كتب

الإسلاموفوبيا.. محاولة في ترسيم العلاقة بين الإسلام والغرب

المشكلة بين الإسلام والغرب متبادلة، تتمثل في سوء فهم الإسلام من قبل الغرب وفهم الغرب من طرف المسلمين
المشكلة بين الإسلام والغرب متبادلة، تتمثل في سوء فهم الإسلام من قبل الغرب وفهم الغرب من طرف المسلمين

الكتاب: "الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب: نحو مقاربة تأصيلية تفكيكية لظاهرة الإسلاموفوبيا"
الكاتب: التجاني بولعوالي
الناشر: أفريقيا الشرق- المغرب
سنة الإصدار: 2021
عدد الصفحات: 272 صفحة


استأثرت ظاهرة الإسلاموفوبيا بكم هائل من الدراسات والبحوث الأكاديمية فضلا عن التقارير الإعلامية، وتكثف زاوية معالجة أغلب هذه المساهمات على رصد الظاهرة، وتقديم وصف دقيق لمظاهرها المختلفة، ومحاولة فهم أسبابها ومحدداتها، وجذورها في العقل الغربي عموما والأوربي خصوصا، فيما اتجهت مساهمات أخرى إلى بحث خلفياتها ودراسة آثارها وتداعياتها على الاستقرار السياسي وعلى السلم الاجتماعي في عدد من الدول الغربية، فضلا عن أثرها في العلاقات بين الدول الغربية والدول المسلمة. 

 لكن هذه الوفرة من الدراسات، لا تعني بأن الكفاية قد تحققت بدراسة هذه الظاهرة، وأن فهم محدداتها وأبعادها وتداعياتها، قد تحصل بالجهود السابقة، فالصور التي يعاد بها إنتاج هذه الظاهرة، فضلا عن تحولاتها والتوظيف الإيديولوجي المستمر لها، لاسيما من قبل تيارات اليمين المتطرف الأوربي، تفرض الدراسة العميقة لها، والمزاوجة بين عملية الفهم الاستراتيجي، وبين استثمار هذه المعرفة في بناء علاقات تعارفية متوازنة بين الإسلام والغرب.

والواقع، أن هذا التراكم البحثي والرصدي لهذه الظاهرة، ساهم في تحقيق نقلات نوعية في النظرة إلى الإسلام وإلى الغرب على حد سواء، فقد تكسرت العديد من الصور النمطية التي كانت ترسخها الآلة الإعلامية الغربية المشيطنة للإسلام،  كما أن الغرب في مخيال المسلمين ونظرهم، لم يعد ذلك الغرب (الكل المتجانس) الاستعماري الذي يتحرك من وحي خلفيته العدائية للإسلام والمسلمين، بل ساهم هذا التراكم المعرفي، في تنسيب النظرة إلى الغرب، وفرز مكوناته، وتمييز بعضها عن بعض. فأصبح المسلمون، يميزون بين غرب هانغتنتون (الصراع الحضاري) وبين الغرب الإنساني (هونكه، لورا فاليري، هانس كونغ....)، فتحصل من ذلك كله، تحول في النظرة والفهم لكل من الإسلام والغرب، وذلك بفضل الجهود المعرفية التي بذلت من الطرفين (الإسلام والغرب) اتجاه بعضهما البعض.

من فهم "الإسلاموفوبيا" إلى تبديد الخوف

يندرج كتاب الدكتور التجاني بولعوالي ضمن الجهود المعرفية الجدية التي حاولت تجاوز الأبعاد الوصفية لظاهرة الإسلاموفوبيا، والانطلاق منها إلى عملية الفهم والتفسير، عبر اعتماد مقاربة تفكيكية، وضعت نصب عينها التنقيب عن الجذور النفسية والواقعية لظاهرة الإسلاموفوبيا، منطلقة من فرضية مهمة وضعت طوال البحث قيد الاختبار، وهي أن الخوف ليس أحادي الاتجاه من الإسلام، فقط كما تروج لذلك بعض الأدبيات المؤدلجة، وإنما هو خوف متبادل بين الإسلام والغرب، كما تؤكد رؤى عديد من الفلاسفة والخبراء والباحثون الغربيون.

على أن مساهمة التجاني بولعوالي لم تتوقف عند حدود الفهم والتفسير، بل اتجهت إلى التركيب، أو بالأحرى إلى التغيير، وذلك بمحاولة التعمق في اجتراح البدائل الممكنة والطرائق المسعفة لتبديد هذا الخوف بين الطرفين.

