كتاب عربي 21

ثورة وجنس وأكاذيب (إلى الرئيس9)

جمال الجمل
1300x600
1300x600

(1)

السيد الرئيس:

رسالتي هذه المرة عن الثورة، "كل سنة وأنت صادق أوي وأمين أوي وشريف أوي" أيها المستفيد الأكبر من ثورة تكرهها برغم فضلها المباشر عليك.. 

لا أحب أن أكرر الكلام الدائر بين الناس، ولا أحب أن أكون تقليديا في الحديث عن الثورات، لذلك سأحاول جاهدا أن أتفهم وجهة نظرك، وأن أبدأ بالاتفاق معك في أن مصر  في ثورة يناير "عرّت كتفها وكشفت ظهرها"، بل ورقصت كيكي وميكي ولعت سيكي بيكي، وهي الرؤية التي تلتقي فيها وجهة نظرك الجنسية للثورات يا سيادة الرئيس مع وجهة نظر المرحوم طلعت زكريا والمستورد الموسيقي عمرو مصطفى وأعداد كبيرة من المحافظين ومماليك الدولة في مصر، لكن كشف الظهر وتعرية الكتف والرقص والتمرد الأخلاقي وكسر القواعد أيضا، أفعال طبيعية جدا ومظاهر مقبولة مصاحبة للثورات وهبات التحرر، ولعلك تعرف (هذه مجاملة طبعا) أن الفنان ديلاكروا رسم لوحة عن الثورة بعنوان "الحرية تقود الشعب" ظهرت فيها فرنسا أثناء الثورة الفرنسية وهي تعري كتفها وصدرها وليس ظهرها فقط، بل أن نظهر التحرر الجنسي وانتهاك الأخلاق المحنطة للجامدين والقامعين توسع أكثر في ثورة 1968 وظهرت فرنسا كلها وهي تتعرى لتفضح القمع وتفضح الحرب وتفضح محاولات تكميم الحرية بأي أسماء مستعارة يستخدمها الجنرال العظيم 

(2)

أيها الرئيس المحافظ، يا صاحب اختراع كشوف العذرية وراعي حملة "أخلاقنا"، يا أمين أوي، يا شريف أوي، لم يكن يليق بك أن تتربح من ثورة يلتقي فيها الشباب مع الفتيات في الميدان لينادوا جنبا إلى جنب بالعيش والحرية والعدالة والكرامة، ولم يكن جدير بشرفك الأوي أوي أن تفتح بابك للثارات السافرات والسيدات اللواتي يرتدين عباءات "بكباسين"، ولم يكن يليق بوقارك العسكري أن تتعاون مع فنان خارج الخطوط الحمراء مثل خالد يوسف، فكما تعرف (وهذه مجاملة ثانية) فإن أمثال خالد يوسف وخالد أبو النجا وعمرو واكد وياسر المناوهلي وغيرهم من الثوار، يختلفون في تفكيرهم ومواقفهم وحرياتهم وفنهم عن نموذج الفن والفنانين الذين تفضلهم من أمثال المدرعة إلهام شاهين والحارقة الساحقة سماح انور والنقباء اللطفاء الناعمين أشرف زكي وهاني شاكر والست الشيك أوي رجاء الجداوي وبقية عبيد وجواري السلطان العميق، الذين يمارسون كل شيء بحرية تامة (تناطح الإباحية) طالما لا يضايق السلطان، بينما يعارضون ويحاربون الحرية إذا اقترنت بالمعارضة والثورة، فالجنس السلطوي والاستخباراتي نضال حلال، بينما الجنس الثوري عمالة وخيانة وانحلال

(3)

