كتاب عربي 21

أي مصير لفاغنر في ليبيا؟

السنوسي بسيكري
الأزمة التي وقعت بين فاغنر والكرملين ألقت بظلالها على المنظومة الروسية وأثارت قلقا كبيرا في أوساط النخبة الروسية.. (الأناضول)
الأزمة التي وقعت بين فاغنر والكرملين ألقت بظلالها على المنظومة الروسية وأثارت قلقا كبيرا في أوساط النخبة الروسية.. (الأناضول)
أثار القصف الذي قيل إنه استهدف قاعدة الخروبة التابعة لقوات حفتر والتي تقع على بعد نحو 150 كم جنوب شرقي مدينة بنغازي، جدلا حول مصير قوات فاغنر الموجودة في المناطق التي تخضع لحفتر وسط وجنوب البلاد، وإذا ما كان القصف إشارة إلى عزم أمريكي مؤيد أوروبيا باتجاه الضغط لإخراجها من ليبيا.

نسبة القصف إلى تركيا مرجوح، فالتعجيل بإخراج فاغنر يقصر من عمر الوجود التركي في غرب البلاد، وهو بالقطع ليس من عمل حكومة الوحدة الوطنية التي لا تملك طيرانا مسيرا يصل مداه إلى نحو ألف كيلومتر، كما أنها ليست في وضع يؤهلها للتصعيد مع حفتر إلى هذا المستوى.

الأقرب أن القصف من طرف دولي، أمريكي على الأرجح، فقط سبق أن استهدفت طائرات أمريكية مفارز لفاغنر، منها الغارة على رتل للقوة قرب الشويرف جنوبي العاصمة طرابلس مطلع العام 2020م. ولأن القصف كان بعيدا عن أهداف محددة ولم يترتب عليه خسائر في الأرواح، يكون المراد منه ليس الاستهداف المباشر بل الإعلان عن سياسة ربما تتعلق بوضع فاغنر في ليبيا.

فمن المعلوم أن الإدارة الأمريكية ضاعفت من اهتمامها بالأزمة الليبية بعد تسرب مئات من مرتزقة فاغنر لشرق وجنوب البلاد وقتالهم مع حفتر في هجومه على طرابلس العام 2019م، ولم يحل مسؤول أمريكي رفيع ضيفا على طرابلس وبنغازي وطبرق إلا وكان ملف فاغنر ضمن أجندته.

غير أن السياسة الأمريكية خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تغادر الضغط عبر التأكيد على عدم شرعية وجود هذه القوات خارج الأراضي الروسية وأنها تشكل أداة ضمن أذرع الكرملين في تنفيذ استراتيجيته في التوسع وفرض النفوذ الروسي في الشرق الأوسط والقارة السمراء. والاستثناء كان هو التفكير البريطاني الذي دفع إلى استخدام القوة لإخراج فاغنر من الأراضي الليبية، ولأن البريطانيين اعتمدوا على الدور المحلي في القيام بالعملية فإنها لم تلق خطتهم تأييدا في الأوساط الرسمية في الغرب الليبي.

ليس من المستبعد أن يكون قصف الخروبة إشارة إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه الوجود الروسي ممثلا في فاغنر في البلاد، وأن واشنطن في اتجاهها إلى تغيير في سياساتها أو أدوات تنفيذ سياساتها تجاه خطط موسكو في ليبيا والمناطق الحيوية الأخرى في أفريقيا وآسيا، وإذا ترجح هذا التحليل فسيكون له ما بعده فيما يخص النزاع الليبي واتجاهاته.
الوضع اليوم قد يكون مهيئا أكثر لمزيد من الضغط وربما الانتقال إلى الثقل المادي المباشر لتغيير الوضع الحالي على الأرض بالنسبة لوجود فاغنر ومناطق تحركهم، ذلك أن الأزمة التي وقعت بين فاغنر والكرملين ألقت بظلالها على المنظومة الروسية وأثارت قلقا كبيرا في أوساط النخبة الروسية الذين ذهب بعضهم إلى أن ما أقدمت عليه فاغنر من تهديد وتعبئة لن يؤثر في المنتظم الرسمي والشعبي فحسب بل سيكون له تداعياته المتعلقة بشكل النظام وعلاقات السلطة والرؤى والخطط الاستراتيجية.

ما وقع سيخلق أزمة ثقة بين الكرملين وفاغنر، وهذا سيلقي بظلاله على القوة الموجودة في ليبيا، وأقل ما سيحل بها أن تصبح منعزلة عن السياسة والمصالح الروسية في ليبيا، وستتحول إلى مجموعات منفصلة تمارس الإجرام من سرقة وتهريب وما في حكمها.

البديل عن ذلك هو عودة هذه القوة المسلحة إلى حضن حفتر، بعد أن تمردت عليه وصارت تعمل باستقلالية وتتحرك بحرية بعيدا عن الرجمة وفي التزام بتعليمات من موسكو، وهو سيناريو مرتهن للإرادة الأمريكية، إذ لا ضمان في أن يتم استخدام فاغنر في أعمال تعدها واشنطن مقوضة لمقاربتها لإدارة النزاع الليبي، كما أن بقاء قوات فاغنر منظمة قد يعيدها إلى الكرملين في حال تجاوز تداعيات الحرب ضد أوكرانيا والأزمة الراهنة مع فاغنر.

بناء على هذه المعطيات والتوقعات، فليس من المستبعد أن يكون قصف الخروبة إشارة إلى تحول في السياسة الأمريكية تجاه الوجود الروسي ممثلا في فاغنر في البلاد، وأن واشنطن في اتجاهها إلى تغيير في سياساتها أو أدوات تنفيذ سياساتها تجاه خطط موسكو في ليبيا والمناطق الحيوية الأخرى في أفريقيا وآسيا، وإذا ترجح هذا التحليل فسيكون له ما بعده في ما يخص النزاع الليبي واتجاهاته.
التعليقات (0)