قضايا وآراء

المعلوماتية والذكاء الاصطناعي في خدمة السنة النبوية والدفاع عنها (2)

أحمد عمران
1300x600
1300x600
تناولت في مقالي السابق ما تواجهه السنة النبوية المطهرة من هجمة معلوماتية ممنهجة وشرسة على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وتُستخدم في هذه الهجمة أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والمعلوماتية (Artificial Intelligent and Data Science)، وأنظمة الروبوتات (Robots) المتقدمة والمدعومة بتمويل مفتوح من مؤسسات كبيرة ومعروفة أهدافها.

وتناولت في مقالي السابق أسباب هذه الهجمة والعوامل التي أدت إليها، والأسباب التي زادت من حدتها، حيث غياب المشروعات التقنية المتخصصة لصد هذه الهجمة ونشر وتحقيق صحيح السنة النبوية والدفاع عنها. ورغم وفرة العقول المسلمة المتخصصة، إلا أن ندرة العمل المؤسسي وغياب الإرادة الحقيقية من الجهات المختصة وندرة الموارد المالية المستثمرة في هذا الاتجاه.. أدى كل ذلك إلى عدم وجود مشروع تقني واحد متكامل للدفاع عن السنة المطهرة.

كذلك، اتجاه بعض الشركات التقنية المتخصصة في المحتوى العربي من الربح من تطبيقات كان من الأجدر بهم ونشرها وإتاحتها للبناء البحثي عليها من قبل طلاب العلم، مما أعاق كثيرا الباحثين والمهتمين في تطوير المحتوى والأدوات التي يمكنها الاستفادة من هذا المحتوى وإتاحة المعارف المستنبطة منها.

والمشروع التقني المستهدف هنا يمكن تبسيط أهدافه في عدة نقاط، أهمها: الهدف الأول ويتلخص في تطوير مكون ذكي لتتبع محتوى الإنترنت الخاص بالحديث الشريف ومحاكاة منهجية المحدثين الثقات في تحقيق هذا المحتوى من حيث السند والمتن، حيث معارف الثقات منهم من خلال النظم المعرفية الذكية Knowledge Based Systems المتخصصة في ذلك.

وهذا المكون لا يستهدف أن يحل محل المحدثين والمختصين بعلم الحديث في التحقيق، بل هو مكون تقني لدعمهم ومساعدتهم لحفظ الوقت والدقة ولنقل الخبرات وتبادلها. وفضلا عن ذلك، يدعم هذا المكون التحليل النصي لمحتوى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، جنبا إلى جنب، لدعمه التفاعلي المتزامن للمحتوى الصوتي للمتحدثين على الهواء، حيث يقوم بإظهار إشعارات لكل ما يُقال من أحاديث لتبين تحقيق هذه الأحاديث من حيث الصحة سواء للمتن أو للسند أو الإثنين معا.

أما الهدف الثاني، فيتلخص في تطوير مكون البصمة المعرفية للنبي الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - ويُعد تطوير البصمة التقنية المعرفية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، من خلال تحليل المتون الخاصة بالحديث الشريف من أبرز التطورات في مجال المعالجة الآلية للنصوص والذكاء الاصطناعي،  وتستخدم النماذج الرياضية Mathematical Models العديدة من أجل تحديد عمل بصمة معرفية للأشخاص بشكل عام من خلال نصوص تصريحاتهم المثبتة أو حواراتهم التلفزيونية.

ولسيدنا الحبيب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلوب متفرد في متون الحديث يمكن من خلاله تطوير بصمة معرفية تساعد بشكل أولي مرحلة أولية تسمي التنبؤ (Prediction Phase) في تحقيق المتون الموجودة على الإنترنت. ويمكن الاعتماد على المتون الموجودة في الأحاديث الصحيحة، رغم حجمها القليل نسبيا للاحتياجات القياسية العملية لدقة عمليات التعلم في نماذج التعلم العصبية العميقة  Deep Learning Models.

والهدف الثالث يمكن بلورته من خلال تطوير قاعدة بيانات شبكية هيكلية للأحاديث  Structure Graph Network وشبكة إسنادها ومتونها، كما جاءت في أشهر الصحاح. كذلك، استحداث مستودعات معرفية رقمية Repository of Knowledge Base للرواة، ومصفوفة الثقة الخاصة بهم بشكل ذكي وتفاعلي.

أما عن مكون الشبكة المتعددة الأبعاد لسلاسل الإسناد والرواية، والتي يمكن تمثيلها بهيكل بيانات أو ما يسمى ”بشبكة“ في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي. وهيكل البيانات الشبكي بشكل مبسط هو أن تمثيل سلاسل الإسناد على هيئة شبكة حيث النقاط تمثل الرواة وروابط الاتصال بين النقاط تبين العلاقة بين راو وآخر.

ويمكن استخدام هيكل هذه الشبكة دراسة آلاف الأسئلة التي قد تدور في عقول العلماء إذا تم تصوير سلاسل الرواة على أنها مسارات في شبكة بيانات. على سبيل المثال الإجابة على: ما هو المسار الأكثر استيفاء الشروط العدل بين الراوي (س) والراوي (ص)؟، وإذا كان لدينا عدة أسانيد (مسارات في الشبكة) هل يوجد راوي مشترك بينها؟، وهكذا.

ثم يأتي الهدف الرابع ودوره في تطوير مكون رئيس وهام، وهو مؤشر(مصفوفة) الثقة  Credibility Index فبالإضافة إلى هيكل الشبكة المجردة، يوجد سجل لكل نقطة تخزن فيها البيانات الخاصة بالراوي، كنسبة وتاريخ ميلاده وعام وفاته وأساتذته وتلاميذه وتواصله مع علماء عصره وتقييم الثقات له، ومعلومات أخرى نستطيع من خلالها مساعدة علماء الحديث للوصول إلى الكثير من الاستنتاجات الهامة لهم.

وفضلا عن ذلك هناك الاحتياج للمكونات التي تعظم الاستفادة من خوارزميات المعالجة الآلية للنصوص اللغات الحيّة Natural Language Processing لتقييم المحتوى (المتن)، وأخيرا، تقنيات تصويرية تفاعلية لتسهيل الاستخدام وجعله شيق وفعال.

وهناك العديد من المكونات الأخرى التي تتكامل فيها النماذج الكمية والكيفية لتحقيق الهدف الرئيس من هذه المكونات المقترحة، والتي سوف أتطرق إليها وإلى آليات التنفيذ في المقال التالي بإذن الله تعالى.
التعليقات (0)