قضايا وآراء

كورونا الغاضب.. وحش يهدّد وظيفتك!

أحمد علوش
1300x600
1300x600
يقال إن تعافي الصيّن، أكثر البلدان كثافةً سكانية في العالم أجمع، من تمدّد فيروس كورونا هو نقطة إيجابية تسّجّل في خانة مواجهة القوى الدولية للوباء المستجد، وهي إشارة تفاؤل على قدرة السلطات على مواجهة الخطر الصحي الراهن، لكن ما يغفل عنه الكثير من غير المطّلعين على المعطيات الاقتصادية بشكل عام والأزمة الراهنة بشكل خاص؛ كون العدوى وإن لم تصل إليه شخصيا فهي تهدّد دخله من خلال شركته الخاصة أو وظيفته بلا شكّ.

فبعد أن هدأ "تسونامي" فيروس كورونا الجديد في الصين، وبدأت بعض نواحي الحياة تعود إلى طبيعتها في جمهوية الإنتاج الأولى عالمياً على صعدٍ عدّة، انتقلت الموجة العاتية إلى أوروبا والدول المستهلكة، لتتحوّل القارة الأوربية إلى بؤرة وباء جديدة، دخل على إثرها ما يزيد عن 100 مليون أوروبي في حالة إغلاق وحجر صحي، فيما تحارب الدول بالقارة العجوز فيروس كورونا الجديد، من خلال دخول المزيد من القيود على السفر حيز التنفيذ، بالتزامن مع إغلاق المحال التجارية والمقاهي ودور السينما وبعض أماكن الترفيه العامة.

الكساد الكبير

تجد الصين اليوم نفسها أمام خطر الكساد المتوقع في ظلّ الانتشار الواسع للوباء داخل دول العالم التي لطالما تُعدّ المستهلك الشره للمنتجات الصينية، فمن أوروبا إلى الشرق الأوسط ثم القارة الأفريقية؛ سارعت دولٌ وأقاليم إلى فرض حجر صحي داخلي وإغلاق الحدود البرية والبحرية وحتى الجوية، يضاف إلى ذلك تراجع النمو الاقتصادي واقتصار الاستهلاك العالمي المتوسط على استهلاك غذائي، وهي سلعٌ يتم إنتاجها داخلياً في مجملها، حتى أن أسواق التصدير الخارجية ستتمّ برمجتها مستقبلاً لكلُ دولة داخل حدودها، في إطار تأمين حاجيات المواطنين والمقيمين من سلات الغذاء الأساسية.

مصير الشركات على المدى الزمني القريب والمتوسط

إن تقييد حركة التجارة الخارجية ستدفع بالكثير من أسهم شركات الشحن وشركات التجارة العالمية إلى الهبوط الحاد إثر الرؤية والتحليل السوقي للمستثمرين فيها، يضاف إلى ذلك كساد المصانع ومخازن الشركات المنتجة، وهي ظروف ستدفع بالأخيرة إلى خفض أعداد موظفيها بشكل تلقائي.

الأزمة الاقتصادية ستتمددّ أيضاً لتطال الشركات الخدمية من قطاع سياحي وما يتشعّب منه. فعلى سبيل المثال؛ خسائر شركات الطيران ستتكبد مضاعفات أكبر على المدى القريب والمتوسط، تتبعها الفنادق والمطاعم والمؤسسات السياحية الصغيرة، إضافة لشركات النقل السياحي.

بناءً على ما سبق، سيتحتّم على مجالس الإدارة خفض اليد العاملة للسيطرة على التكاليف، يقابله ارتفاع نسب البطالة وفقدان ملايين العاملين في المجالات أعلاه لمصادر دخلهم.

إن ارتفاع البطالة بدورها ستشكّل العقبة الأكبر أمام قطاع المصارف، من حيث الهبوط التلقائي في سوق الرهانات العقارية والعجز في ميزان القروض، إضافة للشحّ في مصادر الأموال القادمة من الخارج عبر رواد السياحة والتجارة، ما يزيد من هلع أصحاب الودائع الصغيرة لسحب أموالهم والتراجع في عمليات الحوالة المالية، وهي معطيات ستُكبد المصارف خسائر فادحة. لكن الضرر في المقابل قد ينعكس إيجاباً على سوق الإنتاج المحلي، لنشهد دوراناً في العجلة الاقتصادية الداخلية للدول النامية كما وارتفاع قيمة عملاتها المحلية.

قطاع التسويق وعلى الرّغم من تأثره المتوقع بخسائر القطاع التجاري والخدماتي، إلّا أن توجّه الشركات الكبرى نحو الداخل وتقييد حركة السفر إضافة لحظر التجوال الذي يعمم على مقاطعات بأكملها سيساهم بتعزيز قدرته على النهوض بشكل أكبر في الفترة القادمة، بل إن مستشارين اقتصاديين لكبار الشركات رأوا أن الحاجة باتت ملحّة للتوجه نحو قطاع البيع الجديد والتخلي بنسبة كبيرة عن نظام التجارة الكلاسيكية.

