سياسة تركية

"العالم أكبر من خمسة".. ما مرتكزات رؤية أردوغان لإصلاح النظام الدولي؟

أردوغان: مجلس الأمن الدولي "لم يعد ضمانة للأمن العالمي"- الأناضول
أردوغان: مجلس الأمن الدولي "لم يعد ضمانة للأمن العالمي"- الأناضول
"نحو عالم أكثر عدالة" كتاب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يقدم فيه مقترحات لإصلاح الأمم المتحدة، مشددا على أن البنية الفاسدة الجائرة للنظام الدولي هي أساس الأزمات الإنسانية التي تشهدها مناطق العالم.

ويحرص الرئيس التركي، في خطاباته خلال المؤتمرات والاجتماعات الدولية، على تكرار عبارة "العالم أكبر من خمسة"، في إشارة إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأصبح شعار "العالم أكبر من خمسة"، الذي أطلقه أردوغان لأول مرة عام 2013، موقفا مشهورا يقف ضد البنية غير العادلة للنظام الدولي، وكان لافتا في الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في ولاية نيويورك الأمريكية، تبني شخصيات دولية لهذا الموقف.

أردوغان يجدد انتقاده لمجلس الأمن
وأمام منصة الأمم المتحدة، جدد أردوغان كلماته، بالتأكيد على أن مجلس الأمن الدولي "لم يعد ضمانة للأمن العالمي، وبات ساحة تصادم للاستراتيجيات السياسية للدول الخمس دائمة العضوية".

وأضاف: "ينبغي علينا بناء هيكل لإدارة عالمية قادرة على تمثيل جميع الأعراق والمعتقدات والثقافات في العالم.. علينا إعادة هيكلة المؤسسات المسؤولة عن ضمان الأمن والسلام والرفاهية في العالم بسرعة، تحت قيادة الأمم المتحدة".

وأوضح أن "دعوتنا إلى تأسيس نظام دولي لصالح البشرية برمتها، من خلال ندائنا بأن (العالم أكبر من خمسة) تلقى صدى متزايدا. نحن نتفق مع التصريح الذي أدلى به مؤخرا أمين عام الأمم المتحدة غوتيريش، بأن المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لا تعكس عالم اليوم".

وتابع: "رؤيتنا (قرن تركيا) التي بدأنا في تحقيقها في الذكرى المئوية لتأسيس جمهوريتنا، هي التعبير الأكثر وضوحا لهذا التطابق. نحن نؤمن بإمكانية وجود نظام دولي يقضي على الظلم العالمي ويعالج عدم المساواة الاقتصادية ويحقق السلام والأمن والاستقرار والرخاء وفعّال وشامل ومحتضن للإنسانية، أي إمكانية وجود عالم أكثر عدلا".

Image1_920232565110627362914.jpg

بايدن يتعهد بإصلاح وتوسيع مجلس الأمن
وكان اللافت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي تعهد فيها بمواصلة بلاده الضغط من أجل "إصلاح وتوسيع" مجلس الأمن الدولي.

وقال بايدن لزعماء العالم إن إدارته "أجرت مشاورات جادة مع العديد من الدول الأعضاء بشأن توسيع مجلس الأمن"، مضيفا أن "واشنطن ستواصل القيام بدورها لدفع جهود الإصلاح إلى الأمام".

وتابع: "نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على كسر الجمود الذي كثيرا ما يعيق التقدم ويعرقل التوافق في المجلس، نحتاج إلى مزيد من الأصوات، ومزيد من وجهات النظر على الطاولة".

وشدد بايدن على أن "الأمم المتحدة يجب أن تستمر في الحفاظ على السلام ومنع الصراعات وتخفيف المعاناة الإنسانية".

غوتيريش: الحوكمة العالمية عالقة في الزمن
من جانبه، قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، في أكبر تجمع دبلوماسي في العالم: "إن الحوكمة العالمية عالقة في الزمن. لا تنظر إلى أبعد من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ونظام بريتون وودز الذي وقع سنة 1944، إنهما يعكسان الحقائق السياسية والاقتصادية لتلك الحقبة".

وقال غوتيريش في انتقاده للأمم المتحدة: "لقد تغير العالم. ومؤسساتنا لم تتغير. ولا يمكننا أن نعالج المشاكل بشكل فعال كما هي إذا كانت المؤسسات لا تعكس العالم كما هو". وأضاف: "بديل الإصلاح هو مزيد من التشرذم، إما الإصلاح أو التمزق".

