صحافة دولية

بحث جديد: العبودية ليست جريمة في نصف دول العالم

عبودية أمريكا - جيتي
عبودية أمريكا - جيتي

نشر موقع "الكونفرسايشن" الأسترالي مقال رأي للكاتبين، كاتارينا شوارز وجين آلين إن، سلّطا من خلاله الضوء على الدول التي لا تصنف العبودية كجريمة.

وقالت الكاتبان في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن العبودية أُلغيت بالفعل في جميع البلدان على مدار القرنين الماضيين. ووفقا لبحثهما الجديد، لا تعتبر العديد من البلدان العبودية بمثابة جريمة، حيث لا يوجد قانون جنائي يعاقب على ممارسة العبودية أو التجارة بالعبيد في نصف دول العالم تقريبا.

وذكر الكاتبان أن بحثهما يوفر فرصة لإعادة تركيز الجهود العالمية للقضاء على العبودية الحديثة بحلول سنة 2030، وذلك بداية من الأساسيات على غرار دفع الدول إلى تحريم العبودية تمامًا وغيرها من الممارسات الاستغلالية. علاوة على ذلك، ينبثق هذا البحث من قاعدة بيانات مخصصة لمكافحة العبودية التي تنظر في التشريعات المحلية لكل بلد، والالتزامات الملزمة التي قطعتها على نفسها من خلال الاتفاقات الدولية لحظر أشكال الاستغلال البشري مثل العمل القسري والاتجار بالبشر والممارسات المشابهة للعبودية.

وأضاف الكاتبان أنه على الرغم من أن 96 بالمئة من جميع هذه الدول يمتلك بعض أشكال التشريعات المحلية لمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أن العديد منها فشل في حظر أنواع أخرى من الاستغلال البشري في قوانينها المحلية على غرار العبودية والعمل القسري. وباختصار، لا يمكن اعتبار أن العبودية تُعد غير قانونية في جميع أنحاء العالم.

تاريخ قصير

أوضح الكاتبان أن المشكلة بدأت من الحركة البريطانية العظيمة لإلغاء العبودية، التي تمحورت حول إلغاء القوانين التي تسمح بتجارة العبيد باعتبارها تجارة مشروعة. وخلال القرن التاسع عشر، لم يُطلب من الدول إصدار تشريع لتجريم تجارة العبيد، بل طُلب منها إلغاء أي قوانين تسمح بهذا العمل.

ومنذ سنة 1948، دُعيت الدول إلى حظر العبودية بدلاً من إلغاء الأحكام التي تسمح بها. ولكن مع اتفاق جميع الدول في الفترة الممتدة بين سنة 1926 و2016 بأنه من غير المحتمل أن تحدث حوادث عبودية لأنها ألغت جميع القوانين التي تشرعها، لم تكن هناك حاجة أو سبب لإنشاء قوانين تُجرم العبودية.

قصص حول العبودية

أورد الكاتبان أنه على الرغم من إلغاء العبودية، إلا أن الكثير من الأشخاص يولدون في بيئة من العبودية أو يُرغمون على الخضوع لها في سن مبكرة. وتُعدّ الجهود التي بذلتها المنظمات غير الحكومية لتحرير قرى بأكملها من العبودية بالوراثة في موريتانيا مثالا على ذلك، حيث يتعين على الناجين من قبضة العبودية في البداية فهم الحرية على مراحل.

 

اقرأ أيضا: حاخام إسرائيلي يستعبد نساء وأطفالا لسنوات ويستغلهم جنسيا

ووفقا لقصة سليخة منت أحمد لبيد، التي ولدت هي ووالدتها وسط العبودية في موريتانيا والتي روت معاناتها مع العبودية منذ سن الست سنوات حتى بلوغها العشرين، تجرد العبودية الشخص من حريته الشخصية أو خصوصيته باستخدام العنف. وفي حالة موريتانيا، أُلغيت العبودية القانونية منذ سنة 1981. في المقابل، تتواصل حالات العبودية دون ملكية قانونية إذا كان الشخص يتصرف كما لو كان يمتلك الشخص المستعبد. في الواقع، تشهد قصص الناس الذين عانوا من أشكال الاستغلال البشري في جميع أنحاء العالم على استمرار وجود العبودية.

ونقل الكاتبان ما جاء على لسان مندي ناظر التي قُبض عليها في سنة 1994، وهي طفلة نُقلت في النهاية إلى عائلة شخص دبلوماسي في المملكة المتحدة، ثم هربت في نهاية المطاف في سنة 2002، حيث أفادت قائلة: "يقول الناس إنني عوملت كحيوان، لكنني أخبرهم بأنني لم أكن كذلك، لأن حيوانًا مثل قطة أو كلب يحصل على الحب والاهتمام، وهو ما لم أحصل عليه".

الاتجار بالبشر

ذكر الكاتبان أنه على الرغم من أن معظم الدول تمتلك تشريعات لمكافحة الاتجار بالبشر، إلا أنها لا تحظر أشكالا أخرى متعددة للاستغلال البشري، بما في ذلك العبودية نفسها. كما أن الاتجار بالبشر مُعرّف في القانون الدولي على أنه يتألف من ثلاثة عناصر أساسية وهي الفعل واستخدام الإكراه لتسهيل هذا الفعل ووجود النية لاستغلال هذا الشخص. وفي الواقع، تتطلب مقاضاة الاستغلال نفسه تشريعا محليا محدّدا يتجاوز الأحكام التي تتناول الاتجار بالبشر.