لا شكّ أنه وبالنظر للساعات التي سيتوجب قضاؤها في حجر صحي منزلي، سترتفع أسهم قطاع السينما والتصوير، وقد بدا ذلك واضحاً في مؤشرات أرباح نيتفليكس، الشركة الرائدة عالميا لمشاهدة الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الكترونيا، في الأيام القليلة الماضية، مع فرض السلطات الإيطالية حظر تنقلٍ داخل مقاطعات كبيرة موبوءة.

تعبئة دولية وخلايا أزمة

الولايات المتحدة الأمريكية: تسارع حكومات الدول ومؤسساتها المالية الرسمية لمواجهة مصيرية مع أزمة حذّر منها المحللون. البنك المركزي الأمريكي خفّض أسعار الفائدة إلى ما بين الصفر و0.25 في المئة، مضيفاً أنه سيرفع ميزانيته بمقدار 700 مليار دولار على الأقل في الأسابيع المقبلة.

اليابان: بنك اليابان المركزي هو الآخر قال في اجتماع طارئ إنه سيشتري المزيد من سندات الشركات والديون التجارية، ويؤسس برنامجاً جديداً لإقراض الشركات، لينضم بذلك لإجراءات استجابة عالمية لانتشار المرض.

إنكلترا: محافظ بنك إنجلترا أعرب عن سعي البنك لاتخاذ إجراءات جديدة لدعم الاقتصاد، مضيفاً أن البنك حريص على عدم تأثر النمو الاقتصادي على المدى الطويل مع استمرار تفشي هذا الفيروس الخطير.

دول الخليج سارعت هي الأخرى لاتخاذ إجراءات كحزم تحفيز تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار لاحتواء أثر فيروس كورونا الجديد، والهبوط الحاد في أسعار النفط.

قطر: الحكومة القطرية أعلنت عن إجراءات لدعم الاقتصاد، بما في ذلك توفير حوافز مالية بقيمة 75 مليار ريال (20.60 مليار دولار) وخطة لضخ ما يصل إلى عشرة مليارات ريال في البورصة المحلية.

المملكة العربية السعودية: مؤسسة النقد العربي السعودي خفضت معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس بواقع 75 نقطة أساس.

الكويت: بنك الكويت المركزي خفض سعر الإيداع 100 نقطة أساس إلى 1.5 في المئة، وهو أقل مستوى في تاريخه، كما قرر خفض أسعار إعادة الشراء لأجل ليلة وأسبوع وشهر بواقع 100 نقطة إلى 1.25 و1.75 في المئة.

مدى فعالية حُزم التحفيز

الإجراءات الخاصة للبنوك المركزية وخلافاً للتقييمات لم توقف تراجع الأسهم العالمية، حيث استمرّت العقود الآجلة لمؤشر ستاندرد آند بورز في الهبوط، متجاوزةً الحدّ الأقصى المسموح به للهبوط يومياً، وتسبب ذلك بتعليق التداول يوم الاثنين.

أسهم الطاقة اتبعت الاتجاه النزولي لأسعار النفط، بينما كانت شركتا "آي.إيه.جي" المالكة لطيران "إيزي جت"، و"إير فرانس- كيه.إل.إم" بين أكبر الخاسرين على المؤشر ستوكس 600.

العقود الآجلة للذهب هبطت هي الأخرى بمعدّل خسارة تجاوز 180 مليار دولار، على الرّغم من كونها نتيجة متوقعة للطلب المتزايد على العملات الورقية في استهلاكات الأسواق.

حلول أصحاب الشركات للصمود داخل دائرة الخطر

تشير أعراض الواردات المنخفضة في القطاعات المذكورة وغيرها إلى أزمة اقتصادية قادمة لا محالة قد لا تتوقع صعوبتها، بيد أنّ النصائح الموصى بها لأصحاب الشركات المتوسطة والصغيرة والبالغة الصغر هي التوجه نحو تنشيط أقسام البيع والخدمة عن بعد، ليس فقط لمواجهة أزمة واردات قريبة الوقوع؛ بل حتى على صعيد طويل الأمد، وإن كان لا بدّ من أخذ نفسٍ عميق للشركة وعمالها. فعلى القائمين عليها وضع استراتيجية جديدة للانخراط بشكل أكبر في بيع المنتجات أو تقديم الخدمات الكترونياً.
التعليقات (1)
أبو حسن
الخميس، 19-03-2020 07:22 ص
مقال شامل لكل النواحي الاقتصادية والازمات المالية والاقتصادية والوظيفة الناتجة عن تفشي فايروس كرونا