قضايا وآراء

كارثة السد الإثيوبي.. رمتني بدائها وانسلت

قطب العربي
هل يتم التلويح بالخيار العسكري لحماية حقوق مصر؟- الأناضول
هل يتم التلويح بالخيار العسكري لحماية حقوق مصر؟- الأناضول
عقب إعلان وزارة الري المصرية عن انتهاء جولات المفاوضات مع إثيوبيا حول سد النهضة بالفشل، لم تجد السلطات المصرية أمامها ورقة توت تحفظ بها فضيحتها فأوعزت إلى أذرعها الإعلامية لتحميل الإخوان المسئولية عن تلك الأزمة، وهنا خرجت الجوقة الإعلامية في نفس واحد، وبـ"اسكربت موحد"، وتصريحات واحدة من أعضاء لجنة المفاوضات بأن سبب أزمة السد ليس جريمة النظام المصري بالتوقيع على إعلان المبادئ في آذار/ مارس 2015؛ الذي فتح الباب أمام إثيوبيا للبدء العملي في البناء، والحصول على التمويلات الدولية المطلوبة له، وإنما السبب هو المؤتمر الذي عقده الرئيس السابق محمد مرسي مع رؤساء الأحزاب المصرية (حزيران/ يونيو 2013)، وأذيع على الهواء متضمنا تهديدات صريحة بالحرب على ألسنة بعض المشاركين، وكذا الزعم بأن حكومة الرئيس مرسي لم تستخدم في المفاوضات مبكرا تقريرا أعدته حكومة الدكتور عصام شرف (في عهد المجلس العسكري) أشار إلى بعض المخاطر البيئية من بناء السد، وأنها أخفت ذلك التقرير الذي ظهر للإعلام من خلال منظمة الأنهار الدولية!!

يتصور النظام المصري أن طريقته في تسويق الأكاذيب والأوهام التي تعامل بها منذ 2013 لا تزال صالحة بعد عشر سنوات، متجاهلا أن الشعب اكتشف بنفسه زيف الكثير من الأساطير التي أسس عليها النظام حكمه مثل أخونة الدولة، وبيع قناة السويس والأهرامات، وبرج القاهرة.. الخ، وحين وصل إلى طريق مسدود عبر المفاوضات مع إثيوبيا عاد لاستخدام ذاك الأسلوب القديم من إلقاء التهم على غيره "رمتني بدائها وانسلت".

يتصور النظام المصري أن طريقته في تسويق الأكاذيب والأوهام التي تعامل بها منذ 2013 لا تزال صالحة بعد عشر سنوات، متجاهلا أن الشعب اكتشف بنفسه زيف الكثير من الأساطير التي أسس عليها النظام حكمه مثل أخونة الدولة، وبيع قناة السويس والأهرامات، وبرج القاهرة.. الخ، وحين وصل إلى طريق مسدود عبر المفاوضات مع إثيوبيا عاد لاستخدام ذاك الأسلوب القديم من إلقاء التهم على غيره

ربما انطلت بعض الأكاذيب على الشعب المصري في البداية لكنه ما لبث أن اكتشف تلك الأوهام، سواء التي ألصقها النظام بمعارضيه وخاصة الإخوان، أو تلك الوعود الكاذبة التي أسرف في إعلانها بعد أيام أو أسابيع قليلة من انقلابه، مثل "مصر أم الدنيا وهتبقى قد الدنيا"، أو "اصبروا معي ستة أشهر والحال هيتعدل"، وهو الوعد الذي تم تجديده بسنة ثم سنتين، وقد امتد حتى الآن إلى عشر سنوات لم ير فيها المصريون تحسنا في معيشتهم؛ بل مزيدا من التدهور مع تفاقم الفقر والديون والبطالة وانهيار قيمة الجنيه أمام الدولار الذي كان يعادل ستة جنيهات حين تسلم السيسي السلطة ليقترب الآن من ستين جنيها.

ليست المرة الأولى التي يحاول فيها النظام المصري عبر أذرعه إلقاء المسئولية على حكم الرئيس مرسي في أزمة السد الإثيوبي، فهي شماعة جاهزة عند كل تعثر للمفاوضات، وأصبح أكثر جاهزية مع الفشل النهائي للتفاوض، ولم يعد أمام النظام سوى تنفيذ تهديداته النظرية بأن مياه النيل خط أحمر، وأن رد الفعل المصري على المساس بها "قد يتسبب في اضطراب المنطقة"، والمعنى المقصود هنا هو الحرب (30 آذار/ مارس 2021).