وهذا هو ما يردده أردوغان برفعه شعار "العالم أكبر من خمسة" كما هو موضح في الكتاب.

ماذا يتضمن كتاب أردوغان؟
يشتمل الكتاب على قسمين رئيسيين بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة. يتطرق القسم الأول إلى المعايير المزدوجة في السياسة الدولية وحاجة الأمم المتحدة إلى الإصلاح، ومعضلات السياسة العالمية، ويتناول شرعية الأمم المتحدة، وقضايا العدالة العالمية، وأزمة اللاجئين، و"الإرهاب الدولي"، ورهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا)، ومشكلة فاعلية الأمم المتحدة وتأثيرها، وقضية الشمولية والتمثيل والحوكمة العالمية.

ويأتي القسم الثاني من الكتاب ليحدد رؤية لحل التحديات الواردة في القسم الأول، من خلال هيكل الأمم المتحدة بعد إصلاحه، ويقدم مقترحات مثل تحقيق العدالة في التمثيل، وإلغاء امتياز حق النقض، وتحديد العلاقة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن الذي يدعو لزيادة عدد أعضائه إلى 20، من خلال آلية يقترحها، وإنشاء مجلس ذي نظام تناوبي، تلعب من خلاله الجمعية العامة للأمم المتحدة دورا تشريعيا، واعتبار مجلس الأمن السلطة التنفيذية لها.


Image1_920232565353236589789.jpg

معضلات النظام الدولي الحالي
ويشدد أردوغان على أنه "لا يمكن ترك مصير البشرية لأهواء عدد محدود من البلدان في عصر يواجه فيه العالم مشاكل جسيمة"، مشددا على ضرورة مراجعة الأفكار والمؤسسات والقوانين، حتى لا تفقد المنظمات الدولية سمعتها ومكانتها، مع تقديم إطار فكري جديد يرنو لحل المشكلات وتكون محوره العدالة، دون الخروج عن الواقع الحالي للنظام العالمي، وبعد ذلك تحديد خارطة طريق واقعية مع التركيز على فترة انتقالية لهيكلة المؤسسات والقوانين.

ويؤكد على فكرة التعددية القادرة على وضع القضايا والمشاكل في أجندتها حال حدوثها، وإنتاج حلول فعالة واسعة النطاق، ويطالب بوضع مجلس الأمن في هيكل وآليات أكثر فعالية وديمقراطية وشفافية وخضوعا للمساءلة، مع تعزيز الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمس الضمير المشترك للمجتمع الدولي.

ويشير الرئيس التركي إلى أن جائحة كورونا زعزعت أكبر الاقتصادات من الأعماق، وأصبحنا نشهد الانتقال من عصر المنافسة الاقتصادية إلى عصر يمكن أن نصفه بـ"عصر الحروب التجارية"، كما تسببت سياسات القمع والعنف التي تمارسها حكومات العديد من بلدان الشرق الأوسط والمناطق الأخرى ضد مواطنيها في إحداث دمار خطير وتوترات اجتماعية، كما أن سياسات القهر والتهميش توفر أرضية صالحة للاستغلال من المنظمات الإرهابية، ناهيك عن تزايد موجة الإرهاب العنصري والعداء للإسلام ابتداء من أوروبا حتى نيوزيلندا.

وفي ظل الأزمة السورية، والهجرات التي شهدها العراق وأفغانستان، والقضية الفلسطينية التي لا تزال المصدر الرئيسي للتوترات والأزمات في المنطقة بأسرها، ومئات الآلاف الذين نزلوا في الشوارع في العام 2011 يطالبون بالديمقراطية والعدالة، والذين ما زالوا يتعرضون للمزيد من القهر والظلم، يكتفي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بموقف المتفرج، والأدهى من ذلك تموضع المجتمع الدولي والجهات الفاعلة عالميا ضد الديمقراطية ومطالب الناس بالعدالة، وإضفاء الشرعية على أولئك الذين يقتلون الأبرياء بوحشية في محتلف أنحاء العالم، والتغاضي عن العنف وبتجاهل القيم العالمية من أجل سياسة الواقعية، وفقا لأردوغان.

