مقالات مختارة

هل ستُطوى صفحة "التعاون الخليجى"؟

عمرو الشوبكي
1300x600
1300x600

نجح مجلس التعاون الخليجي في تجاوز أزمات كثيرة واجهته منذ تأسيسه في 25 مايو 1981، واستمر كواحدة من أبرز المنظمات الإقليمية الفاعلة عربيًا وإقليميًا ودوليًا، ويكاد يكون هو المنظمة العربية الوحيدة التي ظلت تعمل رغم أزمات كثيرة مرت بها مقارنة بما جرى للاتحاد المغاربي وغيره من تجارب الاتحادات العربية.

والحقيقة أن مجلس التعاون الخليجي كان تجربة نجاح واضحة في داخل النظام الإقليمي العربي بعد تراجع دور الجامعة العربية واختفاء كل المنظمات الإقليمية العربية، فقد تأسس المجلس معتمدًا على إرث ثقافي مشترك بين شعوب الجزيرة العربية، وأيضًا تقارب في المستوى الاقتصادي وتفاهم حول ترتيب التحديات الخارجية، فتأسس كيان صمد لعقود على أساس التجانس الثقافي والتفاهم السياسي والمصلحة الاقتصادية.

ولم يهتم المجلس بالشعارات السياسية ولا الهتافات الوحدوية، إنما أسس «اتحاد مواطنين» سمح فيه لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي بالتنقل دون تأشيرة والعمل والاستثمار والتملك في أي دولة خليجية، وانتظر كثيرون خطوة تاريخية جديدة، وهي العملة الخليجية الموحدة، ولكنها تراجعت أمام الخلاف القطري الخليجي، ثم بدا تحقيق هذا الهدف حلمًا بعد أن اتضح وجود تنافس اقتصادي سعودي- إماراتي، من شأنه في حال تفاقمه أن يعطل من مسيرة المجلس وربما يحوله إلى منظمة تحمل من كلمة التعاون اسمها فقط.

والمؤكد أن كل تجارب التنسيق أو الاتحاد الإقليمي الناجحة في العالم كله، سواء كان الاتحاد الأوروبي أو اتحاد دول جنوب شرق آسيا (الأسيان)، أو اتحاد دول أمريكا الجنوبية، وحتى مجلس التعاون الخليجي، قامت جميعها على ضرورة إيجاد صيغة تكاملية بين المصلحة الوطنية لكل دولة ومصالح الكيان أو المؤسسة التي ينتمون إليها.

وقد اعتبر مجلس التعاون الخليجي أن التنسيق بين أعضائه حول اتفاقات للتجارة الحرة أو إعطاء تسهيلات لشركات دولية هو في صالح كل دولة وفي صالح كيان مجلس التعاون ولا يجب أن تنفرد به دولة واحدة.

والمؤكد أن الأزمة التي حدثت بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، واستمرت حوالي 3 سنوات، وانتهت جزئيًا في «قمة العلا» التي دعت لها المملكة العربية السعودية، وأعادت المياه إلى مجاريها بين الأخيرة وقطر، في حين ظلت علاقة الدوحة مع الإمارات بها شوائب كثيرة ولايزال يحكمها التنافس على دعم مشاريع سياسية وأيديولوجية متناقضة في المنطقة العربية والشرق الأوسط.

والحقيقة أن الخلاف مع قطر كان في جانب رئيسي منه خلافًا سياسيًا على توجه وخيارات بعينها، أما بوادر وجود خلاف سعودي- إماراتي سيكون له آثاره، لأنه من ناحية يأتي بين بلدين هما الأكثر قربًا والأكثر حضورًا على الساحتين العربية والدولية بين دول مجلس التعاون الخليجي، كما أنهما مثَّلا في الجوهر حلفًا وخطًا واحدًا حتى لو اختلفا حول بعض الممارسات وتباينت مواقفهما من بعض الملفات (كاليمن مثلًا)، وإن هذه التباينات لا يجب أن تُنقل أو تُعوض في ملفات اقتصادية، لأنه سيعني في حال تعمقها لا قدر الله إنهاء لصيغة عربية يتيمة ناجحة، تلك التي مثلها مجلس التعاون الخليجي.

والحقيقة أن ما نشرته العرب نيوز (السعودية)، أمس الأول، على موقعها الإخباري، بأن السعودية تنوي التوقيع على اتفاق للتجارة الحرة مع 11 دولة، منها دول عظمى ثرية (أمريكا وبريطانيا) ودول نامية وفقيرة (بنجلاديش وباكستان وسيرلانكا والهند)، يمثل تناقضًا مع الاتفاقية الخليجية الاقتصادية، ومع ما سبق أن تمسكت به السعودية في قمة البحرين في 2004، حيث اعتبرت أن أي اتفاقيات ثنائية لا تؤيدها باقي الدول أمر لا يتماشى مع مصالح المجلس وأعضائه.

والحقيقة أن السعودية، باعتبارها الدولة الأكبر والأهم في مجلس التعاون الخليجي، هي بشكل عملي، وبعيدًا عن أي شعارات، قائدة فعلية لهذا المجلس، وكثيرًا ما قدمت تنازلات للدول الأخرى، وتجاوزت عن هنات هنا أو هناك من أجل «الصالح العام» ومن أجل الحفاظ على كيان المجلس، خاصة أنها الدولة العربية والخليجية الأكثر قلقًا وتخوفًا من تنامي النفوذ الإيراني، بما يعني أن الحفاظ على مجلس التعاون مصلحة سعودية عليا قبل أن يكون مصلحة خليجية، وأن الخلاف حول التفاصيل أو رفض بعض القرارات لدولة أو لأخرى لا يجب أن يؤدي إلى اهتزاز الثقة في جدوى التحالف الاقتصادي بين دول المجلس الست.

سيظل البعد الاقتصادي حاضرًا بقوة في صيغة مجلس التعاون الخليجي، وإن خلخلة هذا البعد أو شعور أي دولة داخله بأن مصالحها مستهدفة بقرار من أي دولة من أعضائه سيعني عمليًا نهاية صيغة النجاح التي حافظ عليها المجلس رغم مشاكله، وحتى لو استمر فسيصبح مثل السيارة الفارهة التي ليس بها موتور.

لا يجب التعامل مع مجلس التعاون على أنه «شكل» مثل كثير من مؤسساتنا العربية، ومن المفيد للجميع جعل الخطوات الاقتصادية التي تتخذها أي دولة منسجمة مع قواعد المجلس ومصالح باقي الدول الأعضاء، حتى تحافظ دول المجلس على كيان عربي قوى ومؤثر، ولا تكتفي بالشكوى من تزايد النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، وننسى أو نتناسى أن العرب لم يقدموا نموذج نجاح رغم أن مجلس التعاون الخليجي كان قريبًا من تحقيقه ولو في بعض الجوانب.

 

نقلا عن "المصري اليوم"

 

0
التعليقات (0)