يتذكر المصريون الآن مواقف الرئيس مرسي تجاه النيل أو غيره من القضايا الحيوية، فمرسي هو القائل "لو نقصت قطرة من ماء النيل فدماؤنا هي البديل"، ومرسي هو الذي جمع رؤساء الأحزاب للتشاور في خطة رد وطنية على مساعي إثيوبيا لبناء السد، وهذا يعني أن لقاء مرسي مع قادة الأحزاب هو نقطة تحسب له لا عليه، فهو لم يشأ الانفراد بالقرار في قضية وطنية كبرى؛ على خلاف السيسي الذي انفرد منذ وصوله إلى السلطة بإدارة هذا الملف، متوعدا المصريين "متسمعوش كلام حد غيري".

لقد أراد مرسي رحمه الله بناء موقف مصري وطني موحد، حتى إذا جد الجد وحانت لحظة الخطر فإنه سيستند إلى ظهير شعبي وطني واسع، ولا يهم كثيرا السماح بإذاعة لقائه مع قادة الأحزاب على الهواء، فالرسالة التي خرجت سواء بطريق العمد أو الخطأ وأرعبت إثيوبيا هي الرسالة المطلوبة في هذا الموقف، ثم إذا كان النظام الحالي يعتبر ذلك التهديد سببا في تعنت إثيوبيا فلماذا عاد لاستخدامه في آذار/ مارس 2021 بعد أن كان البناء قد اكتمل والملء قد بدأ؟

أراد مرسي رحمه الله بناء موقف مصري وطني موحد، حتى إذا جد الجد وحانت لحظة الخطر فإنه سيستند إلى ظهير شعبي وطني واسع، ولا يهم كثيرا السماح بإذاعة لقائه مع قادة الأحزاب على الهواء، فالرسالة التي خرجت سواء بطريق العمد أو الخطأ وأرعبت إثيوبيا هي الرسالة المطلوبة في هذا الموقف، ثم إذا كان النظام الحالي يعتبر ذلك التهديد سببا في تعنت إثيوبيا فلماذا عاد لاستخدامه في آذار/ مارس 2021 بعد أن كان البناء قد اكتمل والملء قد بدأ؟

لن نمل من تذكير النظام بجريمته بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ دون التأكيد على حقوق مصر التاريخية في المياه، هذا الاتفاق هو الذي فتح الباب للمؤسسات الدولية لمنح إثيوبيا التمويلات اللازمة للبناء. فقبل هذا الاتفاق كانت تلك المؤسسات الدولية ترفض التمويل التزاما بقواعد دولية تمنعها من تمويل مشروعات محل نزاع، أما وقد زال النزاع بموجب ذاك الاتفاق فقد انتهت قيود التمويل، وبذلك فالمسئولية في رقبة السيسي بشكل مباشر عن ذلك، وليس أحدا غيره.

الجريمة الثانية للسيسي أن انقلاب 2013 أدخل البلاد في اضطرابات لم تنته استغلتها إثيوبيا بطبيعة الحال، وقد بدا السيسي بعده ضعيفا أمام المجتمع الدولي، فاقدا للشرعية، وعانى في بداية انقلابه من قرار أفريقيا بتعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي الذي تحتضن إثيوبيا مقره، وقد لجأ إلى مقايضة العودة إلى الاتحاد بتمرير بناء السد الإثيوبي، لتقوم إثيوبيا بدورها بتشجيع الدول الأفريقية لإلغاء ذلك القرار بعد عام واحد من صدوره رغم استمرار الحكم العسكري.

ها نحن أمام فشل جديد وكبير لنظام السيسي، في قضية تقع في صميم الأمن القومي المصري، الذي تقع مهمة حمايته على القوات المسلحة والتي أقسم كل فرد فيها يمينا بذلك، وبعد أن أعلنت السلطة رسميا فشل المفاوضات فإن الشعب المصري ينتظر من يتحرك لإنقاذه، وإنقاذ أرضه من العطش.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)