في ثورة مايو 68 يا جلالة الرئيس انتزع الفرنسيون حرياتهم السياسية بالتحرر الجسدي والفكري، وأكدوا أن حرياتهم الشخصية مقدمة لكسب معركة الإطاحة بالجنرال وإدانة السلوك الاستعماري البغيض في الجزائر، فالحرية يا سيادة الرئيس تبدأ بتكسير الأصنام وتحطيم جدران كل "باستيل"، ولا مانع من بعض الفوضى والصخب والخروج عن القواعد المغشوشة والأخلاق الزائفة، ثم تأتي القوة العاقلة في الثورات لتعيد تنظيم المجتمع على أساس المكتسبات الجديدة والاقتراب من تحقيق الشعارات المستحقة، وليس بالخيانة والعودة إلى القديم عبر مناورات الخداع الخسيس، لذلك لا نخشى استخدام السلطة للفضائح الشخصية كسلاح ضد المعارضين، وهذا مكتسب ثوري ينقلنا من خانة "الوصم" كتقليد موروث لحرق المعارضين، ويدعونا للتركيز على الموضوع الأساسي موضوع الثورة والحريات وسؤال الفساد العام، وكذلك محاسبة الأفراد على مسؤولياتهم السياسية وصلاحيات وظائفهم العامة قبل النبش في أسرار حياتهم الشخصية، ولهذا كتب الاسكتلندي جيلبرت أدير رواية "أبرياء القداسة" عن جيل ثورة 68 الذي عبر الخطوط الحمراء للحريات الشخصية كمدخل للحصول على حرية انتخاب المرأة وحرية تشكيل المجتمع والنظام السياسي على مزاج الناس وليس على مزاج السلطات الاستعمارية المتهالكة، وهي الرواية التي قدمها الإيطالي "برتولوتشي" في فيلم جريء يكشف جسارة مظهر التمرد الاحتجاجي على القيم الاجتماعية المتكلسة التي تجعل من الإنسان عبدا لسلطات انتهت صلاحياتها التاريخية والتشريعية، كان جودار وتريفو وفنانو الموجة الجديدة في فرنسا يخلعون ملابس الجنرال ويعرون الفضيحة الرسمية، حتى لا تكتفي السلطة بتعرية بريجيت باردو وحصار جسدها في سلعة بلا معنى، كما حدث في أمريكا مع نموذج مارلين مونرو التعيس.

(4)

أطمئنك يا سيادة الرئيس أن رسالتي إليك لا تهدف إلى إطلاق حملة تمرد جسدي تمهد لك الطريق لقيادة "ثورة جنسية"، ولا تهدف إلى تبرير سلوكيات الشباب في خيام ثورة يناير، لكنها تهدف إلى إسقاط مثل هذه الأحاديث "الخايبة" من الخطاب السياسي والقانوني، لأن الحكم الإخلاقي في مثل هذه الأمور سيرتد حتما على العناتيل والمكبوتين الرسميين رعاة دولة صافيناز، وأولاد الرائد موافي المسؤولين عن نشاط أفرع الدعارة في أجهزة الأمن بأنواعها، لذلك فإن مثل هذه الأساليب لا يجب استخدامها كعقاب من جانب واحد، أي من جانب السلطة ضد خصومها أو ضد الثورات والاحتجاجات بأنواعها، ولا يجب أيضا أن يعتمدها الطرفان كسلاح للتراشق القذر، بل يجب وضعه في صمت ضمن قائمة الحريات الشخصية التي يجب احترامها وتجنب الخوض فيها طالما لا تتضمن جريمة عامة تضر بمصالح الناس والمجتمع

(5)

إذا كان من حق مصر أن تكشف ظهرها وتعري كتفها وهي تنتفض من أجل حقوقها، وإذا كان ذلك (في رأيي) ليس عيبا يستحق اللوم والمؤاخذة، فكيف أتسامح مع تداول فيديوهات وتصريحات عن فضائح السلطة وحاشيتها، مثل محافظ الإسماعيلية ومرتضى منصور، أو ما ذهب إليه البعض من فيديوهات فضائحية تخص اللواء عباس كامل بل وتخص فخامتك مع عدد من الفنانين؟

 

أطمئنك يا سيادة الرئيس أن رسالتي إليك لا تهدف إلى إطلاق حملة تمرد جسدي تمهد لك الطريق لقيادة "ثورة جنسية"، ولا تهدف إلى تبرير سلوكيات الشباب في خيام ثورة يناير، لكنها تهدف إلى إسقاط مثل هذه الأحاديث "الخايبة" من الخطاب السياسي والقانوني


