كتاب عربي 21

غزة إذ تفسد الحفلة الكبرى

أحمد عمر
"يرون ملكتهم عارية، تقتل الأطفال أمام أعين الكاميرات، وتدمر البيوت والمشافي" جيتي
"يرون ملكتهم عارية، تقتل الأطفال أمام أعين الكاميرات، وتدمر البيوت والمشافي" جيتي
ذكّرتنا غزة، هذه الوليدة الصغيرة، يتيمة الأبوين، بحكاية الولد الشقي، في حكاية "حلّة الإمبراطور السعيد" الذي صرخ في الحفلة، فأفسدها، والذي لا نعرف كيف دخل إليها من غير دعوة: الملك عريان، ليس عريانا وحسب، إنما هو ممسوخ، فجسمه جسم خنزير، وفكّاه فكّا تمساح، وبراثنه براثن دب، وذيله ذيل ثعلب (بسبع لفات)، هو كائن عجيب مثل حيوان سلفادور دالي في لوحته الشهيرة، لديه من كل حيوان عضو.

كانت إسرائيل قد ارتدت أجمل حلّة في العالم وآتت زخرفها وازّينت، في حفلة التطبيع المنتظرة، الحفلة الكبرى، وهي من هي؛ دولة اللبن والعسل، فيها أجمل المستوطنات، وأذكى العقول الزراعية والحربية، وأطيب الثمار، وأمهر العبيد في قطاف الزيتون والبرتقال والألم، وفيها المظاهرات السلمية، والانتخابات المنظمة، والحكومات المتعاقبة، فهي البلد الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط. لأمريكا عشرات شركات المكدونالدز وستاربكس والسفارات في الشرق الأوسط والقواعد العسكرية، لكن ليس للديمقراطية مدرسة واحدة فيها. وهي ديمقراطية للعرض فقط: وممنوع اللمس (حتى لا ينتقض وضوؤها)، وممنوع الاقتراب والتصوير. ضوء الفلاش سيعمي بصرها.

إنها دولة ديمقراطية لشعبها الغازي الوافد، ودولة مساواة في أنواع القتل، فهي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، مساواة تامة، بل لفرط عدالتها وتقواها تساوي بين البشر والحجر والشجر في الهدم. هذا أهم درس ثابر هذا الكيان على تلقينه للشعوب العربية وشعوب العالم

الحق إنها دولة ديمقراطية لشعبها الغازي الوافد، ودولة مساواة في أنواع القتل، فهي تقتل الأطفال والنساء والشيوخ والرجال، مساواة تامة، بل لفرط عدالتها وتقواها تساوي بين البشر والحجر والشجر في الهدم. هذا أهم درس ثابر هذا الكيان على تلقينه للشعوب العربية وشعوب العالم.

ظهر عري الملك، وعري ملوك الأرض المدعوين إلى الحفلة جميعا، وبرز عار المنظمات الدولية، وعار الأمم المتحدة، وعورة القانون الدولي، وعورات منظمات حقوق الإنسان. تلعثم الجميع، وهم يرون ملكتهم عارية، تقتل الأطفال أمام أعين الكاميرات، وتدمر البيوت والمشافي، أما المساجد فلا بأس بقصفها، وعري الأنثى أنكى وأعيب من عري الذكر، وليس عريا وحسب إنما هو عري وعار.

لنذكر أمثلة المحمدين الثلاثة، وقد دعوا إلى الحفلة:

أحدهم الممثل المصري محمد سلام، الذي خرج يقول في جمل هادئة معتذرة إنه لن يشارك في حفلة التطبيع الكبيرة في موسم الرياض، وهي حفلة تطبيع، وأهل غزة يُقتلون، والتطبيع ألوان، لن يستطيع أن يهزر ويلهو والشعب الفلسطيني يُقتل، وإنه لن يشارك في مسرحية "زواج صناعي"، أقل ما يمكن فعله هو النكول عن التطبيع الصناعي والعودة إلى الطبع.. قال بيانه وهو يلبس قميصا عليه صورة محمد علي كلاي، الذي اعتذر عن المشاركة في حرب فيتنام، كأنه قال تورية وكناية: إن الملك عريان، فأدرك حرس الملك غرضه ومرامه، فغضبوا، وكان أغضبهم للعار، الإعلامي المصري عمرو أديب، الذي قال في بيان مكتوب، وليس بيانا مرئيا، يدافع فيه عن الملك الكريم الحليم، مشنّعا على "الكومبارس" الغمز من دور السعودية السعيدة: إن الملك لا يحب الأضواء والألعاب النارية (فلمَ كل هذه الألعاب النارية في موسم الرياض)، ويفضّل صدقة السر، فهي تطفئ غضب الرب!

أما محمد صلاح "فخر العرب"، الذي سحر العرب بفصاحة قدمه في الملاعب الخضراء، والقدم أداة غربية للسحر والبيان، فلم ينسحر العرب والمسلمون بقدم قط، هي المرة الأولى التي يصير عربي فخرا للعرب بقدمه وليس برأسه أو لسانه، فهم إنما كانوا يعتلون المعالي بسيوفهم وأقلامهم.. فأعلن في فيديو، في اليوم التاسع من طوفان الأقصى، والذعر ظاهر في عينيه، وشفتيه، عن صدقة ستودع في صندوق الهلال الأحمر المصري، قد تصل وقد لا تصل، وكان بيانه بالإنكليزية وليس بالعربية، وفي بيانه تضامن مع المدنيين عامة (حتى يشعر أنهم من الجانبين) ولم يذكر غزة أو الأقصى خوفا من فئران القبو أن يقرضوا أذنيه الجميلتين.

غزة أحرجت الجميع، العامة والخاصة، الملوك والمماليك، حتى إن بعضنا طفق يخصف من ورق الخريف، يستر ويواري بها سوأته. أشجعنا من وضع بيتا من الشعر، أو آية، ولم يسلم، وتكلم بعضنا بلغة الإشارة، والأحاجي، فمن يجرؤ على قولة إن الملك عريان

أما المحمد الثالث، فهو "صعيدي في الجامعة الأمريكية"، الذي ظهر في موسم الرياض موسم الأضواء والأفخاذ النارية، بقبعة أمريكية، كأنه "كاوبوي مصري في أرض الحرمين".

الحق إن غزة أحرجت الجميع، العامة والخاصة، الملوك والمماليك، حتى إن بعضنا طفق يخصف من ورق الخريف، يستر ويواري بها سوأته. أشجعنا من وضع بيتا من الشعر، أو آية، ولم يسلم، وتكلم بعضنا بلغة الإشارة، والأحاجي، فمن يجرؤ على قولة إن الملك عريان، وكلبان، حتى إن أنطونيو غوتيرش، أوشك أن يتراجع عن قوله الذي أدان به إسرائيل، أو قد فعل.

لقد رمت غزة بأفلاذ أكبادها وهي تقول الحق، عرّتنا جميعا، أخرست بعضنا، وأنطقت آخرين، في نيويورك ولندن ولوس أنجلوس وبلوشستان وداغستان، وكذلك يقلب الله القلوب والشعوب، والأيام والأقلام.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (4)