مقالات مختارة

جولة أولى ناجحة

عريب الرنتاوي
1300x600
1300x600

لم نكن نضرب بـ«المندل» حين تحدينا أي مسؤول عربي «متعاطف» مع صفقة القرن، أن يقف أمام عدسات الكاميرات للبوح عمّا يجول في خاطره. رهاننا ظل قائما على «المكانة الأخلاقية والمعنوية» التي ما زالت تتمتع بهذه القضية، أقله لدى الرأي العام والشعوب في مختلف بلداننا العربية. أمس، تأكدت هذه الحقيقة بخروج الرئيس الفلسطيني بكل ما طلبه من اجتماع وزراء الخارجية العرب، لفظيا على الأقل.
لقد جرت محاولة لتحويل الاجتماع الوزاري إلى «لقاء تشاوري مغلق» بعيدا عن عدسات الإعلام؛ محاولة رفضها الجانب الفلسطيني، مدعوما بمواقف وفود عربية، أبرزها الوفد الأردني. سبب ذلك إدراك الفلسطينيين أن ما سيقال خلف الغرف المغلقة من قبل بعض العرب، سيكون مختلفا عمّا سيقال أمام عدسات المصورين وميكرفوناتهم. وهذا ما حصل، على أية حال، وكانت النتيجة في ختام الاجتماع، لصالح وجهة النظر الفلسطينية.
صحيح أن بعض الوفود العربية، بدت في خطابها المعلن، أقل ميلا للاستجابة للمطالب الفلسطينية، لكن الصحيح كذلك «صفاقة» صفقة القرن، وما انطوت عليه من مواقف، يصعب الدفاع عنها، حتى من الأكثر تساوقا وتخاذلا، لاسيما حين يكون الحديث «للملأ»، وليس غمزا وهمسا خلف الأبواب. فمن يجرؤ على تحمل مسؤولية الموافقة على إخضاع القدس للسيادة الإسرائيلية؟ من يجرؤ على قبول التقسيم الزماني والمكاني للحرم الشريف؟ من يجرؤ على الموافقة على إلغاء حقوق أكثر من ستة ملايين لاجئ وضم أكثر من ثلاثين من مساحة الضفة الغربية؟ لا أحد يجرؤ على فعل ذلك حين يكون الأمر على الهواء مباشرة.
نجح الوفد الفلسطيني، مدعوما بمواقف حفنة من الدول العربية، أكثرها حماسة الوفد الأردني، في انتزاع ما أراده من هذا اللقاء. ومن المتوقع أن يتكرر المشهد في الاجتماع الطارئ لوزراء خارجية دول مجلس التعاون في جدة، وربما في شروط مواتية أكثر للفلسطينيين، بحكم تركيبة المنظمة الإسلامية، وقد يفتح ذلك الباب لجولات إضافية في محافل أممية أخرى.
صحيح أننا لا ننتظر الكثير من الجامعة العربية أو التعاون الإسلامي أو حتى الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكنها مع ذلك ساحات للمواجهة مع «صفقة القرن» يتعين عدم تركها للفراغ، أقله لمنع إدراجها في قائمة «مرجعيات عملية السلام» وتسميتها باسمها الصحيح والصريح: صفقة تصفية القضية الفلسطينية ومصادرة حقوق شعب فلسطين واستلاب أرضه وسيادته وكرامته ومقدساته.
المهم، ألا تعتبر القيادة الفلسطينية أنها بنجاحها في أول اختبار لها في القاهرة، تكون قد عملت ما عليها، فتنام قريرة العين. المواجهة الأهم، والرافعة الأكبر لمواجهة صفقة القرن، إنما تقع في مكان آخر، وساحات أخرى، ساحات المواجهة مع الاحتلال والاستيطان. حتى الآن، لم يتحرك الموقف الشعبي الفلسطيني على النحو المطلوب، وكما ينبغي. وهذا ليس غريبا أو مفاجئا بعد كل الخيبات والصدمات التي تعرض لها أهل الأرض المحتلة وأصحابها الأصليون. ولا يجوز انتظار «الهبّة العفوية» للشعب الفلسطيني، يجب إطلاق ورشة عمل وطنية كبرى، لتخليق الإرادة الشعبية وتطويرها وتنظيمها. من هنا تبدأ المواجهة الحقيقية مع «صفعة القرن»، وعلى هذه الصخرة يمكن أن تتحطم، وبخلاف ذلك، تفاصيل متممة وتنويعات على اللحن الأساسي.
ونأمل أن يكون ما كشف عنه الرئيس عباس حازما، من أنه أبلغ واشنطن وتل أبيب وقف العمل بالاتفاقيات السابقة، بما فيها التنسيق الأمني، فبعض المصادر الإسرائيلية ما زالت تستبعد ذلك وتنفيه.

 

(الدستور الأردنية)

0
التعليقات (0)