ويرى أن منظمة الأمم المتحدة، التي تبنت شعار إقامة سلام عالمي، تفقد فعاليتها تدريجيا وتتحول إلى منظمة مختلة وظيفيا، مشيرا إلى أن الأمم المتحدة وعلى رأسها مجلس الأمن، معرضة لخطر فقدان وظيفتها ومصداقيتها بسبب عجزها عن مواجهة الصراعات وحركات الهجرة الجماعية القسرية واضطهاد الأبرياء في مناطق كثيرة في العالم.

ويضيف أنه لا يمكن لبنية تتجاهل توزيع القوى العالمية الجديدة والتغيرات في التوازنات الاقتصادية العالمية، ومتطلبات القوى المتصاعدة، أن تحمل النظام العالمي الحالي.

وعند النظر إلى مجلس الأمن من حيث القارات، نجد أن الأعضاء دائمي العضوية هم من آسيا وأوروبا وأمريكا، أما من ناحية الديانات، فإن أغلبية الأعضاء دائمي العضوية مسيحيون، بمعنى أنه ليس للأديان الأخرى الكبرى الكبيرة كالإسلام حضور في المجلس، أما من ناحية العرقية، فإن دول العالم الرائدة مثل العربية والتركية والهندية والإندونيسية والأفريقية ليس لها تمثيل في المجلس، فضلا عن أنه ليس للأعضاء المؤقتين المنتخبين لمدة عامين رأي مهم في قرارات المجلس.

ويشدد أردوغان على أن العالم ليس أحادي القطب أو ثنائي القطب، وليس خاضعا لثقافة مهيمنة أو لعدد قليل من أصحاب الامتيازات، مشيرا إلى إمكانية إنشاء عالم متعدد الأقطاب والمركزية والثقافات، وأكثر شمولية وعدلا، وهذا يمر عبر إصلاح الأمم المتحدة.


Image1_920232565654400166637.jpg


والمقترح التركي قائم على أن "العالم أكبر من خمسة"، ويرتكز بشكل أساسي على تغيير هيكلية مجلس الأمن بحيث يشمل كافة القارات والمعتقدات والأعراق والثقافات بطريقة أكثر إنصافا، لإرساء العدل والسلام العالمي.

ويقترح أردوغان أن يكون عدد الأعضاء دائمي العضوية في مجلس الأمن عشرين بدلا من خمسة بلدان، وإلزامية تحقيق التوازن من خلال زيادة سلطات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وألا يكون مجلس الأمن هو المحدد الوحيد، ومنح الجمعية العامة بنية خاضعة للمساءلة.

ويدعو أردوغان إلى إزالة نموذج العضوية الدائمة في شكله الراهن على شرك الأولوية، وإزالة صلاحيات النقض للأعضاء، التي تعد أحد الأسباب الرئيسية للاحتقان.

ويشدد على أن العالم مستقبلا سيطرح للنقاش مسألة شرعية نظام دولي يعجز عن وضع حد للظلم العالمي والنزاعات السياسية والأزمات الاجتماعية والاقتصادية.

ورغم أن الدول الغربية هي مؤسسة النظام الذي أنشأ بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها للأسف تسعى إلى حصر المشاكل في مناطق أخرى من العالم، وتضع نفسها موضع المتميز، في الوقت الذي كان عليها فيه مواجهة هذه المشاكل بواقعية، لافتا إلى أنها تحاول الهروب من المشاكل التي سببتها تشوهات النظام الدولي في مناطق أخرى في العالم بغية حماية مصالحها الشخصية.

ويضيف أردوغان أن النظام العالمي والدولي يواجه اليوم مشكلات تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة، تتمثل في ازدواجية المعايير، كما توشك آليات الحوكمة العالمية على فقدان وظيفتها، لافتا إلى أن الحرب في سوريا كشفت معضلات النظام العالمي والأمم المتحدة بمجملها بشكل فاضح.

ويرى أن النظام الذي أسس تحت قيادة الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، عجز عن توفير الاستقرار، وأحدث أزمة في مناطق كثيرة في العالم، أبرزها الأزمة الأمنية منذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001. ولم تنجح الأمم المتحدة ولا منظمة دولية أخرى في وضع تعريف مشترك ومقبول لـ"الإرهاب الدولي"، ووضع آليات مشتركة لمواجهته.