قد تخجل ياسيادة الرئيس من توجيه سؤال مثل هذا، لكن كما تعرف (وأشك طبعا أنك تعرف) أنني أريد أن أقنعك وأقنع غيرك من أعداء الثورات أن "لا حياء في الثورة" حتى لو أخطأت في الأساليب، فالناس تطال بحقوق مستحقة مسلوبة منها بقوة السلاح وخسة الخداع وقلة الحيلة معاً، لذلك فإن المطالبة بالحق تقتضي أحيانا قدرا من الخشونة والغضب وتبادل الشتائم، لكن هذا كله من مشاكل اللحظة، وهي المشاكل التي تحتاج على اتفاق للعبور منها إلى المستهدف، وهو في رأيي تنظيم العلاقة بين حقوق الأفراد الشخصية وبين حقوق المجتمع، وأعتقد أن هذه النقطة العمومية التي نسمعها كثيرا تحتاج على توضيح تطبيقي يخص الدعوة التي أطلقها البعض للثورة بعد أيام في ذكرى 25 يناير.

(6)

بالنسبة لي يا سيادة الرئيس فإن 25 يناير ليست ذكرى، وليست ثورة فاشلة، وليست خطيئة تعرت فيها مصر، إنها مثل امرأة كشفت صدرها لترضع طفلها في مكان عام، وهو مشهد غير إثاري يتقبله المصريون البسطاء بلا خبث ولا توصيف جنسي، هذا من فعل الثورات، الفوضى من فعل الثورات، انتهاك القديم لإفساح المجال للجيد من فعل الثورات، الخروج عن القواعد التي لم تضمن العدل من فعل الثورات، الغضب التدميري من فعل الثورات، لكن المرادف لهذا كله هو:

ـ استحضار نظام جديد فعال ليحل محل الفوضى، وليس إعادة تشغيل النظام الفساد الذي جلب المشاكل التي دعت الناس إلى الثورة.

ـ تطهير القديم وتأسيس الجديد الذي يلبي مطالب الناس المشهرة.

ـ إعادة صياغة الدستور والقواعد بما يحقق العدل وشعارات الثورة، وليس الالتفاف عليها والتصرف بدافع من الانتقام أو الذرائع المضادة لاستحقاقات الثورة.

 

الثورة ليست عورة، ويناير ليست ملكا لفئة أو جماعة، وليست حكرا على تاريخ أو ذكرى أو ميدان، يناير كانت ولا تزال علامة على طريق،


ومن هذه البديهيات أوضح أن الثورة بهذا المفهوم هي حق للجميع، لأنها مطالب شعبية، وليس لأحد أن يحتكر الحديث باسم الثورة واستخدامها والحلم بها والعمل من أجلها، لكن لكل مستوى من هذا "العمل الثوري" متطلباته وشروطه، إذ لابد أن ندرك الفرق بين المستخدم والصانع، بين المستفيد والمخترع، فلا ضير في أن يستخدم الناس الموبايل، لكن المستخدم لا يجب أن يقدم نفسه كصانع، فالصناعة تقتضي توفر شروط وضوابط حتى لا نشجع على العشوائية وصناعات بير السلم، وهذه النقطة من الأعراض الخطيرة التي صاحبت عصر الجماهير الغفيرة، ومظاهر الانفجار المعلوماتي وثورة الاتصال وسيولة القيم التي حطمت الحواجز بين الأنواع القديمة حتى وصلت إلى كسر الحواجز بين العلم وإدعاء العلم، بين التصنيع والاصطناع، بين الفكر والثقافة والتخطيط والجرأة من جهة وبين الإعلان والتسويق والاجتراء من جهة مقابلة، وهو المظهر الاستسهالي الذي يؤدي إلى نوع من "ثورات السوق" على غرار ما أسماه الباحث السويسري باتريك هايني "إسلام السوق"، حيث يتحول كل شيء إلى سلعة ويتحول الإنسان إلى زبون مستهدف وتتحول الثورات إلى صفقات او عمليات تجارية، وهي اللعبة التي نجحت الرأسمالية في تعميمها بحيث تتحول المكاسب الفئوية او الإقليمية إلى مكاسب محسومة لصالح أباطرة اللعبة والإدارات العالمية نتعدية الجنسيات.
 
