوس: "لا يمكن تجنب اعتبار الناس الأقوياء الذين يعانون من الأخبار التي تغطيها (واشنطن بوست) أنني عدو"، وأضاف " أن "الرئيس ترامب واحد من هؤلاء، وهذا واضح من تغريداته الكثيرة، وكذلك التغطية المستمرة لـ(واشنطن بوست) لجريمة قتل كاتب العمود فيها جمال خاشقجي، وهي تغطية لا تحظى بقبول داخل دوائر بعينها". 

 

وتورد الكاتبة نقلا عن خبراء مثل مدير المخابرات الأمريكية السابق ومديرها مكتبها في الرياض جون بيرنان، قوله معلقا لشبكة "أم أس أن بي سي": "لا شك لدي وفي ضوء تغطية (واشنطن بوست) المستمرة والشجب الواضح لمحمد بن سلمان على مقتل خاشقجي، أنه سيحاول تشويه وإحراج بيزوس والتسبب بالأذى له لو كان يستطيع". 

 

وتفيد الصحيفة بأنه بعد أسابيع من مدونة بيزوس، نشر مسؤول الأمن لمالك "أمازون"، غافين دي بيكر، مقالا افتتاحيا في موقع "ديلي بيست"، زعم فيه أن تحقيقه في "ناشونال إنكويرر" أظهر أن السعودية هي التي اخترقت هاتف بيزوس، ورفض الكشف عن معلومات حول التحقيق، إلا أنه أشار إلى إرسال نتائج تحقيقه في "ناشونال إنكويرر" إلى السلطات الأمنية المعنية، ورفضت المجلة والسعودية أي إشارة إلى تورطهما في اختراق هاتف بيزوس.

 

وينقل التحقيق عن المحلل السابق في "سي آي إيه" والخبير في الشؤون السعودية بروس ريدل، قوله إن "الاختراق" الممكن لهاتف بيزوس يعكس إمكانية وجود عملية سعودية مع سبق الإصرار، وأضاف: "نربط النقاط الآن وقد استخدموا هذا الاختراق لهاتف بيزوس سلاحا لنشر معلومات عن حياته الخاصة، وأعتقد أنها محاولة لتشويه والتشهير به؛ أملا في استخدام ما لديهم لاحقا". 

 

ويعلق ريدل قائلا إن هذا الأمر يعكس جهلا بالطريقة التي تعمل فيها أمريكا أو الطريقة التي سيرد فيها مالك "واشنطن بوست"، وأثار ريدل أسئلة عن معرفة الوكالات الاستخباراتية الأمريكية بهذه الحادثة، مشيرا إلى أن هذا مثال آخر على فشل إدارة ترامب في تحميل محمد بن سلمان مسؤولية أفعاله. 

 

وتشير كريشغاسنير إلى أن بيزوس وقف في تشرين الأول/ أكتوبر أمام القنصلية السعودية في إسطنبول، وألقى كلمة تأبين للصحافي جمال خاشقجي، وقال مخاطبا خطيبة جمال، خديجة جنكيز: "لم يكن على أحد معاناة ما عانيت.. وخضت الطريق طولا وعرضا ومشيت لساعات، لكنه لم يخرج، وهذا أمر لا يمكن تخيله، ويجب أن تعلمي أنك في قلوبنا، فنحن هنا وأنت لست وحيدة".

 

وتختم "الغارديان" تحقيقها بالإشارة إلى أن محامي بيزوس قال في تعليق له: "ليس لدي ما أقوله سوى أن بيزوس يتعاون في التحقيق"، وطلبت الصحيفة من السفارة السعودية في واشنطن التعليق لكنها لم ترد حالا.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)