قضايا وآراء

قراءة في فيلم "الإرهاب والكباب" ومسلسل "الاختيار 3"

حسام الغمري
1300x600
1300x600
حسنا فعل رأس السلطة في مصر حين استدعى على حين غرة فيلم الكاتب وحيد حامد "الإرهاب والكباب"، وإن كان استدعاؤه للفيلم في إطار نقدي لاذع، حيث أنه اتهم الفيلم بجعل المشاهد في موقف صدامي مع الدولة!!

لكن استدعاء هذا الفيلم بالضرورة سيجعل المشاهد في موقف مقارنة بين ما ستقدمه الشركة المتحدة التي تديرها الأجهزة الأمنية في الموسم الرمضاني القادم، وبين ما قدمه عادل إمام ووحيد حامد والمخرج شريف عرفة في رباعيتهم الشهيرة التي بدأت بفيلم اللعب مع الكبار وانتهت بطيور الظلام.

السيناريوهات الأربعة حاولت توضيح معاناة المواطن المهمش مع نظام الحكم وليس الدولة، وهناك فرق كبير بين المصطلحين؛ فالدولة تتكون من أربعة أقسام وفق تعريفات علم السياسية، فهي الأرض والشعب والسلطة والاعتراف الدولي، سواء كان اعترافا صريحا أو ضمنيا مثل توقيع معاهدة ككامب ديفيد عام 1977.
الفيلم يصطدم مع إهمال السلطة التنفيذية لحاجات المواطن الأساسية، رغم أنها أصبحت في الحدود الدنيا، وأطلق الفيلم جرس إنذار صاخبا لعل النظام يستمع إليه، أو نصيحة يقول فيها إن المواطن المصري المدجن أصبح كقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه السلطات

حتى في السيناريوهات الأربعة لا نجد صناع الفيلم يصطدمون عمدا مع السلطة القضائية، وهي مكون رئيس من مكونات النظام، ولم يصطدموا مع الصحافة الحرة، بل استنجدوا بها في فيلم طيور الظلام. ويُفترض أن الصحافة من مكونات السلطة ولها دور رقابي مهم في كل بلاد العالم الديمقراطي، لذا فالزعم أن فيلم "الإرهاب والكباب" يصطدم مع الدولة، أو حتى مع النظام، هو زعم غير دقيق!!

والواقع أن الفيلم يصطدم مع إهمال السلطة التنفيذية لحاجات المواطن الأساسية، رغم أنها أصبحت في الحدود الدنيا، وأطلق الفيلم جرس إنذار صاخبا لعل النظام يستمع إليه، أو نصيحة يقول فيها إن المواطن المصري المدجن أصبح كقنبلة موقوتة قد تنفجر في وجه السلطات الأمنية في أي لحظة.

ويعتبر الحدث الصاعد في الفيلم هو المشهد الذي يشتبك فيه الفنان عادل إمام مع جنود الأمن المركزي، وينتهي الموقف بأن يجد المواطن السلاح الميري وقد أصبح بين يديه، وسرعان ما ينضم إليه تحالف مكون من بعض ضحايا النظام في مصر، حيث الجندي الذي يكتشف أنه بتجنيده في الجيش لا يخدم الوطن بل يخدم الباشا وزوجة الباشا والباشوات أولاد الباشا، وماسح الأحذية الصعيدي الذي عانى من تأخر العدالة الناجزة خدمةً لمصالح الأغنياء، حتى فتاة الليل التي تعتقد أن ظلم المجتمع وجهاز الشرطة هما اللذان دفعاها للسير في ذلك الطريق.

وقبل هذا صمم صناع الفيلم ببراعة مشهدا يعتبر بلغة أهل الفن "الماستر سين"، حيث تلتقي الشخصية الرئيسية داخل أوتوبيس للنقل العالم بالشخصية التي تُلهمها بالثورة على الأوضاع الراهنة، وتخلق بداخلها الغضب، وتجعلها تنفر من الأوضاع الراهنة، وهو الدور الذي لعبه ببراعة الفنان عبد العظيم عبد الحق، والذي أخبر الجميع أن المواطن المصري هو الذي سيرخص ثمنه بينما سترتفع أسعار كل السلع. والعجيب أن هذا ما يعاني منه حرفيا المواطن المصري بعد مرور 30 عاما على صدور الفيلم. وداخل عالم الفيلم يمكن نعت هذه الشخصية بمفجر الثورة، وهذه الفكرة تزعج النظام كثيرا، أي أن يجد الشعب من يُلهم ثورته، بدليل سعيه للتضييق على أي صوت معارض في الداخل أو الخارج!!
أي مقارنة بين فيلم "الإرهاب والكباب"، ومسلسل "الاختيار 3" المتوقع صدوره في رمضان القادم بعد أيام، لن تصب في صالح الأخير، لأن الأول ببساطة يعبر عن معانة حقيقية يكابدها ملايين المصريين يوميا، بينما الثاني سيحكي رواية النظام لتاريخ حديث عشناه جميعا، رواية تهمل الروايات الأخرى وتسعى فقط لتكريس رؤيته