ويشير إلى أن هناك الكثير من المؤسسات الدولية التي تعمل ببطء في العالم، ولم تكن عادلة قط، وخدمت على الدوام السعي للهيمنة الدولية والقوى العظمى، ووفقا لأهواء الأعضاء الخمسة دائمي العضوية في مجلس الأمن.

ويعتقد أننا أمام نظام عالق بين القانونية والشرعية، وثمة اتفاق على أن مجلس الأمن يعاني أزمة من حيث الوظيفة والأداء، ولا يمتلك آليات عادلة ومقبولة وفق المعايير الدولية. فلم يتمكن من إقامة العدالة ولا منع الحروب، ولا تحقيق السلام والاستقرار العالميين.

ويؤكد أن عملية صنع القرار يجب أن تتضمن وفقا للمعايير الدولية بنية جديدة بمشاركة واسعة من الدول الأعضاء، بكل موضوعية وشفافية حتى تتمكن الدول الأخرى من مراقبتها والإشراف عليها.

ويتساءل: "هل من الممكن أن تمنح الشرعية لنظام يؤيد الأقوياء لمجرد ارتفاع أصواتهم بدلا من حماية الضعفاء؟.. هل يمكن التدخل في مصير أمة لمجرد قرارات اتخذتها غالبية الجمعية العامة؟".. إن نظاما كهذا ليس عادلا ولا شرعيا.

ويشدد على أن تقسيم الدول إلى متقدمة وأخرى نامية في نظام تترابط فيه جميع الدول ببعضها البعض، إنما هو تقسيم مصطنع، وإبقاء الدول النامية خارج النظام الاقتصادي العالمي يؤثر سلبا على الجميع، بما في ذلك استقرار النظام الاقتصادي العالمي.


Image1_920232565910764481055.jpg

ولم يعد هناك إمكانية لديمومة بنية النظام الأمني العالمي الراهنة التي تراعي الظالم لا المظلوم، ولا تمنح الأمن للإنسانية، وهناك حاجة لبناء عالم متعدد المراكز، وعليه يجب أن يتولى السلطة نظام يضمن مستقبل شعوب البلدان التي يتدفق منها اللاجئين، من الناحية السياسية والاقتصادية، وأي خطوة تتخذ دون النظر إلى السبب الحقيقي وراء مشكلة اللاجئين وإيجاد حلول مناسبة لها، لن ينجم عنها أكثر من مشاهد جديدة تجرح ضمير الإنسانية.

ويشير أردوغان إلى الإسلاموفوبيا المتصاعدة في الغرب بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، ويدعو إلى تصنيف المنظمات المتطرفة المعادية للإسلام كمنظمات إرهابية مثلها مثل تنظيم الدولة، وكما أنها كافحت البشرية معاداة السامية بعد كارثة الهولوكوست فإن عليها أن تكافح معاداة الإسلام بالعزم والإصرار ذاته. وهذا الأمر يقع على عاتق الدول الغربية والمنظمات الدولية، لأن رهاب الإسلام أصبحت تشكل مسألة أمنية عالمية، ويجب على الأمم المتحدة أن تضع جدول أعمال أشمل في هذا الأمر وتقوم على تنفيذه.

ويقصد أردوغان في مقولة "العالم أكبر من خمسة"، هو أننا لا نوافق على نظام "قانون الغابة"، يعطي الكلمة للقوي فقط وليس لصاحب الحق، وليس لأحد الحق في جعل الإنسانية مرهونة بخمس دول، تمثل فقط ربع سكان العالم، ويوجب علينا أن نرى أن العالم كله والدول كلها هي صاحبة قرار في مجلس الأمن.

ويشدد أردوغان على الشمولية والتمثيل في الأمم المتحدة التي تعاني من مشكلة تمثيل الطوائف الدينية فيه، وعلى سبيل المثال لا يوجد ممثل واحد دائم للمسلمين في مجلس الأمن رغم أنهم يشكلون جزءا مهما من سكان العالم.

وهو يدعو إلى مشاركة 15 إلى 20 دولة في مجلس الأمن، ويجب أن تكون الدول الأعضاء هذه قابلة للتغير سنويا أو مرة في كل عامين.

الحوكمة العالمية
ويرى أن مشكلات النظام العالمي لا تنحصر فقط في منظمة الأمم المتحدة فحسب، والتي تعد واحدة من الديناميات الأساسية للحوكمة العالمية، فالمنظمات الدولية الأخرى أيضا لا تساهم في وضع نظام حوكمة عالمي جيد بركائزه الثلاث الأساسية: السياسية والأمنية والاقتصادية.

