قضايا وآراء

العالم بعد كورونا.. موهوم ومتفرج ومبهور

سمير حسن
1300x600
1300x600

داخل غرف المستشفيات صراع من أجل إنقاذ مرضى فيروس كورونا، وسباق مع الزمن بين جدران معامل الدواء واللقاح لإنتاج سلاح يقضي على هذا الفيروس الذي حبس سكان العالم كالجرذان في البيوت.

بعيدا عن هذا وذلك تحارب الصين العالم كله بسلاح دافعت به عن نفسها من اتهامها بالمسؤولية عن نشر الفيروس وبدأت في اتجاهين داخلي تمثل في تطبيق سياسة الاستبداد المعهودة عند الحزب الشيوعي بغلق الناس في بيوتهم، وخارجي بإبهار العالم أنها تنشئ مستشفى ضخما في عشرة أيام بل أنجز في ثمانية أيام فقط، وبالتوازي مع ذلك اتهمت الولايات المتحدة بصناعة الفيروس

إنها معركة لا نرى فيها ترسانة السلاح التقليدية التي أنفق العالم عليها تريليونات الدولارات وإنما حرب عقول وقلوب، إنها حرب الدعاية والإعلام التي طالما كسبها من يتقنها بغض النظر عن توجهه الإيديولوجي أو الجغرافي.

لقد أثبتت الصين أن نعوم تشومسكي لم يكن على صواب عندما قال (الدعاية في النظام الديمقراطي هي بمثابة الهراوات في الدولة الشمولية).

فلطالما أتقن الشيوعيون الدعاية أو الترويج منذ لينين وماركس، وأظهر فيروس كورونا أن الصين أيضا تجيد الدعاية أو البروباغندا التي هي أصلا اختراع غربي، فحسب موسوعة بريتانيكا فإنّ كلمة البروباغندا أو الدّعاية، مشتقّة من اسم منظّمة من الكرادلة الرومان الكاثوليك تأسّست عام 1622م، تُدعى Congregatio de Propaganda Fide -جماعة الدّعاية لحسن النيّة- بهدف مواصلة العمل التبشيري، فهي إذن كلمة لها علاقة في الأصل بالتبشير بشكل عام، وكانت لها دلالة هادفة، إلّا أنّه حتّى من هذا الجّانب فإنّ الكثير يعتقد بأنّ الدّعاية التبشيريّة كانت تبرّر وتغطّي على الكثير من أهداف الحروب المعلنة التي شهدها العالم، والكثير من الجرائم والاستغلال الاقتصادي والتجاري والثقافي الذي عايشته الشعوب.

وبعد أن كان العالم ناقما على الصين بعد ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد فيها، حاولت بكين أن تبدد هذه الصورة فأقدمت على تقديم ما يسمى بالمساعدات الطبية لبعض الدول الأوروبية، قبل ذلك تناقل الناس تصريح ألكسندر فوتشيتش رئيس صربيا الذي أنذر العالم بأن التضامن الأوروبي خرافة وأن القبلة الوحيدة الآن لطلب المساعدة هي الصين .

لم تكن الصين تنتظر رئيس صربيا ليروج لها، فمن بين أعضاء لجنة الطوارئ الصينية التي تقود مكافحة الفيروس، متخصصان في الدعاية والإعلام أحدهما صاحب فكرة بناء المستشفى في عشرة أيام التي جعلت الصحافة الأوروبية والأمريكية تكتب عنها بعد انتقادها للصين بسبب انتشار الفيروس.

صعود أسهم الصين بعد هبوطها بسبب كورونا تداولته الصحافة الأمريكية في الأيام الماضية من أبواب عدة منها الأيدلوجي بالتساؤل عن هل عجزت الليبرالية الأوروبية أمام الاستبدادية الصينية؟ ومنها السياسي هل تطرح أزمة كورونا الصين زعيما بديلا للعالم؟ 

غير أن أهم ما في هذه القضية العالمية الشائكة أن بكين نجحت في تقسيم العالم إلى ثلاث فرق الأول، فريق الموهومين الذين تعبوا من ظلم الغرب ويتطلعون إلى التغيير، وهؤلاء يرون أن كورونا سيتسبب في انهيار أوروبا وأمريكا. 