إن أي مقارنة بين فيلم "الإرهاب والكباب"، ومسلسل "الاختيار 3" المتوقع صدوره في رمضان القادم بعد أيام، لن تصب في صالح الأخير، لأن الأول ببساطة يعبر عن معانة حقيقية يكابدها ملايين المصريين يوميا، بينما الثاني سيحكي رواية النظام لتاريخ حديث عشناه جميعا، رواية تهمل الروايات الأخرى وتسعى فقط لتكريس رؤيته، وهي رواية يعاني الجميع الآن من النتائج المترتبة عليها، سواء الذين رفضوا 30 حزيران/ يونيو 2013، أو حتى الذين شاركوا فيها ودعموها، ولعل مأساة العاملين في ماسبيرو خير دليل على هذا!!

لهذا، نعتقد أن قيام رأس السلطة في مصر باستدعاء فيلم "الإرهاب والكباب" قبل الموسم الرمضاني سيكون بمثابة الهجمة المرتدة، أو الضربة العكسية، أو النيران الصديقة التي تلتهم إنتاج الشركة المتحدة الذي سيتابعه المصريون بعد أيام قليلة، وصوت الفنان عادل إمام يتردد في وجدانهم وهو يقول: "كل اللي عاوزه إنسانيتي"!!
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الثلاثاء، 15-03-2022 12:26 م
*** مع احترامنا لرأي الكاتب باعتباره ناقد فني متخصص، في أن المشهد الرئيسي أو "الماستر سين" في فيلم "الإرهاب والكباب" هو هذا اللقاء العابر في الأوتوبيس لبطل الفيلم في بدايته، وتلك العبارة المحورية التي سمعها "أن المواطن المصري هو الذي سيرخص ثمنه"، فالواقع الواضح أن المشهد الرئيسي الأهم والأقوى تأثيراُ في المشاهد، والذي بقي في مخيلته بعد مشاهدته، والذي قادت كل مشاهد الفيلم إليه، هو منظر انفضاض الليلة الليلاء في المجمع، وشروق الشمس على أبطال الفيلم، لتبخر أوهامهم من أدمغتهم المريضة، وندمهم على تهورهم، والمشهد الختامي لهروبهم منفردين، كل يبحث عن النجاة بنفسه كالفئران المذعورة، واندساسهم بين الجماهير المتحلقة "السائرون نياماُ" في ميدان التحرير ليختفوا بينهم، وليتركوا شئون الاهتمام بالمجتمع لسلطة القمع الدكتاتورية ويدها الباطشة، فهي أعلم بهم وأدرى بمصالحهم منهم، وأقدر على إدارة شئونهم، وعليهم هم أن يكونوا شاكرين لتركهم ينعمون بالسلامة في واحة الاستقرار، ويقنعوا بما يلقى إليهم من فتات، تظللهم أجنحة الحكم الشمولي الأبوي المتفرد بالمعرفة والحكمة، فهو القادر الوحيد في الدولة، ودور المواطنين المهمشين أمثالهم يقتصر على التهليل والتصفيق والهتاف بحكمة قادتهم المتربعين على كراسي السلطة، والتسبيح بحمدهم وشكرهم أن تركوهم يعودون سالمين إلى بيوتهم في الفيلم ليهتموا بتربية أبناءهم وبناتهم، أما في الواقع الذي علمناه بعد أحداث ثورة 2011، فإن أبطال الفيلم وصانعوه قد عادوا في الحقيقة إلى قصورهم من وراء ظهورنا، لينعموا فيها مع أبناءهم ونساءهم، وليتبادلوا الأنخاب احتفالاُ وفرحاُ بالمال الذي نهبوه من جيوب المشاهدين، وليحتفلوا مع السلطة الحاكمة التي تشغلهم، وتحركهم كالأراجوزات لإلهاء الشعب بفنهم المزعوم، والمقصود به التنفيس عن مشاعرهم المكبوتة ورغباتهم الدفينة، وليسخروا منها ومنهم، وليحتفلوا بنجاحهم في خداع الجماهير وتنويمها، فلن ننسى مشهد أراجوزاتهم كالمقبور وحيد حامد، والعجوز المتصابي عادل إمام، وزميله الساخر محمد صبحي وجوقتهم والمتحلقين من حولهم والمستفيدين من دجلهم، وهم يشيدون بالجنرال المنقلب المسخ الدجال، ويرقصون على أنقاض الدولة الديمقراطية المدنية، وعلى جثث ضحايا الثورة التي تساقطت، فمشهدهم ليس عنا ببعيد، وسيفضحهم الله عما قريب، ومصيرهم إلى مزبلة التاريخ مع قرنائهم أكيد، والله أعلم بعباده.