تكتسي هذه المحاولة الأكاديمية الجادة أهمية كبرى، وذلك من ثلاث زوايا أساسية: أولها، هو طبيعة الموضوع، بل طبيعة المقاربة، التي تجمع بين التفسير والتركيب أو محاولة التغيير (تبديد الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب). وثانيها، هو الخلفية الأكاديمية والإعلامية للباحث، فالرجل، يجمع بين الخبرة الأكاديمية الجامعية، وبين خبرة معتبرة في العمل الإعلامي في أوروبا، ساعدته على تتبع ظاهرة الإسلاموفوبيا بمختلف مظاهرها وتعبيراتها. أما الثالثة، فتعود إلى خبرة الرجل بالمجتمع الأوروبي، وبشكل خاص البلجيكي والهولندي (المجال الذي يستقر ويعمل به، ويمارس عمله الأكاديمي والإعلامي فيه). 

فهذا الاحتكاك مع المجتمع الأوروبي، من موقع الخبرة الأكاديمية والإعلامية، ساعد الكاتب في الاقتراب من الظاهرة، وفهم محدداتها، وتتبع أغلب تعبيراتها لاسيما في المجتمع الهولندي (الأكثر تخوفا من الإسلام).

منذ البدء، يقرر الكاتب حقيقة أساسية، كون أي محاولة جدية لتجاوز الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب، تفترض الإقرار بحدوث تحولات مهمة للإسلام (وللوجود الإسلامي) في أوروبا، فلم يعد مسلمو الغرب، يمثلون الصورة التقليدية، للمسلمين القادمين إلى أوروبا من بلدانهم الأصلية، بل صاروا يمثلون جزءا أساسيا من الهوية الأوروبية. كما أن الغرب نفسه، عرف تحولات مهمة في نظرته إلى الإسلام، وذلك بفضل أدبيات معرفية موضوعية ومنصفة، ساهمت في تكسير الصورة النمطية التي كانت تروج حول الإسلام. 

وتبعا لهذه الحقيقة، يخلص الكاتب إلى أن أي محاولة لفهم ظاهرة الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب، ينبغي أن تتجاوز الرؤية التقليدية، التي تعتبر أن المشكلة في الجهل بالإسلام من قبل الغربيين، أو أن المشكلة، في عدم الاندماج مع الهوية الثقافية الأوروبية، بسبب جينات ثقافية توجد في الإسلام تقاوم هذا الاندماج.

وهكذا فالأطروحة التي سعى الكتاب إلى المرافعة عنها بحثيا، وهي أن المشكلة متبادلة، تتمثل في سوء الفهم: فهم الإسلام من قبل الغرب، وفهم الغرب من طرف المسلمين.

ومما ساعد الباحث في تعزيز هذه الأطروحة، هو المنهج التفكيكي (دريدا) الذي انتهجه، والذي جعله يتحرر من المركزية الأوروبية، ويضع كل شيء في دائرة التساؤل والشك، ويرسخ مفهوم التعدد، ويفسح المجال لتفهم الهويات والثقافات المختلفة، بإعمال مبدأ الاختلاف واحترام الآخر.

هل الخوف من الإسلام حقيقة أم وهم؟

خصص الكاتب القسم الأول من كتابه لتأطير هذا السؤال بالمدارسة العلمية، إذ حاول أن يستوعب مختلف حيثيات وأبعاد العلاقة بين الإسلام والغرب التي تصور على أنها تبنى على الخوف والحذر والتشنج، حيث تطرق في الفصل الأول، إلى المفارقة الرمزية واللغوية التي تحكم ثنائية الإسلام والغرب، حيث يعمل كل طرف بلعب دور الضحية في مسرحية رتيبة وطويلة لا تريد أن تتوقف، فيتعزز هذا الخوف بالرؤية التي  ترسخها بعض الأدبيات الغربية التي تعبر الوجود الإسلامي في أوربا خطرا يتهدد المجتمعات الغربية ومصالحها، كما يتعزز في الطرف المقابل، بالاعتقادات التي يحملها المسلمون  عن الغرب، وكون الهيمنة الغربية تسعى إلى تخريب المنظومة الأخلاقية الإسلامية من خلال تجدير أنساقها الثقافية الحداثية المابعد الحداثية والعلمانية والعولمية.

 

يخلص الكاتب إلى أن أي محاولة لفهم ظاهرة الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب، ينبغي أن تتجاوز الرؤية التقليدية، التي تعتبر أن المشكلة في الجهل بالإسلام من قبل الغربيين، أو أن المشكلة، في عدم الاندماج مع الهوية الثقافية الأوروبية، بسبب جينات ثقافية توجد في الإسلام تقاوم هذا الاندماج.