(7)

في ختام هذه الرسالة أختصر ما أريد أن أقوله لك ولغيرك يا فخامة الرئيس:

الثورة ليست عورة، ويناير ليست ملكا لفئة أو جماعة، وليست حكرا على تاريخ أو ذكرى أو ميدان، يناير كانت ولا تزال علامة على طريق، والطريق في نظري هو صياغة مفهوم الشعب بالمعنى السياسي في مقابل ميراث السلطة القديم الذي يعتمد على السيف والحاشية، وهو ما سوف يحدث مهما تاخرنا ومهما ضللنا الطريق ومهما كانت العقبات والوصمات التي يضعها أمثالك من أصحاب المصلحة في استمرار نظام الحاكم القادم من المجهول على ظهر الخيل، حتما سيأتي اليوم الذي يخرج الحاكم من الشارع ويعمل كموظف عمومي غير مقدس وغير مؤبد في كرسي الحكم.

الثورة في الشارع، وهذا ما يخيفك ويخيف حاشيتك أيها الرئيس، قد ينقصها وعي، وقد ينقصها تنظيم، وقد ينقصها وسيلة، لكن همهات الناس وارتجالاتهم تؤكد أنها لم تمت، وسوف تتجلى عندما تستحضر شروط وقدرات الصانعين وليس رغبات وتطلعات المستخدمين والمسوقين.

والرسائل مستمرة

[email protected]