وفي هذا الإطار، يرى أردوغان أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" يتصدر الحوكمة الأمنية العالمية، لكنه يعاني من الضعف، والنزاعات الداخلية، لكنه يعتقد أن الناتو يمتلك فرقة ليحظى بموقع "المنظمة المفتاحية" في مواجهة التهديدات "العابرة للحدود".

أما على صعيد الحوكمة الاقتصادية العالمية، فالمنظمات والمؤسسات الاقتصادية والمالية، مثل صندوق النقد الدولي الذي لا بد من منعه عن التدخل في البنية السياسية لكثير من الدول إلى جانب عمله في البنية الاقتصادية، ومجموعة العشرين التي تقدم نفسها على أنها "نادي الأثرياء"، فتنمية الدول الفقيرة أمر في غاية الأهمية.

ويبرز أردوغان مسألة مهمة تتعلق بحوكمة العالم الإسلامي، التي لا تزال دوله تعاني من مشاكل جسيمة في تطوير التعاون فيما بينها، وعليه يتوجب على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تكون أكثر فاعلية في حل مشاكل المسلمين.

والشرط الأساسي لتأسيس عالم أكثر عدالة ومساواة، هو إعادة تأسيس بنية الحوكمة العالمية، من خلال نظام عالمي يعيد بناء كل مكونات الحوكمة العالمية من الأمن إلى السياسة ومن الاقتصاد إلى الصحة، لتكون أكثر فعالية ومرونة بعيدا عن زمن العالم أحادي القطبية, وهذا يتطلب أولا تغييرا في العقلية.

والخطوة الاستراتيجية التي يجب اتخاذها لإقامة علاقة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن، تتطلب إعادة النظر في صلاحيات حق النقض.

مبادئ من أجل إصلاح الأمم المتحدة
ومن أجل إصلاح الأمم المتحدة، هناك ست مبادئ تضمن ديمومة النظام الذي سيعاد تشكيله، بالتغلب على المشاكل القائمة، وتتماشى مع متطلبات الوقت الحالي..

المبدأ الأول هو العدل، ولا بد لعملية الإصلاح أن تجعل مبدأ العدالة في مركزها، كونها قيمة مشتركة لكافة المجتمعات.

أما العنصر التكميلي لمبدأ العدالة، فلا بد أن يكون في المساواة والتي تشكل المبدأ الثاني لفلسفة الإصلاح، خاصة في السيادة بين الدول.

والمبدأ الثالث، يكمن في العدل في التمثيل، حيث يتوجب حل هذه المشكلة لسببين اثنين، أولهما هو الحقائق الجيوسياسية الجديدة، والثاني هو ضرورة تمثيل الأمم المتحدة للهيكل الديمغرافي الحالي للنظام الدولي بشكل عادل.

والمبدأ الرابع لعملية الإصلاح الجديدة هو الشفافية، وتتعلق بمن يتخذ القرارات وأين وكيف يتم اتخاذها، بما يحقق العدالة.

والمبدأ الخامس، يتمثل بالمساءلة، وهناك ثلاثة ركائز أسياسية لذلك، الأولى يجب على الأمم المتحدة المكلفة بإدارة الأزمات ومنع الصراعات والحفاظ على ديمومة السلام، أن تبني نظاما قابلا لمساءلة الهيئات المنطوية تحت مظلتها والمرتبطة بتلك العمليات.

أما الركيزة الثانية، فتتعلق بالدول الأعضاء، فمنح الدول الأعضاء سلطة المساءلة ضروري من أجل نظام فعال.

والركيزة الثالثة للمساءلة هي إنشاء آلية مستقلة للرصد والمراقبة في الحالات التي تكون فيها آليات الرقابة الداخلية ورقابة الدول غير كافية.

أما المبدأ السادس والأخير في عملية إصلاح الأمم المتحدة، فيشمل إعادة تأسيس الإجراءات الوقائية، وخلق مذهب يحد من الصراع وإنشاء آليات عملية لتنفيذها.


