قضايا وآراء

هل نخاف من الموت؟

محمود عبد الله عاكف
1300x600
1300x600
لقد ترددت كثيرا قبل استخدام هذا العنوان لأنه قد يكون صادما في ظل الظروف التي نعيشها، ولكن في النهاية قررت أن استخدم هذا العنوان لأنه مرتبط أيضا بتلك الظروف. 

فنحن نجد الكثير من الناس يتداولون الحديث عن الوباء الذي تعيشه البشرية، وماذا سيكون شكل العالم بعد الوباء، وهل هناك نظام عالمي جديد بعد كورونا (كوفيد-19).. هل الصين ستحل محل الولايات المتحدة في قيادة العالم؟ وأن العالم سيتجه شرقا، وغير ذلك من تساؤلات عن المستقبل.

وفي نفس الوقت نجد قطاعا آخر يتناول الوباء والأحداث التي يمر بها العالم من جانب مغاير، ويتحدث عن العودة إلى القيم والجوانب الروحية التي افتقدها العالم على مدي العقود الأخيرة. ولعل الرسالة التي تمت نسبتها إلى رجل الأعمال بيل يتس نموذج لمثل هذا النوع من الحوار، فقد تناولت عدة قضايا حول أن الناس سواء ولا فرق بينهم، وخطورة النزعة الأنانية لدي البشر، وأننا يجب أن نراجع الهدف من وجودنا في هذه الحياة، وغير ذلك من أفكار حول الجوانب القيمية التي يفتقدها الإنسان في عالمنا المعاصر.

وبالعودة للعنوان فقد كنت على سفر اضطراري منذ أيام قليلة، وكانت رحلة طويلة عبر المحيط، والطائرة من طراز بوينج وتستوعب في حدود 400 راكب، ولكنها للظروف التي نعيشها لم تكن تحمل أكثر من 50 راكبا، وبالتالي معظم مقاعد الطائرة كانت غير مشغولة. وقد حاولت النوم فلم أتمكن. وكان الجميع، من طاقم الطائرة والركاب جميعا (بما فيهم العبد الفقير) يرتدون القفازات والكمامات ويطبقون سياسيات التباعد الاجتماعي. وكان الملاحظ أيضا أن غالبية الركاب من كبار السن (ممن تجاوزوا الستين والسبعين، ومنهم العبد الفقير). وقد لاحظت كيف تكون ردة الفعل من قبل باقي الركاب عندما كان يكح أحد الركاب أو يسعل أو يعطس. حتى أن أحد الركاب كان يتحرك بين المقاعد الفارغة، فذهبت إليه إحدى المضيفات وطلبت منه عدم التحرك لاعتراض بعض الركاب على هذه التحركات بحجة أنه يمكن أن ينقل الفيروس دون أن يدري، وحدث نقاش كان مسموعا من المحيطين من الركاب، ثم التزم الراكب بما طلبت منه المضيفة.

خلال الرحلة اطلعت على عدد من الصحف والمجلات الإنجليزية التي كانت معي، وأغلبها كانت تتحدث عن تطور فيروس كورونا، وبدايته في الصين وانتشاره بعد ذلك في باقي الدول، وزيادة أعداد المصابين والوفيات وكانت إيطاليا في الذروة، وإصابة رئيس وزراء بريطانيا ودخوله الحجر المنزلي..

هذا كله دفع الفرد إلى التأمل والتفكير في الوضع الراهن، وتبادر إلى الذهن عدد من التساؤلات حول هذا الموضوع، وحالة الهلع التي يمر بها العالم. وكان من ضمن ما تبادر إلى الذهن حول قضية الموت، لأن الحالة التي وصل إليها العالم متسارعة، وخصوصا كما يقول المتخصصون أن ما وصلنا إليه في مناطق كثيرة من العالم لم يبلغ حالة الذروة بعد، فالمتوقع أن تزداد الإصابات وبالتالي حالات الوفاة، بل توقع البعض أن يصل الوباء إلى نتائج مشابهة لوباء الإنفلونزا الإسبانية الذي حدث في العالم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والذي نتج عنه أكثر من 40 مليون حالة وفاة، وذلك حسب بعض التقديرات (والحافظ هو الله).

مما لا شك فيه أن الموت قادم قادم، ولا يوجد بشر يمكن أن يخلد في الحياة منذ خلق الله آدم عليه السلام. وهذه القناعة أكيدة الآن عند المتدينين بأي ديانة، أو عند غير المتدينين أو حتى الملحدين الذين لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى. والخلاف دائما هو حول أن الإنسان يريد أن يعيش أطول ويعمّر. أكثر وقد تطول أعمار البشر إلى مئات السنين، مثل أيام سيدنا نوح، فقد ظل يدعو قومه حوالي 950 عاما قبل أن يأتي الطوفان الذي لم ينج منه إلا الذين آمنو مع نبي الله نوح وركبوا في سفينته. واختلفت بعد ذلك متوسطات أعمار البشرية، ومهما اختلفت تلك المتوسطات فكما قلت هو من اليقين عند كل البشر الآن أن الموت قادم. قد يكون في السابق وقديما من ادعى الخلود كمن ادعى الألوهية، مثل فرعون والنمرود وغيرهما، ولكن الآن لم يعد هناك أحد يجرؤ على مثل هذا الادعاء. إذاً فقضية الموت لم تعد هل يقع أو لا يقع، ولكن القضية هي متى يقع؟ وهل يمكن تأخيره أو تأجيله؟ بالتأكيد بالنسبة للمسلمين والمؤمنين هذا موضوع محسوم ومقدر، ولكن بالنسبة لباقي البشرية فهذه القضية تعود للشخص نفسة؛ كيف ينظر للحياة ووجوده فيها.