التعليقات (2)
الصعيدي المصري
الأربعاء، 22-01-2020 06:42 م
مصيبتنا فيمن يرتدون لباس ( النخبة) والذين يجيدون الانتقال والقفز .. بعض هؤلاء .. كان مع الديكتاتور المنقلب قلبا وقالبا .. ووصفه بأرق واعظم واجمل العبارات والمعاني .. والشكر موصول لمخزون الانترنت الذي يجعلنا نعرف كيف كانت مواقفهم وكيف اصبحت .. فلم يعد الباحث عن حقيقة هؤلاء يعاني من ضعف الذاكرة التي يراهن المتنوخبون ان القراء يتمتعون بذاكرة السمك فيجيدون التلون والقفز .. المدهش .. هو كيف من يدعي الحكمة .. ان يدعيها .. بينما هو ذاته ساهم في في دعم الخراب والظلم والديكتاتورية .. كيدا في فصيل او فئة .. اختلف معها فكريا .. والان يجيء هؤلاء ليتحفونا بمقالات واطروحات فلسفية ترتدي ثوب الوعظ .. والارشاد
جمال الجمل
الأربعاء، 22-01-2020 06:41 م
مقال بصحيفة المصري اليوم 10 مارس 2014 - يعنوان - السيسي والضمراني وبيه الرحال -- ألمحت في المقال السابق أنني سأكتب عن مهزلة التفكير التاريخي لقطر، ووصلتني إيميلات كثيرة حول هذا الموضوع بعضها يتضمن معلومات، وبعضها عبارة عن تعليقات ساخرة، واتصل بي كثيرون يحرضونني بطريقة «وريهم ولا الـ..»، وأمس قلت لصديق إنني سأؤجل الكتابة عن موضوع قطر، فهب في وجهي غاضبًا من دون أن يسألني عن سبب التأجيل، وبعد أن هدأ قليلا قال: «عيب إنت وعدت القراء في نهاية مقالك السابق بأنك ستكتب عن هذا الموضوع». طريقته الجادة الغاضبة «جت معايا بالعكس»، حيث بدت تشنجاته مضحكة، فقلت له: «يا أخي عادي». أهم مسؤول في البلد دي وعد وتعهد، ورجع في كلامه عشان «الضرورة».. مفيهاش حاجة يعني لما استغل الضرورة مرة، وبعدين يا أخي أنا ألمحت ولم أصرح وأؤكد. قال الصديق بانفعال أقل: «وإيه هي الضرورة اللي غيرت رأيك؟». قلت: «أريد أن أحيي السيسي وأدافع عنه». تحول وجهه إلى علامة تعجب كبيرة، وهو يقول: «غريبة.. إزاي يعني؟». إلى هنا لا داعي لاستكمال الكلام الطويل مع الصديق، لأن الكلام معكم أهم، فأنتم الشعب وأصحاب القضية. أنتم طبعًا تعرفون أن الأسبوع الماضي شهد حالة من النقاش والتحليل والتحريض والتندر والسخرية من دعوى التقشف التي وردت في خطاب السيسي الأخير، وتصاعدت الحالة إلى ما يشبه «الحملة المخططة»، حتى إن قناة الجزيرة أعدت تقريرًا مصورًا وفتحت على كرة اللهب أنبوبًا ضخمًا من الغاز القطري المسال، كل هذا، لأن الرجل تحدث بصراحة عن حقيقة الأزمة المالية التي تهدد مصر، وضرب أمثلة رمزية لسياسة الترشيد والتقشف، وهي بالمناسبة سياسية عالمية تطبقها أكبر وأغنى الدول في العالم، حتى إن أمريكا عطلت ميزانيتها أسابيعًا ودخلت في أزمة أدت إلى شلل الحكومة نفسها لحين تضييق فارق العجز في الميزانية الجديدة وفرض سياسة تقشف بالمليارات، وهو أمر لا يختلف كثيرًا عما تنفذ الحكومة الائتلافية في بريطانيا منذ سنوات. واحد عاقل منكم سيفحمني بقوله إن التقشف في هذه الدول يتم على الجميع، وليس على الشعب فقط. وهذا كلام صحيح ومطلوب، لكن لدي عدد من الأسئلة لهذا العاقل، ولبقية العاقلين والساخرين، للمخلصين المدافعين عن قوتهم وقوت أولادهم وللمتربصين الذين يستغلون الفرصة لصناعة الفتن وإشعال الحرائق: 1- هل كان حديث السيسي قرارًا أو إعلانًا لخطة تقشف، وبالتالي يمكننا الحديث بجدية عن تفاصيل من نوع سيطبق على من، وفي أي بنود، وعلاقة ذلك ببنود الموازنة والرواتب، وما إلى ذلك؟ 2- هل نظر أحد إلى الموضوع باعتباره مؤشر قياس لرد الفعل الجماهيري في حال تعرض الشعب مثلا لضغوط من أي نوع (وليست معيشية فقط).. يعني ظروف حرب، حصار اقتصادي، مقدار طاقة العمل التي تتطلبها مشروعات قومية طويلة الأجل متأخرة العائد مثل السد العالي سابقا، واستصلاح الصحراء وإعادة توزيع الخريطة السكانية حاليا؟ 