Image1_92023257215999591886.jpg

شروط أي مقترح لإصلاح الأمم المتحدة
ويجب على أي مقترح لإصلاح الأمم المتحدة أن يحقق أربعة شروط على الأقل، وهي:
أولا: يجب أن تكون مساع لحل شامل وجذري.
ثانيا: يجب ألا تركز مقترحات الإصلاح على المصالح الضيقة للدول، وإنما على عناوين المبادئ.
ثالثا: يجب تحديد الأهداف الاستراتيجية لمساعي الإصلاح بشكل واضح، بحيث تكون ملموسة وتتماشى مع واقع السياسة الدولية وتكون ملائمة للتطبيق، وتركز على قضايا ذات أولوية وألا تغرق في العناوين الهامشية.
رابعا: يجب أن يسير الإصلاح وفقا لجدول زمني، وتحديد متى وكيف سيتم تنفيذه بكل وضوح.

العدالة في التمثيل
وتأسست الأمم المتحدة عام 1945 بتوقيع من 51 دولة فقط، أما اليوم فتضم 193 عضوا، أي أن عدد الأعضاء تضاعف أربعة أضعاف، ولم يعد من الممكن النظر إلى الأمم المتحدة كمنظمة دولية أسسها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، بل أصبحت منظمة يتشارك فيها العالم بأسره.

وعلى سبيل المثال أصبحت ألمانيا واليابان الدولتان المهزومتان في الحرب العالمية الثانية، ثاني وثالث أكبر مساهمين في ميزانية الأمم المتحدة، وبينما تتناقص المساهمة المالية من فرنسا وإنجلترا وروسيا تدريجيا، فقد زادت مساهمة القوى الناشئة الجديدة.

ويتضمن العدالة في التمثيل، إعادة هيكلة المنظمة لضمان تمثيل جغرافي كامل، فبينما تمثل دولتان قارة أوروبا في مجلس الأمن، نجد أمريكا الجنوبية وأفريقيا غير ممثلتين ولا حتى بدولة واحدة.
وبينما كان الأعضاء الخمسة دائمو العضوية يشكلون 60 بالمئة من سكان العالم في عام 1945، فإنهم اليوم لا يمثلون إلا 26 بالمئة، أي أن 74 بالمئة من سكان العالم مهمشون غير فاعلين.

كما أن هناك نقصا في التمثيل في الأمم المتحدة على الصعيد الاقتصادي، ففي حين أن الأعضاء الخمسة الدائمين يغطون 42 بالمئة (22 بالمئة من الولايات المتحدة لوحدها) من ميزانية الأمم المتحدة، فإن البلدان التي تغطي 58 بالمئة مستمرة في تغطية الميزانية في مؤسسة ليس لها فيها حق إبداء الرأي.

العلاقة بين الجمعية العامة ومجلس الأمن
ويذكر أردوغان أنه ليس هناك مبدأ سياسي واقعي أكثر من أن يكون مجلس الأمن تابعا للجمعية العامة في قرارته، وخاضعا لمساءلتها، والإصلاح يشمل أن ينتهي إلى:

- تفويض الجمعية العامة التي تمثل فيها جميع البلدان بإدارة مجلس الأمن.
- اختيار أعضاء مجلس الأمن من الجمعية العامة، وأن تكون مدة المنصب محدودة، واعتماد نظام تناوب العضوية.
- إلغاء قاعدة العضوية الدائمة.
- إلغاء حق النقض.
- بإمكان الدولة التي تنتهي فترة عضويتها، الترشح مرة أخرى للعضوية.
- إذا أرادت دولة الانضمام إلى مجلس الأمن فعليها الامتثال للقواعد التي يجب وضعها ضمن مبدأ التنافس.
- أن تتصرف الجمعية العامة كهيئة وأن تمتلك حق سن التشريعات، أما مجلس الأمن فعليه أن يستلم وظيفته كحكومة خارجة من قلب الجمعية كسلطة تنفيذية.

وفي الختام، يشدد أردوغان على أنه لمواجهة امتياز حق النقض لدى الدول دائمة العضوية، فإن من الممكن تنظيم اجتماع تشارك فيه أكثر من 130 دولة تشكل أغبية ثلثي الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطالب بإلغاء حق النقض، ورغم أن تلك الدول الخمس ستسقط هذا القرار، فإن هذا سيظهر فقدان مجلس الأمن لكامل شرعيته، ولعل هذا ما تحتاج إليه البشرية، فـ"العالم أكبر من خمس دول".
التعليقات (0)