 



أما الفصل الثاني من هذا القسم، فقد خصصه الكاتب لتقعيد جملة من المصطلحات التأسيسية، التي ترتبط بشكل وثيق بمسألة الإسلاموفوبيا، فحاول تأطير مفردات: (الخوف، الفوبيا، الأكيوينوفوبيا، الإسلاموفوبيا..) وغيرها مما له صلة بمجال البحث وحقله، حيث انتهى في هذا الفصل إلى تسجيل مفارقة مهمة، تتعلق بعنصرية الأطروحة التي تعتبر أن الإسلام هو منبع الخوف والتهديد، وكون هذه الأطروحة تتعارض مطلقا مع روح الديمقراطية الغربية ومبادئ حقوق الإنسان العالمية التي ترفض كل أشكال التمييز والعنصرية.

وقد تناول الكاتب في الفصل الثالث من هذا القسم مسألة الخوف المتبادل بين الإسلام والغرب، مقررا خلاصة مهمة، وهي أن الجهل المتبادل بين الإسلام والغرب، من شأنه أن يفضي إلى خوف متبادل، وأن ما يطلق عليه "الأمية الأخلاقية" التي يتقاطع فيها الجهل بالآخر، بالرفض العفوي أو الواعي له، يترتب عنه ضرورة، عولمة الخوف من الآخر، ليخلص الباحث إلى خلاصة مقابلة، ترى أن تبديد الجهل، بين الطرفين، يجعل الرفض يستحيل إلى قبول، ويحول الخوف إلى تقبل.

ويتعرض الكاتب في الفصل الرابع من هذا القسم، إلى ظاهرة المسلمين الجدد في أوربا، أو ظاهرة الإقبال الكثيف على الإسلام من قبل الأوربيين، وكيف تتحول هذه الظاهرة في نظر الغرب إلى خوف غير مبرر، ويفسر ذلك أيضا بظاهرة الجهل المتبادل بين الطرفين، ويطرح الكاتب هذه القضية (تفسير هذه الظاهرة) للبحث والمدارسة (في الفصل الخامس) محاولا اكتشاف الأسباب الخفية التي تدفع الإنسان لاغربي المعاصر إلى اعتناق الدين الإسلامي، حيث استعان بكتاب الكاتبة البلجيكية (كلارا صابين) الذي حرك دخول ابنها إلى الإسلام وهو في ذروة الشباب فضولها للبحث في الإسلام، فدفعها ذلك إلى التغلغل في حياة المسلمين لاكتشاف سبب اعتناق ابنها للإسلام، لتخوض حرب التحلل والتحرر من البروباغندا الإعلامية، لتخلص في كتابها إلى عدم وجود أي مبرر للتخوف من الإسلام.

صناعة الخوف من الإسلام

خصص الكاتب القسم الثاني لكتابه لبحث ظاهرة صناعة الخوف من الإسلام في أوربا، مركزا بشكل رئيس على الفضاء الهولندي والبلجيكي، إذ لم يكتف باستبانة تجليات الخوف المتوهم من الإسلام فقط، بل حاول تفكيك جملة من بنى ظاهرة الإسلاموفوبيا وأنساقها، قصد الكشف عن الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام وتفسيرات السياسيين وأقلام الكتاب المؤدلجين في صناعة الخوف من الإسلام والأجانب.

وقد تناول الباحث هذا القسم في أربعة فصول أساسية، عرض في الأول، رؤية الفيلسوفة الأمريكية مارتا نوسباوم الموضوعية حول إشكالية اللاتسامح الديني المعاصر اتجاه الإسلام والمسلمين، في حين خصص الفصل الثاني، لبيان الصور والأدوات التي يشتغل بها الإعلام الغربي لتعزيز ظاهرة الخوف من الإسلام، وكيف يتفنن في استعمال آليات التنميط والتضخيم والإحصائيات، مما يسقطه في التوظيف الإيديولوجي المتجرد من الموضوعية والإنصاف. 

واختار الباحث في الفصل الثالث والرابع عرض نموذجين ركز عليهما الإعلام الغربي في تعزيز وصناعة ظاهرة الخوف، وذلك باستحضار السياق الهولندي، وهما نموذج الهجرة السرية، ونموذج الإرهاب. وتوقف الكاتب على عينات مهمة من التعبيرات الإعلامية الهولندية في هذين المحورين، يغذيان النفس الإيديولوجي، ويخدمان أجندات توجهات متطرفة تعادي كل ما هو أجنبي. وحتى تكتمل صورة هذه العينات، فقد عرض الباحث في الفصل الخامس، نماذج من تأثير اليمين المتطرف الهولندي في تكييف التعبيرات الإعلامية التي تزكي ثقافة الخوف من الإسلام وشيطنته، وكونه يمثل تهديدا للغرب ومصالحه، إذ حاول الباحث الوقوف عند أفكار هذا التيار، وكيف تناول العديد من القضايا المتعلقة بالإسلام. وفي علاقة بهذا الموضوع، أفرد الباحث في الفصل السادس من هذا القسم، الرؤية التي يحملها الإعلام الغربي لما يسمى بظاهرة الإسلام السياسي، وكيف يتم استثمار هذه الظاهرة لتعزيز مزيد من الخوف من الإسلام، دون فرز بين مكونات الإسلام السياسي، ولا تمييز بين المعتدلين والمتطرفين.