3-ما الذي يضطر رجلا يفكر في خوض انتخابات أن يبادر بمثل هذا الحديث، فالمعروف عندنا أن العكس هو الذي يحدث.. الإسراف في الوعود الانتخابية (والمرشح يعمل البحر طحينة وبعد كده ابقوا قابلوني)، لكن في هذه الحالة ألا تجدون نوعًا من الشفافية والنبل، فالرجل أعلن بنفسه في مارس ما تم تسريبه في يناير، ويقول لكم: «المشروع عندكم أنتم، أنتم عايزين أمة تبقي ليكوا شأن.. أنا عارف سكتي.. بس هتمشوا معايا تستحملوا.. هل هتستحملوا أمشيكوا على رجليكم.. تستحملوا أصحيكوا الساعة 5 الصبح كل يوم، تستحملوا إن الأكل ننكمش فيه، تستحملوا التكييف ننكمش فيه.. تستحملوا إن أشيل الدعم مرة واحدة.. تستحملوا ده مني». وقال إن الرئاسة لغيره قد تكون ترفًا، لكن مع السيسي لأ.. «السيسي ده عذاب.. ومعاناة» الكلام صريح واستباقي، وليس بعد أن جاء بأصواتكم، وهذا كلام محترم ونزيه من رجل محترم ونزيه، فهو لم يطلب من الشعب ربط الحزام وهو في السلطة كما فعل مبارك، فما الذي يدعو للسخرية في كلام صريح عن المستقبل (إذا أردتم) أم أنكم تتصورون أن السيسي «حاوي هيضرب بالعصاية ع البرنيطة ويطلع مصر أد الدنيا ويغرف رواتب بالعبيط في دولة مأزومة تتسول رغيفها؟ 4- هل تحولنا إلى شعب من التنابلة يخاف من العمل وسيرته، ويتفنن في التهرب من التزاماته، ويكرس مجهوده لمطالبة الحكومات بـ«هات حسنة وأنا سيدك». 5- ولماذا قبل هذا الشعب العظيم من عبدالناصر خطابًا من هذا النوع طالب فيه بنفس التقشف وأكثر، قبل أن يقول لأمريكا إن معونتها «ع الجزمة»؟ وهل يستطيع أي حاكم مصري أن يصنع قدرًا لبلده، وأن يقول لأكبر دولة على الأرض مثل هذه الكلمة إلا إذا كان لديه شعب عظيم يسنده؟، وهل يعني ذلك أن شعبنا العظيم تحول إلى مجرد أسد جائع قد يلتهم مدربه متعللا بآلام الجوع؟ لن أزيد في مثل الأسئلة، سأتوقف عند مفارقة الزمن، وأطرح عليكم أسئلة أخرى أكثر وجعًا. هل نحن نفس الشعب الذي غنى مع عبدالوهاب «جئت لا أعلم من أين» ثم مر الزمن ليعتبر أن الأغنية نفسها كفرًا، وغنى مع حليم «لسه شفايفي شايلة سلامك» قبل أن يعتبر المعنى إباحيًا، فتضطر الإذاعة لحذف الكوبليه الأخير كله من أعنية «أول مرة»؟ هل نحن نفس الشعب الذي تعلق برومانسيات نزار قباني، وردد مع أمل دنقل «المجد للشيطان معبود الرياح» ثم تبرأ من كل هذا واستغفر الله من هذا الرجس؟ هل نحن نفس الشعب الذي الذي استقبل فتاة تونسية اسمها «بيه الرحال» وصنع مجدها باسم عليا التونسي، عندما غنت من كلمات مصطفى الضمراني «مانقولش إيه ادتنا مصر ونقول ح ندِي إيه لمصر»؟ لقد صارت عليا مصرية أكثر من مصريين كثيرين في هذه الأيام، وظلت أغنيتها ملمحًا وطنيًا ننشده في طابور المدرسة والمناسبات القومية، لكن الأغنية للأسف أصبحت مثارًا للتهكم والسخرية والابتذال! وأنا اليوم أوضح للمشير السيسي، أنني كنت وما زلت ضد ترشحه لمثل هذه الأسباب.. علينا يا سيادة المشير أن ننأى بك وبالجيش بعيدًا عن هذا الهبوط السياسي والمعيشي.. على السياسيون أن يخوضوا معترك السياسة بكل ما وصلت إليه الأرض من تجريف.. وعلى الاقتصاديون أن يتحملوا عبء الحسابات والموازنات.. وعلى التعليم والإعلام والثقافة أن ينتبهوا لتأسيس وعي البناء بدلا من وعي الهدم.. علينا أن نتذكر شوقي وأم كلثوم ونغني معهما «ومانيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا»، وإلا سنفضح أنفسنا ونقول للعالم إننا أصبحنا شعبا من الجياع، مش طايق نفسه، وممكن يقتل أخوه عشان اللقمة! وسامحوني على الصراحة الجارحة، فلا وقت للمسايرة في المسخرة.

خبر عاجل