كتاب عربي 21

حادثة مدينتي وسيناريوهات الخروج المستحيلة

أسامة جاويش
يقارن الكاتب بين ضابط دهس الشعب وثورته وضابط دهس أمّا وأبناءها- الرئاسة المصرية
يقارن الكاتب بين ضابط دهس الشعب وثورته وضابط دهس أمّا وأبناءها- الرئاسة المصرية
ملايين المصريين يتساءلون عن السبب والدافع وراء ارتكاب حادثة مدينتي، ومن أين استمد الضابط المجرم الجرأة لارتكاب جريمة بشعة كهذه.

تموز/ يوليو 2023، ضابط في الجيش المصري، يركب سيارته متسلحا بجنون العظمة وقوة السلطة وسطوة الزي العسكري، ويقرر مع سبق الإصرار والترصد أن يدهس أمّا وأطفالها دون شفقة أو رحمة أو خوف من الحساب.

قبلها بعشر سنوات، تموز/ يوليو 2013، ضابط آخر في الجيش المصري اسمه عبد الفتاح السيسي، ركب دبابته متسلحا بجنون العظمة وقوة السلطة وسطوة الزي العسكري، وقرر مع سبق الإصرار والترصد أن يدهس شعبا بأكمله دون شفقة أو رحمة أو خوف من الحساب.

قصة قصيرة حزينة معبرة عن عشرية سوداء يعيشها الشعب المصري تحت حكم السيسي، بات فيها ضابط الجيش هو السيد وهو الحاكم وهو الخصم وهو الحَكَم.

عشر سنوات ارتكب فيها الضباط جرائم لا تعد ولا تحصى، ولم يحاسَب أحد، فالقانون العسكري واضح، شرعه السيسي وأقره ونص عليه بصوته عندما قال مفيش ضابط هيتحاكم.

بين ضابط جيش دهس الشعب المصري بثورته وانتخاباته وإرادته وبين ضابط جيش آخر دهس أمّا مصرية بأحلامها وخوفها على أطفالها وتضحيتها بنفسها من أجل إنقاذهم، بين هذا وذاك يعيش الشعب المصري مقموعا مقهورا دون عدالة أو قانون أو حساب لأحد، فالعساكر فوق القانون وفوق المواطنين وفوق الدولة.

بين ضابط جيش دهس الشعب المصري بثورته وانتخاباته وإرادته وبين ضابط جيش آخر دهس أمّا مصرية بأحلامها وخوفها على أطفالها وتضحيتها بنفسها من أجل إنقاذهم، بين هذا وذاك يعيش الشعب المصري مقموعا مقهورا دون عدالة أو قانون أو حساب لأحد، فالعساكر فوق القانون وفوق المواطنين وفوق الدولة

حادثة مدينتي، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، هي امتداد قميء لعشرية سوداء جلبها السيسي لمصر، طرحت سؤالا هاما عن الفارق بين خريجي الكليات العسكرية وأقرانهم من خريجي الكليات المدنية.

الحقيقة أن هناك فارقا كبيرا بين قسم الطبيب وقسم العساكر، بين خريج كلية طب القصر العيني وبين خريج كلية الطب العسكري التي أنشأها السيسي.

"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي، وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال باذلا وسْعي في استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عورتهم، وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلا رعايتي الطبية للقريب والبعيد، للصالح والخاطئ، والصديق والعدو، وأن أثابر على طلب العلم، أسخّره لنفع الإنسان لا لأذاه، وأن أوقّر من علّمني، وأعلّم من يصغرني، وأكون أخا لكل زميل في المهنة الطبية متعاونين على البر والتقوى، وأن تكون حياتي مصداق إيماني في سري وعلانيتي، نقية مما يشينها تجاه الله ورسوله والمؤمنين، والله على ما أقول شهيد".

كان هذا قسم الطبيب، فماذا عن قسم العساكر؟ ما الذي تعلّمه ضابط الجيش زياد حسام الدين الذي ارتكب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في حادثة مدينتي؟

فضابط الجيش لم يصن حياة الإنسان بل قضى عليها، ولم ينقذها بل كان سببا في هلاكها ومرض أبنائها وقلق زوجها وألم عائلتها.

خريج الطب العسكري لم يحفظ للناس كرامتهم ولم يستر عورتهم ولم يكن أبدا من وسائل رحمة الله، ولم يسخّر ما تعلمه لنفع الإنسان بل استخدمه في أذاه وقتله والقضاء على حياته.

ضابط الجيش خريج الطب العسكري، يبدو أنه لم يقسم قسم الطبيب ولم يتعلمه ولم يعمل به، وإنما كان له نصيب من قسم العساكر، الذين جعل منهم السيسي دولة فوق الدولة وسلطة فوق السلطة، وخطا أحمر ممنوع الاقتراب منه أو الانتقاد أو الحساب.

النظام العسكري في مصر يعيش أزمة سيناريوهات الخروج المستحيلة من تداعيات هذه الجريمة..

السيناريو الأول أن تقرر النيابة العسكرية حظر النشر في هذه القضية. ومشكلة هذا السيناريو أنه سيفقد الشعب الثقة بشكل أكبر في الجيش وفي نزاهة المؤسسة العسكرية، وسيعيد للأذهان نهايات حكم مبارك وغضب المصريين العارم من جرائم وزارة الداخلية المصرية، وهذه المرة الأمر مختلف فالغضب موجه نحو الجيش والجيش فقط.

إذا ما تجرأت المؤسسة العسكرية وحاسبت بل حاكمت بل أعدمت ضابطا في الجيش وجعلت منه كبش فداء، فلماذا لا تتجرأ المؤسسة العسكرية على ضابط أكبر وتضحي به أيضا طالما أن الباب قد فتح للتضحية بمن يؤذي المؤسسة العسكرية ولو كان اسمه عبد الفتاح السيسي؟

السيناريو الثاني، أن تصدر النيابة العسكرية تقريرا طبيا تدّعي فيه أن الضابط المتهم يعاني من مرض نفسي واختلال عقلي ما دفعه لارتكاب هذه الجريمة. المشكلة هنا أن قرارا كهذا سيهدم المعبد فوق رؤوس أصحابه، فطالب الطب العسكري مثله مثل أي طالب كلية عسكرية أخرى يمر بمرحلة اختبار قاسية، تشمل كشفا طبيا واختبارا للقدرات النفسية وكشفا للهيئة لا يمكن بحال أن يمر من بين هؤلاء شخص مختلف عقليا، وإلا قدح هذا القرار في الصحة النفسية والقدرات العقلية لطلبة الكليات العسكرية مجتمعة.

السيناريو الثالث، أن تذهب النيابة العسكرية إلى أن الضابط المتهم قد تعاطى مخدرات ما أذهبت عقله ودفعته لارتكاب جريمته. المشكلة الحقيقية هنا أن هذا القرار سيفتح بابا كبيرا للمطالبة بتطبيق كشف مخدرات على قيادات وأفراد وضباط الجيش المصري، فكيف لمن يتعاطون المخدرات أن يحكموا البلاد ويحموا حدودها ويحافظوا على أمنها؟

السيناريو الرابع، أن يذهب القضاء العسكري لمعاقبة هذا الضابط بالإعدام. وهنا يستعيد الجيش ثقة الشعب في نزاهته وعدالته الناجزة، ولكنه يفقد ثقة السيسي لأن هذا السيناريو ببساطة يعني أن المؤسسة العسكرية قد تجاوزت خطا أحمر وضعه السيسي لها وهو أنه مفيش ضابط هيتحاسب، فإذا ما تجرأت المؤسسة العسكرية وحاسبت بل حاكمت بل أعدمت ضابطا في الجيش وجعلت منه كبش فداء، فلماذا لا تتجرأ المؤسسة العسكرية على ضابط أكبر وتضحي به أيضا طالما أن الباب قد فتح للتضحية بمن يؤذي المؤسسة العسكرية ولو كان اسمه عبد الفتاح السيسي؟

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (1)
صلاح الدين الأيوبي
الجمعة، 07-07-2023 10:36 م
السيناريو الأول هو الأقرب يا دكتور أسامة. حظر النشر حتى تذهب جريمة هذا القاتل المجرم بدهس أسرة بأكملها طي النسيان كما ذهبت جريمة أباه الروحي بدهس شعب بأكمله طي النسيان. مع التأكيد أن الكلام عن الثقة بين الجيش والشعب خارج السياق، فلا محل للثقة هنا، بل للترويض والسيطرة. الشعب إن باع كرامته يا دكتور مقابل بقاءه ولو في صورة كلب ضال، فلا ينتظر عدالة لرصاصة من هنا أو من هناك، أرأيت كلباً ضالاً يرفع قضية على من أطلق عليه الرصاص؟ هذا هو الوضع يا دكتور، لا حل وسط، فالمعادلة صفرية. إما أن ينتفض الشعب لإبادة هؤلاء الكلاب الضالة، أو يستمر العسكر في معاملة الشعب كالكلاب الضالة. هذا هو الواقع وهذا هو المستقبل لهذا المكان المسمى أرض مصر.