أخبار ثقافية

واينشتين ووهم القوة الزائفة

ينتظر هارفي حكم المحكمة بعد أيام - جيتي
ينتظر هارفي حكم المحكمة بعد أيام - جيتي
من الآن، سوف يضطر الرجال الأقوياء إلى التحلي بشيء من الأدب والتواضع. فبعد إدانة قطب هوليود ذي النفوذ الأقوى واينشتين، بتهمتي ارتكاب فعل جنسي إجرامي من الدرجة الأولى بحق مساعدة الإنتاج السابقة له ميمي هالي، في سنة 2006، وارتكاب جريمة اغتصاب من الدرجة الثالثة بحق الممثلة جيسيكا مان، في سنة 2013، وفق ما أقرّتْه هيئة المحلفين (المكونة من سبعة رجال وخمس نساء) في محكمة مانهاتن بنيويورك، وذلك يوم الاثنين 24 فبراير 2020.. بعد إدانة أحد أقوى رجال أمريكا، يبدو أن المتحرشين سيضطرون إلى مراجعة أنفسهم.

تبدو الإدانة قوية. وسوف تحدد المحكمة عقوبتها في يوم 11 مارس، لأن القضاء الأمريكي قد لا يحدد العقوبة في يوم الإدانة ذاته. مع ذلك يبدو واينشتين محظوظا. فقد برَّأته هيئة المحلفين من التهم الأكثر فداحة: الاعتداء الجنسي الوحشي؛ التي كانت ستضمن له السجن مدى الحياة. أما التهمتان السابقتان، فقد تتراوح عقوبتهما من 15 إلى 25 سنة.

رفض القاضي الإفراج عن واينشتين بأي كفالة مالية، وقرر احتجازه في مستشفى سجن جزيرة ريكرز آيلاند، سيئ السمعة، الذي يضم أعتى المجرمين، في ظروف معيشية بالغة القسوة، لكنّ سيارة الإسعاف التي أقلّتْه إلى السجن غيّرتْ مسارها خلال الرحلة متّجهة إلى مستشفى بلفيو في مدينة نيويورك، إثر شكوى واينشتين من آلام في صدره، ثم صرحت محاميته أنه بخير.

ربما يتمارض واينشتين ليفلت من ريكرز آيلاند بعض الوقت، لكنه في الحقيقة محظوظ لسبب أهم، هو إفلاته من اتهام أكثر من 80 امرأة من دوائر العاملات معه في هوليود، من مختلف الأعمار والمستويات الاجتماعية والتوجهات السياسية، وإن كان معظمهن من الميسورات، اللاتي يصعب اتهامهن بمحاولة التربح من اتهامهن لواينشتين.

بدأت الحكاية كلها في أكتوبر 2017، بعد أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز ومجلة نيويوركر بعض القصص المفصلة، تضمنت اتهام عشرات من العاملات في هوليود لواينشتين بارتكاب جرائم وإساءات جنسية ضدهن، منهن بعض نجمات هوليود مثل روز مكجوان، وآشلي جود. أعقب ذلك تويتة عادية كتبتها الممثلة أليسا ميلانو، دعت فيها النساء اللاتي وقعن ضحايا انتهاك جنسي إلى الكتابة عنه علنا. أضافت ميلانو إلى التويتة هاشتاج: "أنا أيضا".

وعلى نحو صاعق، أعلن تويتر عن نشر الهاشتاج في 1.7 مليون تويتة، في حين أفصح الفيس بوك عن انطلاق 12 مليون منشور يتضمن الهاشتاج ذاته خلال يوم واحد من تويتة ميلانو. هكذا أخذت المصائب تتوالى على رؤوس الرجال الواهمين بأنهم فوق العدالة.

ما حدث كان غير مسبوق. اندلعت قوة جارفة من النساء الغاضبات والمتعاطفين معهن على السوشيال ميديا، خالقين بذلك ضغطا اجتماعيا هائلا، فلم يكن النظام القضائي الأمريكي يتضمن مساءلة رجال عن انتهاكات جنسية قديمة، تكون أدلتها قد تلفت تماما؛ خاصة إذا كانت المدعيات من معارف المتهمين، حيث يُفترض أن العلاقة تمت بالتراضي، دون وجود دليل ملموس على الاغتصاب.