كنتيجة لذلك، لا يمكن تنفيذ التشريعات المحلية الخاصة بالاتجار بالبشر من مقاضاة العمل القسري أو العبودية كجرائم في القانون المحلي. وعلى الرغم من أن أغلب الدول لديها أحكام جنائية محلية تحظر الاتجار بالبشر، إلا أن معظمها لم تتجاوز ذلك لتشرّع قوانين ضد مجموعة كاملة من ممارسات الاستغلالية.

وأكّد الكاتبان أنه من المثير للصدمة أن يكشف بحثهما أن أقل من خمسة بالمئة من مجموع 175 دولة تعهدت بتجريم الاتجار بالبشر، نسقت قوانينها الوطنية مع المفهوم الدولي لهذه الجريمة، نظرا لأن لهم تعريفا محدودا للأفعال التي تمثّل اتجارا بالبشر. ومن أبرز مظاهر هذا الفشل، نذكر تجريم بعض الدول الاتجار بالنساء والأطفال عوضا عن الرجال، وعدم اعتراف 121 دولة بأن الاتجار بالأطفال ينبغي ألا يتطلب وسائل قسرية، بالإضافة إلى أن 31 دولة لا تجرم جميع الأفعال ذات الصلة المرتبطة بالاتجار بالبشر.

قاعدة البيانات الخاصة بالبحث

أوضح الكاتبان أنه على الرغم من أن العبودية مُعتَرف بها في قرارات المحاكم الدولية حول العالم، إلا أن درجة انعكاس هذا الفهم في القوانين الوطنية لم تكن واضحة. في الحقيقة، نُشرت آخر محاولة منهجية لجمع القوانين المحلية الخاصة بالعبودية منذ أكثر من 50 سنة.

وقال الكاتبان إنهما قاما بتجميع القوانين الوطنية المتعلقة بالرق والاتجار بالبشر وأشكال الاستغلال المرتبطة بجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولة. ومن بين أكثر من 700 قانون محلي، وقع استخراج أكثر من أربعة آلاف حكم فردي وتحليلها لتحديد مدى وفاء كل دولة بالتزاماتها الدولية بحظر هذه الممارسات من خلال التشريعات المحلية.

في الواقع، لا تعدّ هذه المجموعة من التشريعات مثالية أو مكتملة، كما أن الحواجز اللغوية، وصعوبات ترجمة الأحكام القانونية، والاختلافات في هياكل النظم القانونية الوطنية تُعتبر بمثابة عقبات. في المقابل، سرعان ما وقع تجاوزها عن طريق إجراء عمليات بحث بلغات متعددة واستخدام برامج الترجمة عند الضرورة.

نتائج البحث

استنتج الكاتبان أنه لا يمكن في 94 دولة، مقاضاة شخص لاستعباده إنسانا آخر. ويعني ذلك أن حوالي نصف جميع بلدان العالم ارتكبت انتهاكات محتملة للالتزام الدولي بحظر العبودية. علاوة على ذلك، يبدو أن 12 دولة فقط حددت بوضوح تعريفا وطنيا للعبودية يعكس التعريف الدولي. وفي معظم الحالات، يُترك الأمر للمحاكم لتفسير معنى العبودية. ويعني ذلك أنه حتى في البلدان التي حُظرت فيها العبودية في القانون الجنائي، لم يصبح سوى بعض حالات العبودية غير قانونية.

ووجد الكاتبان أنه ليس من المرجح أن تنفذ الدول التي تعهدت بالالتزامات الدولية، التشريعات المحلية التي تتناول أي نوع من أنواع الاستغلال المذكورة في البحث. ومن المحتمل أن يكون لدى الدول التي وقعت على المعاهدات ذات الصلة أحكام محلية تجرِّم مختلف أشكال العبودية الحديثة.

ويبدو أن هناك 112 دولة لا تسلط عقوبات جزائية من أجل وضع حد للعمل القسري، وهي ممارسة واسعة النطاق تضم 25 مليون شخص. وفي الحقيقة، لا يدرك العديد من أولئك الذين أُجبروا على العمل في البلدان المتقدمة أنهم خارجون عن القانون. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما يُجبر هؤلاء الأشخاص على العمل في الزراعة والمصانع والمطاعم مقابل أجر ضئيل أو دون أجر لساعات طويلة.

وأورد الكاتبان أن قاعدة البيانات لهذا البحث تكشف أيضا عن ثغرات واسعة النطاق في حظر الممارسات الأخرى المتعلقة بالرق. وعلى الرغم من أن معظم البلدان تعهدت بالتزامات من خلال المعاهدات الدولية، إلا أن عددا قليلا منها جرّم العبودية وتجارة الرقيق والعمل القسري.

مستقبل أفضل

أكّد الكاتبان أنه ينبغي على الدول العمل من أجل مستقبل تصبح فيه العبودية غير قانونية بالفعل. وفي حين أن التشريعات ليست سوى خطوة أولى نحو القضاء على هذه الجريمة، إلا أنه من الضروري منع الإفلات من العقاب على مثل هذه الانتهاكات، كما أنه من المهم أن يحصل الضحايا على الدعم والإنصاف.

0
التعليقات (0)