الفريق الثاني، المبهورون بما تفعله الصين، وينتظرون كمامتها المجانية وأجهزة التنفس التي لا تعمل بشكل صحيح، والثالث المتفرجون، وإن كانوا لا يستحقون الذكر لأنهم يرددون ما تروجه الصين من بروباغندا وصدقوا ما قاله الرئيس الصربي عن أوروبا والصين دون تمحيص، فهم لا يعلمون أن الأربعين طنا من المساعدات الطبية التي أرسلتها الصين إلى صربيا دفع الاتحاد الأوروبي تكاليف نقلها وفق وكالة تانيوغ الصربية الرسمية.

وفوتشيتش هو الذي هدد الناتو 1995 أثناء الحرب في البوسنة (إذا قتل الحلف صربيا واحدا فإن الصرب سيقتلون مائة مسلم).

وهو نفسه الذي يبتز أوروبا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي في 2025، وما قاله للصين قاله من قبل للنمسا وألمانيا والمجر وبريطانيا وفرنسا ويقوله لروسيا ولإسرائيل، كلهم أصدقاؤه. 

تروج الصين ومن معها من المبهورين والمتفرجين أن بكين قدمت مساعدات طبية للدول الأوروبية وغيرها لكن في الواقع عقدت صفقات قبضت ثمنها إلى جانب المساعدات فإسبانيا مثلا اشترت منها معدات طبية بـ467 مليون دولار ثم أفاد موقع "بيزنس انسيدر" في 25 مارس 2020 أن السلطات الصحية الإسبانية تقول إن 30% فقط من أجهزة اختبار الفيروس تعمل بشكل صحيح والباقي لا يعمل نهائيا، ليس هذا وحسب بل تمهد بكين الطريق لصفقات ما بعد الكورونا، ففي هولندا تطمح هواوي للفوز بصفقة الجيل الخامس من شبكة الاتصالات هناك. وإيطاليا هي شريك الصين في مشروع طريق الحرير الجديد بما يقارب 3 مليار دولار الذي وقعت عليه في مارس العام الماضي.

لا يتوانى المتفرجون على توضيح أن مصدر المساعدات الصينية موزع بين ثلاث جهات؛ الحكومة وهواوي والملياردير جاك ما، وهم أصلا يمثلون كيانا واحدا هو الحزب الشيوعي الصيني.

وإذا ارتبك الغرب في مواجهة كورونا وحولت الصين دفة السفينة لصالحها فإن القضية ليست بهذه السطحية -على الأقل الآن- فإذا ضعفت أوروبا أمام الفيروس وتخلت عنها أمريكا فلا يعني أنهم انهاروا أو أنهم بهذا الغباء وسيتركون المجال للصين.

قد تعمل الصين على تحقيق أهداف سياسية ودبلوماسية من وراء حرب الدعاية حاليا، لكنها في الأصل لتحسين صورتها بعدما انتشر الفيروس من أرضها إلى الكوكب بأكمله، وتتهم بأنها أخفت معلومات عنه في بداياته، وقبل ذلك لوثت سمعتها بالمعتقلات التي فتحتها للإيغور المسلمين، وانتهاك حقوقهم، بل والسعي إلى حرمان هونج كونج من حريتهم.

آلة البروباغندا الصينية تنتشر أسرع من فيروس كورونا، فقد أعلمت بكين الدنيا بأكملها أنها قدمت مليون قناع لليابان كمساعدة لكن لا أحد يعلم أنها تسلمت قبل ذلك 3 ملايين قناع من اليابان.


0
التعليقات (0)