تبديد الخوف من الإسلام.. مساهمة في التركيب

حاول الكاتب في القسم الثالث من كتابه بحث الآليات الممكنة للتخفيف من وطأة التشويه الممنهج للإسلام والمسلمين، وتبديد بعض تجليات الخوف المتبادل لين الإسلام والغرب، حيث استثمر الكاتب من حقول معرفية مختلفة (الفلسفة، الاجتماع، والاقتصاد، الإعلام) مستثمرا في ذلك الطفرة النوعية التي حدثت على مستوى الوجود الإسلامي في أوربا، وكيف حصل التأقلم الإيجابي مع بقية مكونات المجتمع الغربي، وكيف ساهم ذلك في خلخلة الصور النمطية حول الإسلام في أوروبا.

وقد استفاد الباحث في حقل الفلسفة من الجهود المعرفية التي بذلها بعض الفلاسفة الغربيين لمواجهة تأثيرات المنظومات الإعلامية التي تضطلع بوظيفة صناعة الخوف، فقدم في الفصل الأول من هذا القسم، تجربة كل من الفيلسوف الفرنسي تزفيتان تودوروف في كتابة "الخوف من البرابرة" والفيلسوفة الأمريكية مارتا نوسباوم في كتابها عن سياسة اللاتسامح الديني.

في حين استفاد الباحث من حقل علم الاجتماع، في الفصل الثاني، فعرض لظاهرة الإسلاموفوبيا باعتبارها فصلا من فصول العنصرية الجديدة، محاولا تفسيرها بتصاعد موجة المد العنصري في أوربا ضد المسلمين والأجانب، وكيف يترتب عن هذه السياسة العنصرية ظاهرة الانعزال عن المجتمع، لاسيما لدى فئة من الشباب المسلم، وأن من شأن هذا أن يهدد التماسك الاجتماعي، ليلخص الكاتب من ذلك إلى توصية مهمة تتعلق بضرورة وحيوية واستراتيجية مواجهة الإسلاموفوبيا لتأمين التماسك الاجتماعي في أوروبا.

أما في الفصل الثالث، فقد حاول الكاتب استثمار معطيات الحقل الاقتصادي، للكشف عن طبيعة الصلة بين الإسلاموفوبيا وبين الأزمة الاقتصادية المعاصرة في بعض البلدان الأوربية، حيث غالبا ما تعلق  وسائل الإعلام المروجة للخوف من الإسلام الأزمة الاقتصادية بمشجب الشريحة المسلمة والأجنبية، وتعتبرها المسؤولة عنها، وذلك بالتركيز على الهجرة وكونها تشكل السبب الرئيس في الأزمة، في حين تبين المؤشرات الاقتصادية أن الهجرة لعبت دورا محوريا في الانتعاشة الاقتصادية في الدول الغربية، وكيف ساهم المسلمون (المهاجرون إلى أوربا) في الستينات والسبعينيات في تقوية وتنشيط اقتصاديات البلدان التي استقروا بها.

واستثمر الباحث في الفصل الرابع من هذا القسم الحقل الإعلامي، مقترحا ضرورة الانتقال في التعامل مع الإسلام من الطور الإشكالي، الذي يركز على مشاكل المسلمين في الغرب، إلى الطور الإسهامي الذي يطرح الإسلام كجزء من الحل في الأزمة التي تعاني منها أوربا وكيف يمكن أن يشكل الوجود الإسلامي دورا أساسيا في تعميق التماسك الاجتماعي وتقوية فعالية المجتمع.

وقد فضل الباحث في الفصل ألأخير من هذا الكتاب أن يتعرض لمسألة المواطنة، مؤكدا محوريتها في تبديد الخوف المتبادل لبين الإسلام والغرب.

وعلى العموم، فالكتاب يقدم مادة معرفية مهمة، تجمع بين البعد التأصيلي والتفكيكي والتركيبي،  وتضع أمام القارئ عينات مهمة ومتباينة من التعبيرات الغربية التي تكرس ثقافة الخوف من  الإسلام، تحصلت لدى الكاتب من المتابعة الدقيقة لمخرجات الإعلام البلجيكي والهولندي خاصة.


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل