كتاب عربي 21

المغفلون حقاً

سليم عزوز
المغفلون هم أولئك الذين طالبوا وزير الدفاع المصري بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي.. (عربي21)
المغفلون هم أولئك الذين طالبوا وزير الدفاع المصري بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي.. (عربي21)
لا يوجد أخطر على الوجدان الثوري العام، من منطق جماعات "المتأملين في الفراغ"، الذين يدعون الحكمة بأثر رجعي، ومن ثم فهم من واقع المتأمل الذي يضع رجليه في الماء، يعطون دروساً للثوار، فكيف لهم أن يسلموا بقرار "الرئيس المخلوع" تسليم السلطة للمجلس العسكري!

هذا التأمل في الفراغ الذي هو على "مدد الشوف"، أنتج من قبل مقولة إن الثوار أخطأوا عندما تركوا ميدان التحرير، قبل اكتمال أهداف الثورة، ونقرأ عن أصوات طالبت الثوار بالبقاء في الميدان، لكن في الحقيقة لم نسمع بهذه الأصوات عندما أعلن مبارك تخليه عن السلطة!

عدم اكتمال الصورة في بعض الأذهان، هو الذي ساهم في وجود تشكيل "المتأملين في الفراغ"، الذين يفتون في أمر الثورة، دون أن تتوفر لديهم المعلومات الكاملة، وفي هذا يقول المصريون بتصرف: "من لا يعرف يقل عدساً"!

عندما تنحى مبارك، كان جل الثوار أمام القصر الرئاسي، مع أقلية تمسكت بالاستمرار في ميدان التحرير، باعتباره أرضاً محررة، وإن كان "وائل غنيم" وأصحابه تنحى مبارك وهم في منزل وائل، وهناك تعانقوا وقدموا التهنئة بعضهم لبعض.

جو ميدان التحرير

وصلت ميدان التحرير قادماً من القصر الجمهوري بصعوبة، فقد بدت مصر كلها كما لو كانت خرجت للشارع ومتجهة إلى ميدان الثورة، وبدخولي الميدان وجدت جماهير غفيرة وأسرا كاملة، جاءت للاحتفال، وسبقني إلى هناك من سبق له أن هتف باكياً: "مبارك هذا والدنا، وحرام إهانته".

وجاء من لم يعيشوا "أخلاق الميدان"، فكانوا في مرورهم يدفعون الذين أمامهم، وعند أول عملية دفع، كنت على يقين أننا أمام طوفان من البشر، جاؤوا للميدان ويفتقدون أخلاقه، وقد كنت على مدى ثمانية عشر يوماً، هي عمر الثورة، أتحرك داخل الميدان بمرونة مع زحامه، إذ كان مثالاً حياً لدعوة "لينوا لإخوانكم"!

فمن ذا الذي يمكنه في هذه الأجواء الاحتفالية الصاخبة أن يصعد للمنصة ويدعو الناس للبقاء في ميدان التحرير حتى تتحقق أهداف الثورة؟.. وحتى من شاركوا في الثورة، كان قد استبد بهم اليأس، ونال منهم التعب، فانحصرت كل جهودهم في إسقاط الرئيس لا النظام، ثم إن النظام بدأ في السقوط، منذ عزل مراكز القوى من الحزب الوطني، وحل مجلسي الشعب والشورى، فماذا بقي من نظام مبارك؟ الجيش؟.

ثورة يناير لم يتزعمها حزب أو فرد، لكي يتحرك إلى القصر الجمهوري ليمثل البديل، ولا يرضى بخيار المخلوع وفرض الأمر الواقع، فهذه الثورة أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات، وقد وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية في هذه الليلة لشهداء الثورة، ووعد بتسليم السلطة خلال ستة شهور، وإن اعتقد أنه يمكنه أن يحتفظ بها، وناور على مدى سنة إضافية، فقد أجبرته الثورة على الفرار غير المنظم من الحكم، وكانت الانتخابات الرئاسية!

ثورة يناير لم يتزعمها حزب أو فرد، لكي يتحرك إلى القصر الجمهوري ليمثل البديل، ولا يرضى بخيار المخلوع وفرض الأمر الواقع، فهذه الثورة أفرزت مطالب ولم تنتج زعامات، وقد وجه المجلس الأعلى للقوات المسلحة التحية في هذه الليلة لشهداء الثورة، ووعد بتسليم السلطة خلال ستة شهور،
وإذا كان هناك من يرون أنه من الخطأ بمكان الجري للانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، فإني وقد كنت مبكراً من أصحاب دعوة التبكير بالانتخابات، لا زلت أعتقد أن هذا هو الرأي الصحيح إلى الآن، لأنه لم يكن هناك بديل مطروح لانتقال السلطة إلا بذلك، ويؤسفني أن الطرف الرافض للمسار الانتخابي، لم يكن لديه بديلاً، وقد بدا المجلس العسكري طامعاً في السلطة، ويطمع أن يزيد، وعندما طرح الميدان في فترة لاحقة مجلسا رئاسيا، من وجهاء الحركة السياسية، كان الرفض على الهواء، وفي ذات اللحظة من أسماء ذكرت.. حمدين صباحي مثلاً!

ثم إن الميدان في المرحلة الأولى بعد التنحي، كان يسيطر عليه من يبحثون عن حظوة لدى المجلس العسكري، فأدخلوا الغش والتدليس على خياره السيء بتعيين عصام شرف رئيساً للحكومة، وقيل يومئذ إنه قادم من ميدان التحرير، مع أنه قادم من لجنة السياسات!

سقوط حكم العسكر

ونأتي إلى المشكلة الأكثر عمقاً، وهو أنه بعيداً عن الدعاية في أيام الثورة وقبلها بسقوط حكم العسكر، فلم يكن الوجدان النضالي العام يتأمل الفكرة، فالحكم العسكري ليس بمعناه الآن، ولكنه كان يعني رأس السلطة، ولهذا كان من يقودون هذا الهتاف في بعض الأحيان ناصريون، هم في الأساس ليست لديهم مشكلة مع حكم العسكر، وقد كان عبد الناصر ضابطاً، قاد انقلاباً عسكرياً في سنة 1952!

وهناك نقطة غائبة عن الأذهان، وهي أن "الانكشاف" الحالي، لم يكن في أيام الثورة، ذلك بأن الجيش كان بعيداً عن الحكم فعلاً، فلا يشتبك معك في الشارع، ولا يتدخل في الممارسة السياسية، ولا يستدعى لفض مظاهرة، منذ التدخل لإنهاء مظاهرات الخبز سنة 1977، ونزوله مرة أخرى للتصدي لتمرد الأمن المركزي سنة 1986، وفي المرتين كان نزوله مرحباً به، فلم يحدث بينه وبين المتظاهرين اشتباك في الأولى، أما في الثانية فقد كان يؤدي مهمة وطنية!

لقد أنهى عبد الناصر الحكم العسكري تماماً بعد سنة 1968، وحكم حكماً منفرداً، ومن كانوا جزءاً من سياقات الحكم منذ هذا التاريخ من العسكريين لا يعطون دلالة على أنه حكم عسكري، وهو الحكم الذي ألغى السياسة، وأسس لدولة التكنوقراط، فقد كان وجودهم ضمن هيكل عام، يضم أساتذة جامعات، وقضاة وضباط شرطة سابقين، وكبار الموظفين في الإدارة المحلية، ولم يكن الحكم واضحاً في تشكيلات الحكومة، التي ظل قوامها مدنيون في كل التشكيلات، وإن أصبح الأمر واضحاً في تعيينات المحافظين، فقد كان نصيبهم في المحافظات الحدودية، مثل سيناء، والبحر الأحمر، وقنا، في حين كان محافظ العاصمة "القاهرة" لفترة طويلة ليس عسكرياً.

فقد كان محمود الشريف طبيباً، جاء بعده عمر عبد الآخر من الإدارة المحلية، ثم عبد الرحيم شحاتة وهو أستاذ جامعي، بينما محافظة كسوهاج تبادل عليها لواءات سابقين بالشرطة، وكذلك أسيوط بسبب وجود الجامعات الدينية بالمحافظتين!

الحكم العسكري ليس بمعناه الآن، ولكنه كان يعني رأس السلطة، ولهذا كان من يقودون هذا الهتاف في بعض الأحيان ناصريون، هم في الأساس ليست لديهم مشكلة مع حكم العسكر، وقد كان عبد الناصر ضابطاً، قاد انقلاباً عسكرياً في سنة 1952!
عهد عبد الناصر الذي شهد تمكيناً لأجهزة عسكرية، كالمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، من الحياة العامة، وهو نفسه العهد الذي شهد إنهاء هذه السيطرة، وكانت قضية انحراف المخابرات، وعبد الناصر هو من هتف: سقطت دولة المخابرات، ليس لأنه كان في طور التحول إلى حاكم ديمقراطي، ولكن للحفاظ على حكمه من الانقلاب العسكري عليه، وقد كان هذا مطروحاً في زمن عبد الحكيم عامر، وشمس بدران، وصلاح نصر.

وعبد الناصر هو من حل مجلس قيادة الثورة، ثم حل مجلس الرئاسة بعد أن همشه، واستدار لينتقم من رفاقه في الثورة، ولم تكن البداية بتصفية عبد الحكيم عامر وسجن رجاله!

وانكفأ جهاز المخابرات العامة على نفسه، فتحول إلى جهاز مهني، وبنى سمعته بعد ما نالها من اتهامات موجهة إلى صلاح نصر، وكان عبد الناصر حريصاً على ابعاد ملف التعذيب من المحاكمات، وإن ركز على العلاقات النسائية، فإنه يعرف أين يوجعه، مع مجتمع محافظ، ولأنه لم يكن منفعلاً ضد انتهاكات السجون، التي هي من أساس حكمه!

وفي الاقتصاد، فإن كانت هناك مشروعات تخص القوات المسلحة، فقد كان المعروف منها هو شركات الاستيراد التابعة لجهاز المخابرات مثلاً، لم يكن هذا النشاط مزعجاً لأنه لم يكن مستفحلا من ناحية، ولأنه لم يكن منافساً لاقتصاد الناس!

نثق في مؤسسة الجيش

ولهذا البعد عن دائرة الحكم، ميز الناس بين نظام الحكم والجيش، وكانت هناك نغمة "نحن نثق في مؤسسة الجيش"، وظلت العبارة تتردد على ألسنة الناصريين حتى حصل التفريط في تيران وصنافير، فوسوس كل منهم في أذن صاحبه بما يعبر عن دهشته!

وهذه الرؤية التي صاحبت الناصريين لهذا الوقت المتأخر، كانت تشمل جميع المصريين وقت قيام الثورة، ولهذا كان الاستقبال التاريخي لمصفحات الجيش العابرة لميدان التحرير في الليلة الأولى من الثورة، فقالوا إنها جاءت لتتصدى للشرطة في عنفها ضد المتظاهرين. يا لها من سذاجة!

المشكلة ليست في من سلم بقرار مبارك الذي يعد موضوعيا إلى الآن، ولكن من عاصروا سوء إدارة المجلس العسكري للمشهد، ورغبته في الاستمرار في السلطة، وعدم اخلاصه للثورة، وخرجوا يهتفون بسقوط حكمه، ثم في أقل من سنة من هذه المغادرة، كانوا يطالبون وزير الدفاع بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي!
بيد أن التميز الأكثر رشدا، هو بين الجيش ككيان مهمته حماية حدود الوطن، وبين كونه سلطة حكم، حدث بعد أن تبدت للناظرين رغبة المشير طنطاوي في الاستمرار في السلطة، فكان الهتاف الواعي لأول مرة بسقوط حكم العسكر!

ومع أني كنت واعياً تماماً بأن وزير الدفاع ورجاله هم في مواقعهم باختيار مبارك وفق مقاييسه، وأن ولاءهم إن لم يكن له فأرى أن النكران يسيء إليهم، ومع هذا يظل قرار اختيارهم لإدارة المرحلة هو فن الممكن، فالثورة لم تنتج زعيماً تدفع به لاستلام السلطة ورفض قرار مبارك، فضلاً عن أن المجلس العسكري بدا واعياً لإرادة المصريين فكانت تحية الشهداء، ثم إنه قال سوف يغادر بعد ست شهور، فلما طمع في الاستمرار كنت من بين الذين عارضوا ذلك!

والمشكلة ليست في من سلم بقرار مبارك الذي يعد موضوعيا إلى الآن، ولكن من عاصروا سوء إدارة المجلس العسكري للمشهد، ورغبته في الاستمرار في السلطة، وعدم اخلاصه للثورة، وخرجوا يهتفون بسقوط حكمه، ثم في أقل من سنة من هذه المغادرة، كانوا يطالبون وزير الدفاع بتخليصهم من الحكم المدني المنتخب، على أمل أن يسلم الحكم لحمدين صباحي!

هؤلاء هم المغفلون حقاً!
التعليقات (12)
سقوط السيسي وانقلابه، متى وكيف سيكون؟
الأربعاء، 09-08-2023 02:13 ص
*** 8- المقدام: - سقوط الأنظمة المستبدة حتمي، وله أشكال متعددة، ففي مصر، نفي فاروق، واعتقال نجيب من ضباطه، ودس السم لعامر قائد الجيش بعمر 47 سنة من شريكه، وسقوط ناصر في عمر 52 سنة، واعتقال السادات لوزير الحربية الفريق أول محمد فوزي ومجموعته، وقتل السادات وسط حرسه وجيشه، وعزل واعتقال مبارك بعد 30 سنة ومحاكمته من مجلسه العسكري، واعتقال السيسي لرئيسه السابق عنان رئيس الأركان، وعربياً، اعتقال بورقيبة واصابته بخرف الشيخوخة، وإعدام صدام، وهروب بن علي، وقتل القذافي ضرباً بالصرم بعد 42 سنة من حكمه، واغتيال عبد الله صالح في موكبه بعد 38 سنة، وشلل بوتفليقة وفقدان عقله، واعتقال البشير، وعالمياً، إعدام الفاشي موسوليني وعشيقته، وانتحار هتلر وعشيقته، وإعدام شاوشيسكو وزوجته، فكيف ستكون نهاية السيسي؟ التمكن المزعوم للانقلابيين، وكبار مجرمي المستبدين، لا يوجد إلا في أوهام الانقلابيين ومؤيديهم، ونهايتهم جميعاً سوداء. الانقلابيون يصفي بعضهم بعضاً، في صراعهم الداخلي، والفساد يؤدي حتمياً إلى فشلهم وانهيار دولتهم، وقمع الشعب يفقدهم الظهير الشعبي الوطني لهم، فيبيعوا أنفسهم وبلادهم للأجانب ليحموهم، كعملاء لهم وخونة لأوطانهم، وينتهي الحال إلى إفلاس شعبهم الذي أيدهم وإفقارهم، والموجة الثورية القادمة حتمية، والمواجهة ضرورة لا يمكن تجنبها، فسنة الله الماضية في خلقه، والقاعدة التي لاتتغير في الطبيعة والمجتمع، هو أنه لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة مخالف له في الاتجاه، فلن يتوقف الاستبداد عن قمع المصريين ونهبهم وإفقارهم وبيع بلادهم للأجانب، ولن تتوقف مقاومته والثورة ضده.
هل ستتكرر في مصر أحداث اعتصامي ميدان التحرير وميدان رابعة؟
الأربعاء، 09-08-2023 01:43 ص
*** 7- المقدام: - اعتصامي رابعة والنهضة، ومن قبلهما اعتصام ميدان التحرير، والمبيت فيهم لأيام طويلة مرهقة ومضعفة للمعتصمين، ونصب منصة يستعرض الخطباء من فوقها بلاغتهم، وقوة تأثيرهم في الجماهير المحتشدة تحتهم، وكأنهم في مؤتمر علمي أو ندوة أدبية، ويحولون الميدان إلى معسكر للكشافة، ينصبون فيه خيامهم، ليجتمعوا حولها يغنون ويتسامرون، ونحن نقدر التضحيات التي قدمها بعضهم فيها، ولقد تواجدت في الميادين الثلاثة في أصعب أيامها، كنهار يوم موقعة الجمل، وصليت الفجر في ميدان رابعة يوم فض الاعتصام فيه، وأيام أخرى حددت مسار الثورة، ولكنها كانت سذاجة مفرطة من منظمي الاعتصامات، وخطأ كبير في أساليب المواجهة زاد من ضحاياها، فقد مكنت الاعتصامات من سهولة الاندساس في الميدان من المخبرين، وجندوا عملاء لإيقاع الخلافات والنزاعات بين المعتصمين، وتم دس قيادات عميلة للسيطرة على المعتصمين، "كمظهر شاهين" خطيب جامع عمر مكرم، انظر المواقف المتضاربة لبعض رموز المرحلة، وائل غنيم مثالاً، الشاب الساذج المغمور الذي أظهروه في الإعلام متباكياً كزعيم ونجم، والميادين يسهل حصارها، ومهاجمة واعتقال المعتصمين فيها، كأهداف ثابتة يسهل اصطيادها، وإخراج النساء والأطفال والعجائز في مواجهات الشوارع جريمة، فهي ليست احتفاليات، وهناك فارق بين الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، وبين المظاهرات الثورية التي تتصادم مع السلطات بالضرورة، وتتطلب سرعة حركة، وتكتيكات كر وفر، وتجمع وتفرق في أماكن متباعدة غير متوقعة، لتشتيت قوى الشرطة الموالية للنظام وإنهاكها، وحكومة مبارك وجيشه وداخليته استعدت لمواجهة الانفجار الشعبي من يوم انفجار الثورة التونسية يوم 17 ديسمبر 2010، وكانوا على علم باعتصام ميدان التحرير قبلها، فقد قاموا بإزالة لوحات الإعلانات الضخمة من فوق أسطح البنايات المحيطة بالميدان وحوله، حتى لا تعيق الرؤية للقناصة الكامنين فوق اسطحها، وقد نشرت أخبار اليوم يوم 8 يناير 2011 خبراً "بأن حملة من المحافظة أزالت إعلانات لها بقيمة 6 مليون جنيه دون إنذار"، فهل كان توقعاً من الشرطة، أم أن الاعتصام في ميدان التحرير كان مدبراً كمصيدة للثوار؟
هل ستتكرر في مصر أحداث اعتصامي ميدان التحرير وميدان رابعة؟
الأربعاء، 09-08-2023 01:43 ص
*** 7- المقدام: - اعتصامي رابعة والنهضة، ومن قبلهما اعتصام ميدان التحرير، والمبيت فيهم لأيام طويلة مرهقة ومضعفة للمعتصمين، ونصب منصة يستعرض الخطباء من فوقها بلاغتهم، وقوة تأثيرهم في الجماهير المحتشدة تحتهم، وكأنهم في مؤتمر علمي أو ندوة أدبية، ويحولون الميدان إلى معسكر للكشافة، ينصبون فيه خيامهم، ليجتمعوا حولها يغنون ويتسامرون، ونحن نقدر التضحيات التي قدمها بعضهم فيها، ولقد تواجدت في الميادين الثلاثة في أصعب أيامها، كنهار يوم موقعة الجمل، وصليت الفجر في ميدان رابعة يوم فض الاعتصام فيه، وأيام أخرى حددت مسار الثورة، ولكنها كانت سذاجة مفرطة من منظمي الاعتصامات، وخطأ كبير في أساليب المواجهة زاد من ضحاياها، فقد مكنت الاعتصامات من سهولة الاندساس في الميدان من المخبرين، وجندوا عملاء لإيقاع الخلافات والنزاعات بين المعتصمين، وتم دس قيادات عميلة للسيطرة على