لم يكن رجل مثل واينشتين يتخيل في أسوأ كوابيسه أن يعاقب يوما ما على بعض جرائمه القديمة، فهو مؤسس إحدى أقوى شركات هوليود "ميراماكس"، التي أنتجت بعض أهم أفلام هوليود، مثل "شكسبير العاشق" الذي اقتنص سبع جوائز أوسكار عام 1999. استطاع واينشتين قهر كل ضحية له على حدة، ضاغطا بنفوذه القوي في هوليود، التي تمثل مورد رزقهن. وقد اعترفت كثيرات من ضحاياه بأن تهديداته كانت سببا مهما في كتمان الأمر وقتها. حين اجتمعت النساء الغاضبات، اختلفت موازين القوى.

ظل واينشتين يكرر طيلة جلسات محاكمته أن العلاقات محل الاتهام كانت بالتراضي، دون أن يقدم أي تفسير لاتفاق هذا العدد الوافر من النساء، اللاتي لا يعرف بعضُهنّ بعضا، على اتهامه باعتداءات مختلفة، لكنها ذات أنماط متكررة، مثل الاغتصاب، أو تقاضي خدمات جنسية بالإكراه، أو اللمس بشكل غير لائق.

بالطبع، أكدت محاميته أن فريق الدفاع عنه سوف يستأنف بعد صدور الحكم، لكن الكثيرين رأوا في الحكم انتصارا قويا لحركة "أنا أيضا". وصرح سايرس فانس، المدعي العام لمانهاتن بأن النساء اللاتي أدلين بشهاداتهن ضد واينشتين "غيرّن مجرى التاريخ" وساهمن في تغيير الرؤية القانونية للجرائم الجنسية ومدى إدانة مرتكبيها، مضيفا: "إنه يوم جديد... الاغتصاب يبقى اغتصابا. هو اغتصاب حتى لو لم تتوافر أدلة حسية وحتى لو مر عليه زمن طويل".


ربما يتضح مدى تأثير حملة "أنا أيضا"، حين نتابع واقعة أخرى، بطلها نجم آخر، هو بيل كوسبي، حيث أسقط المدعي العام القضية قبل بدايتها، وكانت إجراءات القضية قد بدأت منذ سنة 2005، بسبب اعتداء وقع سنة 2004. وحين استُأْنِفت في 2015، ألغيت المحاكمة الأولى بسبب عجز هيئة المحلفين عن اتخاذ قرار.

كان ذلك قبل الحملة. أما بعدها فقد أقيمت محاكمة ثانية في 2018 وسمحت المحكمة، للمرة الأولى، لخمس من ضحايا كوسبي، بالإدلاء بشهادتهن. وأخيرا حُكِم عليه بالسجن ما بين 3 و10 سنوات، لإدانته بارتكاب اعتداء جنسي. بالطبع راعت المحكمة عمره البالغ 81 سنة، وجعلت إطلاق سراحه بعد قضاء 3 سنين مشروطا بمدى استجابته للتأهيل أثناء سجنه.

 وبغض النظر عن الحكم المرتقب على واينشتين يوم 11 مارس القادم، الذي بات من المؤكد أن يتضمن سجنه بعد إدانته، لا يزال واينشتين مطاردا من ضحاياه؛ ففي محاكم لوس أنجلوس، سوف تمضي محاكمته على اتهامه بارتكاب جرائم جنسية أخرى، حيث اتهمته عارضة الأزياء لورين هيل بالاعتداء الجنسي عليها في دورة مياه بأحد فنادق بيفرلي هيلز سنة 2013. كانت لورين عارضة أزياء شابة، طامحة إلى نجومية ممثلات هوليود، فاستغل واينشتين ذلك. كما أنه متهم باغتصاب عارضة أزياء إيطالية أخرى، في لوس أنجلوس، في السنة ذاتها.

يبدو أن واينشتين الذي طُرِد من الشركة التي أسسها، ثم أعلنت إفلاسها، كما انفصلت عنه زوجته.. يبدو أنه سيدفع الثمن الذي تقتضيه جرائمه.
1
التعليقات (1)
morad alamdar
الأحد، 08-03-2020 10:01 ص
إن الغرور ، يقود صاحبه إلى طريق مسدود ، مثل اليأس تماماً . و لكن في اتجاه معاكس .. و المشكلة في الغرور أن صاحبه يعاني من الجهل المركب ، فهو لا يشعر بأنه مصاب بداء لا بدّ من علاجه ، بل يرى نفسه في أحسن حالاتها .