إن العالم اليوم يعيش مرحله لم يعشها من قبل، على الأقل خلال الألف عام الماضية، من حيث متوسطات الأعمار. فحسب الإحصائيات التي أصدرتها الأمم المتحدة عام 2019 بمناسبة الاحتفال بيوم المسنين، فإن متوسط عمر الإنسان المتوقع بلغ 72 سنة، في حين أنه في نهاية الخمسينيات لم يكن يتجاوز الخمسين عاما. وإن إعداد السكان ممن هم تجاوز الستين عاما يمثلون الآن 7.8 في المئة من إجمالي سكان العالم، في حين أن عدد السكان من حديثي الولادة (0-4 سنوات) لم يتجاوز7.5 في المئة، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 2019، وهذا لم يحدث من قبل، منذ بدايات رصد تطور أعداد السكان على المستوى العالمي، وبالتالي أصبحنا الآن لا نستخدم شكل الهرم للتعبير عن الشرائح العمرية للسكان في العالم، فبدأ الخبراء يتحدثون عن شكل القبة السكانية بدلا من الهرم السكاني. وهذا كان نتيجة التقدم الطبي بالنسبة للمسنين، ورفض الشباب لنظام الحياة القائم بالنسبة قلة عدد المواليد.

وها قد جاء ما يضع هذا التقدم الطبي على المحك، فالفيروس المنتشر يمثل تحديا للتقدم العلمي في المجال الصحي، ومن المتوقع كما تقول الدراسات أن يستمر هذا التحدي وقد يحصد العديد والعديد من الأرواح قبل أن يستطيع العلماء أن يكتشفوا اللقاح أو المصل الذي يستطيع التغلب على الفيروس. كما أنه أثبت من جانب آخر فشل نظام الحياة التي نعيشها الآن، ولا أعتقد (والله أعلم) أن العالم سيتغير، بل سيخرج من هذه الأزمة أكثر ظلما وأشد فتكا مما حدث بعد وباء بداية القرن الماضي، والذي نتج عنه ما يزيد عن أربعين مليون من الوفيات (كما ذكرت). وتوقع الجميع أن يخرج المجتمع العالمي أكثر اتعاظا ولكن لم تمر عشرة أو خمسة عشر عاما على التغلب على الوباء حتى دخل العالم في حرب عالمية أكثر ضراوة، ونتج عنها أكثر من 65 مليون، قتيل سواء من المدنيين أو العسكريين. وخرج العالم من تلك الحرب بنظام حياة أكثر ظلما وتفرقة بين البشر وأكثر عنصرية، وكان يمثل استمرارا للنظام الذي كان سابقا، بل وأكثر سوءا.

لقد توفي الرسول الكريم الخاتم أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام وعمره في حدود 63 عاما، وترك للبشرية أسس نظام الحياة الذي ارتضاه الخالق سبحانه وتعالى للبشرية وحتى قيام الساعة. وهذا النظام أثبت أنه أفضل النظم ليعيش الإنسان أفضل حياة على وجه الأرض (مهما طالت أو قصرت) استعدادا للحياة الأبدية عند رب العالمين. وهذا النظام يمكن أن يمثل أستاذية للعالم أجمع في ظل ما يعيشه من صراعات. ولكن الإنسان ونتيجة العقل غير المنضبط بذلك النظام الرباني فإنه دائما ما يسعى إلى إثبات أن نظامه للحياة الذي يطبقه هو أفضل، وأن على العالم أجمع أن يتبع نظامه البشري غير الصالح للحياة، بل ويعتبر أن له الأستاذية. وقد ثبت فشل هذا النظام عدة مرات على مدار التاريخ، ولكن العالم لا يتعظ. وسوف نظل ندور في تلك الحلقة المفرغة حتى يتقدم من يملك نظام الحياة الأفضل ويقدم النموذج والقدوة.

وأخيرا وصلت الطائرة إلى المطار المقصود، ولم تفتح سلطات المطار أبواب الطائرة إلا بعد 45 دقيقة بسبب تخلية صالات الجوازات من كل المسافرين، وعلى أبواب الطائرة تم الاستقبال بتعليمات الحجر الصحي لمدة 14 يوما لكل الركاب. وهنا توقف التفكير عن استكمال إجابة السؤال: هل نخاف من الموت؟؟ حفظ الله الجميع وعافاهم من كل مرض أو سوء، كورونا أو غيره..

والله المستعان وهو من وراء القصد...
التعليقات (0)