المعتصمين، "كمظهر شاهين" خطيب جامع عمر مكرم، انظر المواقف المتضاربة لبعض رموز المرحلة، وائل غنيم مثالاً، الشاب الساذج المغمور الذي أظهروه في الإعلام متباكياً كزعيم ونجم، والميادين يسهل حصارها، ومهاجمة واعتقال المعتصمين فيها، كأهداف ثابتة يسهل اصطيادها، وإخراج النساء والأطفال والعجائز في مواجهات الشوارع جريمة، فهي ليست احتفاليات، وهناك فارق بين الوقفات والمسيرات الاحتجاجية، وبين المظاهرات الثورية التي تتصادم مع السلطات بالضرورة، وتتطلب سرعة حركة، وتكتيكات كر وفر، وتجمع وتفرق في أماكن متباعدة غير متوقعة، لتشتيت قوى الشرطة الموالية للنظام وإنهاكها، وحكومة مبارك وجيشه وداخليته استعدت لمواجهة الانفجار الشعبي من يوم انفجار الثورة التونسية يوم 17 ديسمبر 2010، وكانوا على علم باعتصام ميدان التحرير قبلها، فقد قاموا بإزالة لوحات الإعلانات الضخمة من فوق أسطح البنايات المحيطة بالميدان وحوله، حتى لا تعيق الرؤية للقناصة الكامنين فوق اسطحها، وقد نشرت أخبار اليوم يوم 8 يناير 2011 خبراً "بأن حملة من المحافظة أزالت إعلانات لها بقيمة 6 مليون جنيه دون إنذار"، فهل كان توقعاً من الشرطة، أم أن الاعتصام في ميدان التحرير كان مدبراً كمصيدة للثوار؟
الساعون لحتفهم وراء دعاة الديقراطية والحريات الليبرالية
الثلاثاء، 08-08-2023 10:47 م
*** 6- المقدام: - يؤمن الانقلابيون المعاصرون، المتقدمون المنصورون، ومؤيدوهم من الشعب السيساوي، المخلص لقائد انقلابه، بحقيقة أن السيسي قد تحرك مع جيشه عن بكرة أبيه، استجابة لمطالب الشعب المصري الأصيل، الذي استدعاه لينقذه من حكم الإرهاب، حتى لا نصبح مثل سوريا (ويضطر السيسي حينها آسفاً أن يدكنا كبشار بالبراميل المتفجرة، خوفاً على أمننا إن عارضناه)، خدمة لشعبه الخانع المطيع الحبيب إلى قلبه، المفروض عليه الوصاية من أذرع السيسي الإعلامية إلى أن يكبر وينضج، وحتى يحنوا عليه السيسي طبيب الفلاسفة وحكيم الغبرة، ويعلمه أين مصلحته، ويخبره بالسر الدفين لدولة جمهورية السيسي الجديدة، التي قضى الجنرال خمسين عاماً من عمره ليتعلمها، فلنكن من العاقلين، ولا نستمع لأحد غيره، فهو الوحيد فينا الصادق الأمين، كما أكد لنا زعيم انقلابنا، ورب نعمتنا، فلا تستمعوا إلى "عزوز" وصحبه، فالسيسي أدرى بمصلحتنا منا، فقد أراه الله ما لا نستطيع أن نرى، بشهادة رواية "الأربعين مليون مصري (مين يزود)"، الذين أرسل السيسي خصيصاً لهم طائرته، المقلة لمخرج الروائع المحسود على فحولته "خالد يوسف"، ليصورهم في حفل عرسهم، ويكون شاهد عليهم يوم نزلوا إلى الشوارع في 30 يونيو، ليناشدوا السيسي إنقاذهم من الحكم الديمقراطي الإرهابي، ومن إطلاق الحريات (اسمها الليبرالية حتى نرضي عمنا العزيز الليبرالي عزوز)، التي سمحت للمصريين أولاد الشوارع الصيع الضيع، بأن يكون لهم لأول مرة في حياتهم حق انتخاب من يحكمهم، رغم أن في الديمقراطية عشر مبادئ كفرية، والسيسي المهدي المنتظر من شعبه هو المسئول عن ديننا، وإنقاذنا من شر الديمقراطية الكفرية المنفلتة، التي ستدمر دولتنا، وتفقر أبنائنا، وتغير ما نشأنا عليه، وتطمع فينا السفهاء والدهماء من أنصار الديمقراطية والحريات، وبتوع حكم الشعب لنفسه، ولم الرضى بالدنية؟ أليس فينا جنرال رشيد كالسيسي، مبعوث العناية الإلَهية، الذي يصل الليل بالنهار ساهراً من أجل رعايتنا، وليختار لنا بنفسه من يحكمنا، من هو أمين علينا، رؤوف بنا، لينقذنا من الإخوانجية المتزمتين المتطرفين، المرتدين عن دين عسكر السيسي القويم، ويحمينا بحجابه من أعين الحاسدين للمصريين، على ما يتمتعوا به من بلهنية العيش، في كنف السيسي، وحتى يستطيع أن يستكمل لهم، ما كانوا يحلمون به طوال حياتهم، من أن يكون لرئيسهم المفدى القصور التي تليق بمقامه هو وانتصار، فيفتخروا بين الأمم، كما افتخر من قبلهم أسلافهم بأهرام فراعنتهم المقدسين.
أين وصلت المواجهة في الموجة الثورية القادمة؟
الثلاثاء، 08-08-2023 09:50 م
*** 5- المقدام: - فدائماً ما تكون الصراعات على السلطة والنفوذ والمغانم، بين الانقلابيين أقسى، راجع عمليات التصفية المتبادلة المتتالية بين ضباط انقلاب 1952، كاعتقال رئيس الجمهورية اللواء محمد نجيب، ودس السم للمشير عامر قائد الجيش، وتصفية السادات لمنافسيه واعتقالهم في 1971، (فاعتقل نائب رئيس الجمهورية علي صبري. ووزير الحربية الفريق أول محمد فوزي. ورئيس المخابرات العامة أحمد كامل. ووزير الداخلية شعراوي جمعة. ووزير الإعلام محمد فائق. ورئيس مجلس الأمة محمد لبيب شقير. ووزير شؤون رئاسة الجمهورية سامي شرف) في ليلة واحدة سماها السادات ثورة التصحيح في 1971، وهي أكبر عملية تصفيات بين صفوف العصابة الانقلابية منذ 1952، ثم إقصائه لرئيس الأركان الفريق الشاذلي في 1973، ثم هروبه وسحب الجنسية المصرية منه، في أكبر انشقاق في الجيش بعد حرب 1973، ثم اغتيال المشير السادات في الاستعراض العسكري في 1981، فيما يعتقد بأنه عملية تصفية داخلية بتدبير مبارك، وإطاحة مبارك بوزير دفاعه المشير ابو غزالة في 1989، في الصراع على عمولات السلاح، ثم التضحية بمبارك نفسه ككبش فداء بعد ثورة 2011، بتدبير وزير دفاعه طنطاوي، وحبسه مع ابنيه علاء وجمال، ومحاكمتة وإدانته بتهمة اختلاس أموال صيانة القصور الرئاسية، والقائمة تطول، والتاريخ يعيد نفسه، والنتيجة هي إضعاف الجيش وتفكيكه، وحرمانه من خيرة المتخصصين فيه، وإلهاء ضباطه بنهب الجهات المدنية، وبث الخوف والرعب من التصفية داخل صفوف من تبقى، وإظهار الطاعة والولاء الكاذب، وتحول الجيش إلى جيش مفكك ضعيف فاسد منعدم الكفاءة، دون عقيدة حقيقية، ولا انتماء وطني، مع شيوع السخط بين ضباطه، للتفاوت بينهم وبين المحاسيب والأتباع في المزايا والمغانم والإتاوات والعمولات، وانخفاض الروح المعنوية والانتماء بين المجندين إجبارياً، الذين يعانون من أسوأ ظروف الخدمة والمعيشة، وهم يمثلون ما يناهز نصف القوات العاملة في الجيش والشرطة، وهؤلاء سيكونون في قلب الموجة الثورية القادمة، التي ستكون أكثر عنفاً وأطول نفساً.