مقالات مختارة

ما بعد المليونية

عمرو الشوبكي
1300x600
1300x600

شارك مئات الآلاف من أبناء الشعب السوداني في مظاهرات حاشدة طافت عشرات المدن السودانية، وسقط فيها ثلاثة قتلى وعشرات المصابين، وطالبت بمدنية الدولة ورفضت إجراءات الفريق عبدالفتاح البرهان الأخيرة، ورفعت صور رئيس الوزراء المعزول عبدالله حمدوك.

والمؤكد أن هذه المظاهرات تمثل ورقة ضغط حقيقية على قائد الجيش، وتؤكد على أن المعادلة السياسية فى السودان متعددة الأطراف وليست حكرًا على طرف واحد، فكما لا يمكن تجاهل تأثير جناح الحرية والتغيير (المجلس المركزى) ومعه تجمع المهنيين السودانيين وغيرهما فى الحشد والتعبئة ضد إجراءات البرهان، فإنه لا يمكن تجاهل وجود قوى أخرى تقليدية ومعها تيار من الحرية والتغيير نفسها (مجموعة الميثاق الوطنى) تؤيد قرارات البرهان وتراها إصلاحًا للمسار.

ورغم أن هذا النوع من المليونيات يمثل ورقة ضغط مشروعة فى يد الشعب من أجل تحقيق مطالبه فى بناء دولة مدنية ديمقراطية، إلا أنها لا يمكن أن تحقق هذا الهدف إلا بشرطين: أولًا أن تنتج مشروعًا سياسيًا بديلًا قادرًا على أن يحل ولو جانبًا من مشاكل الناس المتفاقمة، والثانى ألا ينظر بشكل إقصائى لباقى أطياف المجتمع، ويعتبر أن الشعب هو فقط من يشارك فى الاحتجاجات، أما الذين رفضوها فهم إما فلولًا أو «عملاء للعسكر» وليسوا مواطنين كاملى الأهلية لهم رأى مختلف.

إن خطورة نمط التفكير الإقصائى أنه يبدأ بالخصوم والمخالفين فى الرأى، وينتهى بالحلفاء، وهو ما جرى داخل الحرية والتغيير نفسها، حيث انقسم إلى تيارات متصارعة، وخرج منه تيار الميثاق الوطنى الذى اعتصم أمام القصر الجمهورى وطالب بحل الحكومة ورحب بتدخل الجيش.

التحدى الذى واجه السودان منذ نجاح ثورته فى إسقاط البشير هو فى وضع البلاد على طريق بناء منظومة سياسية جديدة ترى واقع المجتمع بتنوعاته، هذا الواقع يقول إن قوى الثورة دائمًا جزء من المجتمع وليست كل المجتمع، وأى تصور للبعض أن الواقع الثورى الاستثنائى هو واقع دائم ومستمر نتائجه ستكون كارثية لأنه لا يوجد مجتمع فى حالة «ثورة دائمة»، إنما هى فعل استثنائى غير مفضل بعد أن تُغلق أبواب الإصلاح.

والحقيقة أن تجارب التغيير الناجحة تنطلق من أن قوى الثورة أو القوى التى قادت الانتفاضات الشعبية مرشحة أن تقود المجتمع نحو الأفضل بإجراءات إصلاحية جراحية وليس بشعارات ثورية إقصائية، وبإصلاح مؤسسات الدولة لا استهدافها، وأن أى مجتمع فى داخله قوى محافظة وأخرى ثورية، وأن السودان لايزال فى أغلبه محافظًا وتقليديًا.

ستبقى هذه المليونيات ملهمة وإيجابية وتقول للجميع نحن- أى الشعب- هنا، ولكنها لن تكفى بمفردها لتحقيق أى تقدم أو تغيير ملموس فى حياة الناس، ما لم تبنِ مؤسسات سياسية وحزبية قوية، قادرة على أن تحمل مشاريع ورؤى قادرة على تحسين ظروف المواطن العادى الاقتصادية والاجتماعية.

 

(نقلا عن المصري اليوم)

1
التعليقات (1)
عبدالله المصري
الخميس، 04-11-2021 08:21 ص
الم ينتبه الاستاذ ان الانقلاب وقع على العلمانيين كما وقع على الإسلاميين فهل تفهم الان انك كنت مجرد أداة تمهد للانقلاب لاعادة العرب علي وضع الخراب و لا يهم من يحكم مادام سينهص بوطنه المهم ازالته و العودة للعسكر الحذاء المريح للغرب و الذي يخون و يتنازل و يبيع ارخص