كتاب عربي 21

سوريا إلى أين؟

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

تعب محللو النظام المجرم في دمشق في اختراع الأسباب التي أدت إلى التدهور الرهيب في سعر الليرة السورية أمام الدولار خلال الأسابيع الأخيرة، حتى وصل 1200 ليرة.


قبل 3 شهور؛ كان بشار يتحدث عن معجزة الليرة، وكانت يومها في حدود الـ600 مقابل الدولار. ومنذ ذلك الحين تسارع التدهور، لكأن لعنته قد أصابتها!!


حين بدأت الثورة؛ كان الدولار يساوي 50 ليرة، وبعد تسع سنوات، اعتبر الطاغية أن وصوله إلى 600، يمثل معجزة، فماذا سيقول الآن؟!


للأمر صلة بوضع إيران دون شك، وما يجري في العراق ولبنان، لكن الاقتصاد يعكس أوضاع السياسة، ولو كان الناس مقتنعين بحكاية الانتصار التي يتبجح به الدمية في دمشق، لانعكس ذلك على وضع الليرة، ولم يصل التدهور إلى هذا المستوى.


اللافت أن التدهور الرهيب قد حدث بعد تطورات العامين الماضيين، حين شرع بوتين يحرق المدن واحدة تلو الأخرى (شارك الأمريكان بحرق أخرى تحت يافطة الحرب على "داعش")، ومن ثم تسليمها للنظام تباعاً، فيما كانت مليشيات إيران قد عجزت عن مواجهة الثورة، فاستدعت روسيا.

 

موضوع الليرة ليس هو جوهر هذه السطور، لكنه شاهد مهم للحديث عن انتصار وهمي، أو انتصار بطعم الهزيمة النكراء


ذلك أن ثمنه هو تدمير البلد، وقتل أكثر من نصف مليون من أبنائه، ومن ثم تهجير الملايين إلى الخارج، بجانب النازحين في الداخل. ولا يتعلق الأمر بالقتلى من الشعب، بل أيضاً من البنية الصلبة للنظام، ممثلة في طائفته التي تم إقناعها بأن مصيرها مرتبط بمصيره، وذلك عبر الإيرانيين بطبيعة الحال، إذ يروي الجنرال الإيراني حسين همداني في كتابه "رسائل الأسماك" (هو من صاغ برنامج بلاده في سوريا) كيف أن بشار كان يفكر في الهروب نهاية العام 2012، فكان التدخل الذي فشل لاحقاً، فتمت الاستعانة بالروس.


قبل أسابيع تم تفجير مبنى المخابرات في مدينة درعا التي انطلقت منها الثورة، مع العلم أن النظام يسيطر عليها، وهو ما يؤكد حقيقة نتحدث عنها كل حين، تتمثل في أن حجم القتل والاعتقال والتشريد الذي وقع، وكلها أسست لثارات بالطبع؛ لا يمكن أن تسمح باستقرار النظام في ظل زمن العنف الرخيص؛ من طائرات مسيّرة، إلى غير ذلك من أشكال العنف، مع أن الثورة الشعبية من جديد لن تكون مستبعدة في ظل تردي الاقتصاد أيضاً، واستمرار القمع، وإلا فمن كان يتوقع أن يثور الشعب الجزائري والسوداني، ومن ثم العراقي واللبناني؟! وأضف إلى ذلك ما يتعلق بالمنظومة الدولية والإقليمية التي لم تعرف الاستقرار بعد.

 

إن نهاية فكرة السيطرة على الأرض من قبل الثوار، سيعيد الثورة إلى أبجدياتها الأولى كثورة شعبية، مع إمكانية استخدام العنف الرخيص في إرباكه بمرور الوقت

 

وهذا يؤكد أن أحلام بوتين بأن "إدلب" ستكون نهاية المطاف لا تعدو أن تكون ضرباً من الأوهام.


والحال أن الثورة على نظام ظالم وفاسد (ومتهالك في آن) يمكن أن تحدث في ظل أي نظام عادي، فكيف في حالة نظام لا وجود لمثيل له في العالم، من حيث سيطرة أقلية لا تتجاوز عُشر السكان على مفاصله الأمنية والعسكرية، وهي من نصّبت بشار رئيسا كأن البلد كان مزرعة لأبيه، فيما أضاف عهد الابن لسطوة البطش؛ الفساد والسيطرة الاقتصادية، الأمر الذي كان أقل وضوحاً أيام أبيه.


كيف يمكن لأي نظام أن يتعايش مع ملايين المعارضين الغاضبين في الخارج في زمن مواقع التواصل؟! ثم ماذا عن هيمنة روسيا على البلد وصلاتها بالصهاينة، ووجود المؤثرات الأخرى مثل إيران وأمريكا وتركيا؟!


إنها خلطة عجيبة في زمن عجيب، لا يمكن أن تؤدي بحال إلى نظام مستقر، وسيتواصل العنف حتى يجد هذا البلد سبيلاً آخر، بعيداً عن سطوة المنظومة الطائفية المتوحشة القائمة حالياً.

التعليقات (5)
صلاح الدين
الإثنين، 06-04-2020 12:29 ص
صدقت بكل حرف. جزاك الله خير
سؤال
الأحد، 09-02-2020 10:29 م
بل الوطن العربي الى اين كون سوريا هي الباب الذي كسر. واصبح في قبضة ألروم والفرس.
لاجئ سوري
الأحد، 09-02-2020 10:31 ص
بداية أستاذ ياسر الزعاترة المحترم ... اشكرك بالنيابة عن كل السوريين المعنيين على اهتمامك بالشأن السوري ولك منا كل التقدير والاحترام .. في سورية جميعنا يعلم ان لعنتي " الجغرافيا والديمغرافيا " هما السبب فيما نحن فيه .. أما لعنة " الجغرافيا " فهذه يمكن السيطرة عليها، ولدينا كأكثرية سورية القدرة على التعامل معها، وإيجاد الطرق المناسبة لتحويلها الى نعمة على البلد وليس نقمة، اما " الديمغرافيا " فبعض مكوناتها كانت هي الخاصرة الرخوة والجانب الضعيف في وطننا السوري، والتي كانت فعلياً السبب بتمكن المحتلين والغزاة عبر التاريخ من ارضنا، وفي الحاضر نعترف بأننا أخطأنا في تقدير الموقف، وخُدعنا بالوطنية المزيفة التي ابداها البعض منها، وانطلت علينا الشعارات الكبيرة والطنانة، وهذا خطأ ارتكبناه كأكثرية ودفعنا ثمنه ما ترى، ولذلك يجب ان لا نكرر هذا الخطأ مرة أخرى، ولو تطلب الأمر لذلك سن القوانين والتشريعات المانعة لتكراره على شاكلة قوانين معاداة السامية .. بكل الأحوال لنا الله يا أستاذ ياسر .. فهذا هو قدرنا..!!
من سدني
الأحد، 09-02-2020 10:17 ص
اذا لم تتحرر مكه والمدينه من عصابات ال سعود واذا لم تنجح الامه باستئصال عيال زايد وحكام الامارات وكلبهم السيسي فان القرمطي النصيري بشار سيبقى يحكم سوريا المدمرة الى ماشاء الله. ومعه كلاب الفرس من شيعة لبنان والعراق.
" يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا"
الأحد، 09-02-2020 09:51 ص
السؤال هو ماذا إستفاد عشر السكان من المجرمين مثل سفاح دمشق و وثرثار حزب الشيطان و حكام النفاق في إيران ؟ماذا لو قفوا مع ثورة الإصلاح الذي أرادها كل الشعب السوري لكن تعمى القلوب و العقول.