قضايا وآراء

سلاح الذكاء الاصطناعي أم الرؤوس النووية؟

أحمد زهير أرجوب
تنشر إسرائيل دعايتها بوسائل متعددة- إكس
تنشر إسرائيل دعايتها بوسائل متعددة- إكس
"خطر الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير من خطر الرؤوس الحربية النووية. تذكروا كلامي هذا، الذكاء الاصطناعي أخطر بكثير من الأسلحة النووية"، هكذا عبر الملياردير العالمي إيلون ماسك، صاحب أكبر الشركات التقنية على مستوى العالم والمبنية على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، عن خطر أبرز ما قدمته الثورة الصناعية الرابعة باعتبارها أداة فاعلة ووسيلة قوية لم يشهد لها عالم تكنولوجيا المعلومات مثيلا من ذي قبل ويمكنها أن تغير شكل العالم، وخاصة إذا ما استخدمت هذه التقنيات الذكية في جانب الشر.

خطر الذكاء الاصطناعي لا بذاته بل بتوظيفه في خدمة الشر أثار اهتمام العديد من الأشخاص والمؤسسات وحتى الدول، لتحديد استخدامه وفق أنظمة مضبوطة. كما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أكثر من مناسبة عن الذكاء الاصطناعي بكونه خطرا يهدد وجود البشرية، ودعا إلى وضع أنظمة، ومؤسسات على مستوى دولي لمراقبة استخدامها، وضمان المنفعة العامة، لتوجه تطبيقاته إلى ما يمكن أن يرفع من سوية الخدمات المقدمة وبما لا يخرج عن مصلحة البشرية، وفي حالة استحداث شكل جديد من الخدمات فإنها يجب أن تكون ضمن السياق ذاته بما يعزز التحسين المستمر في المستويات النافعة الخيّرة.

ظهرت تجليات استخدام الذكاء الاصطناعي ضمن منظومة أسلحة الدمار الشامل الإسرائيلية التي فتكت بحياة المدنيين وهدمت المجمعات السكنية، وقضت على جميع تفاصيل الحياة في أقسى ما عرفته البشرية حتى اليوم من خروج عن منطلقات الإنسانية والتعامل بمنهجية المخالب والأنياب.

إن ما نشهده اليوم في العدوان الإسرائيلي على غزة عبر العديد من الأنظمة الذكية التي تحدد الأهداف بدقة عالية وتفتك بكل من يقف أمامها ضمن عوامل معقدة متداخلة كالتوقيت، وحجم الذخيرة، ودقة الأهداف، وغيرها تتيح لآلة الحرب الإسرائيلية أن تتفنن في رسم أبشع صور الموت بحرفية عالية لتنتج مشاهد مختلفة من المأساة والألم للأبرياء.

أتاحت خوارزميات الذكاء الاصطناعي المبنية على التعلم المراقَب بالإضافة إلى التعلم المدعوم؛ فرصة لخلق محتوى جديد من خلال مجموعة من الأوامر أو التعليمات، حيث يتم دراسة قواعد البيانات لمعرفة واستخراج الأنماط، ومن ثم إنتاج محتوى جديد؛ حيث يعتبر تطبيق "تشات جي بي تي" من أهم التطبيقات التي تم تصميمها وفقا لهذه المنهجية، ولاقت رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة على نطاق واسع جدا.

وجدت إسرائيل في هذه التقنية فرصة جيدة لمحاولة رسم صورة حرب أمام العالم ممتلئة بالظلم والدمار بريشة التكنولوجيا وألوان الكذب، لتبث في كل حدب وصوب صورا تفطر لها قلب العالم وأثارت الرأي العام العالمي بكل قوة لكف المعاناة والألم عن إسرائيل، وحيث أن حبال الكذب أقصر بكثير مما تظن، كشفت برمجيات ذكية متطورة أن ما تصدره إسرائيل من صور متعلقة بقتل سكانها وحرق الأطفال تم إنتاجه افتراضيا وليس حقيقة، وأن من صدق أو تداول أو صرح بمحتوى هذه الصور أصبح محرجا، كما اضطر البيت الأبيض لأن يتراجع عن تصريحات رئيسه حول قطع رؤوس الأطفال والادعاء بأن هذه التصريحات كانت مبنية على "مزاعم" مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية.

من جانب آخر، وحيث أن الحرب النفسية تعد أحد أهم المحاور التي لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، تحاول الإدارة الإسرائيلية رفع الروح المعنوية للإسرائيليين بأحداث أو انتصارات كاذبة مدعومة بالصور والتسجيلات الصوتية وبثها عبر المنصات المختلفة، لخلق توازنات بين الأطياف المختلفة بما يضمن إدارة الموقف الداخلي لحين انتهاء الحرب.

أراد العالم أن تكون منصات التواصل الاجتماعي المنضدة الأولى التي توضع عليها كل ما يجري في أي من أرجائه ليراها الجميع دون أي قيود، بعدما أذابت العولمة التكنولوجية جميع الحدود والحواجز، وأصبح العالم قرية صغيرة نتجول بين أروقتها بحرية وسهولة، ولكن سرعان ما وضعت إسرائيل حدودا وعقبات في هذا الفضاء الإلكتروني لتسمح بمرور الأخبار والمحتويات التي تريدها فقط دونما قيد أو شرط، وتخفي كل ما يصور حقيقتها الدموية عن العالم عبر توجيه خوارزميات الذكاء الاصطناعي لفرز محتوى ما يُنشر، ومنع إيصال أي محتوى يصور معاناة الشعب الفلسطيني من قتل وهدم وحرق الممتلكات. كل ذلك يتم إخفاؤه عبر استخدام الخوارزميات الذكية المتعلقة بمعالجة اللغات الطبيعية لتحديده أولا ومن ثم إلغائه. وفي المقابل يتم توجيه الخوارزميات لتعمل على نشر المحتويات المتعلقة بمعاناة الإسرائيليين وتوسيع نشرها على أوسع نطاق، لكسب التعاطف من المجتمعات الدولية والتأثير على صناعة القرارات الداعمة والمؤيدة لكل ما تقوم به إسرائيل من سياسات الحرب والتدمير.

علينا أن ندرك بأننا ندفع اليوم ثمن تغريدنا خارج سرب الثورة التكنولوجية، وأن بقاءنا طوال الوقت ضمن فصيلة المستهلكين لما يقدمه العالم الأول من تقنيات وأنظمة وتطبيقات تكنولوجية أبقتنا تحت رحمة من يمتلكها ليقرر عنا فحوى رسائلنا للعالم، وأن امتلاك هذه التقنيات المتطورة والعمل على تطويرها بأيد عربية ستفتح المجال لنا بأن نصدّر للعالم ما يمكن من خلاله أن نكون رقما صعبا يصعب تجاوزه أو استغفاله.
التعليقات (1)