قضايا وآراء

لماذا تعثرت 25 يناير؟

محمد ثابت
تحديات كبرى تواجه مصر منذ ثورة يناير- جيتي
تحديات كبرى تواجه مصر منذ ثورة يناير- جيتي
مرت في هدوء بالغ الذكرى الثالثة عشرة لمحاولة ثورة 25 يناير، بما لا يتناسب مع ما توقعه عشرات الملايين من مخلصي المصريين والعالم منها. ففي حين انتظر شرفاء العالم في 2011م تغييرا مستداما في مصر قلب الأمة العربية والإسلامية يعيد إليها رونقها وثقلها، ويبث الأمل ويحوله لمجهودات لتغيير وجه الدول الأفريقية خاصة، والمستضعفة بفعل "الاحتلال المُبطن" أو الثقافي، فتضيء معاني التحول للإيجابية ونبذ التأخر والتخلف من مختلف دول العالم الثالث، ويبذل شبابها الحالم بفرصة عمل وحياة في الغرب مجهودات متفانية لتغيير نمط حياة بلاده وجلب النهضة والتقدم إليها، خاصة أن محاولة الثورة المصرية جاءت في إطار منظومة سبقتها إليها تونس ولحقتها بلا ترتيب: ليبيا، سوريا، اليمن، كما وئدت محاولات أو انتفاضات بدولتين عربيتين أخريين على الأقل، إلا أن ما حدث بالنهاية كان مروعا ومريعا للأسف الشديد.

لقد انتبه الغرب لخطورة المحاولات المضنية للتحرر من سطوة رجال زرعهم في حكم هذه الدول لتحقيق مصالحه دون حاجة لاستمراره في احتلالها مباشرة، فقويت شوكة "الثورات المضادة"، ترنحت القوى الثورية في مصر وغيرها تحت أسر أولي كان لهواء شديد مباغت من فرص الحرية والعمل السياسي المنفتح الآفاق.

سقطت الثورة المصرية في براثن قلة -وأحيانا انعدام- الخبرة في المجالات الأكثر من ضرورية لإدارة الدولة؛ خاصة الملف الخارجي، حيث ظنت أغلب القوى الثورية أنه يمكنها عقد التحالفات اللازمة مع الغرب باحترافية، وأن الأخير يحترم "كلمته" ووعده معها، متناسين أن صلاح نواياهم لا يعني -بالتبعية- تحول العدو لصديق

جاءت فرص التخطيط لمستقبل ملؤه التطلع لنخب لم تكن على مستوى الحدث أو حتى نحو مقارب، فالذين كان يجدر بهم الإلمام بالخطط المستقبلية كانوا -إلا القليل بل النادر- يعانون من إشكالية كبرى مع تخيل إدارة المفاصل الرئيسية للدول، عوضا عن أن الانفتاح الشديد بعد انغلاق مضنى أصاب كثيرين من المنتمين للعمل الثوري بأزمة صعب عليهم اجتيازها، إذ ظنوا أنهم أحاطوا بالأمور من جميع أبعادها الداخلية والخارجية خاصة في دولة مثل مصر؛ أزماتها الداخلية من المُحال التحكم فيها وإدارتها ولو بأقل قدر ممكن من المخاطر إلا لمُحنّكٍ في معرفة دهاليز وأضابير وخفاياها السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية من قبل. وكل هذه المجالات وغيرها تحتاج لفطنة وكياسة نادرين لفهم غير المعلن والخفي المستتر المتفق عليه؛ قبل الواضح الظاهر على أنه حقائق.

وكان أن سقطت الثورة المصرية في براثن قلة -وأحيانا انعدام- الخبرة في المجالات الأكثر من ضرورية لإدارة الدولة؛ خاصة الملف الخارجي، حيث ظنت أغلب القوى الثورية أنه يمكنها عقد التحالفات اللازمة مع الغرب باحترافية، وأن الأخير يحترم "كلمته" ووعده معها، متناسين أن صلاح نواياهم لا يعني -بالتبعية- تحول العدو لصديق.

ولعل من أبرز ما قيل في هذا الأمر ما صرح به الأكاديمي ومستشار المخلوع مبارك الأسبق، مصطفى الفقي، والكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، بعد محاولة الثورة، فقال الأول إنه من المستحيل أن يحكم مصر رئيس لا ترضى عنه إسرائيل والولايات المتحدة، وكان الفقي يقصد بالطبع الحكم المستقر المستمر، أما الثاني فصرح في "الأهرام" قبل الانتخابات الرئاسية في 2012م بأيام: إن أمريكا لا يمكن أن تسمح لرئيس إسلامي أن يحكم دولة تطل على البحر المتوسط.

جاء عام 2013م بمحنة عارمة للجماعة للأسف لم تقدها هي الأخرى لمراجعة نفسها لمعرفة الخلل ومحاولة الخروج من تبعات قرابة 10 سنوات من الأزمة، فضلا عن تعديل المنهج والمسار بما يفيدها وينمي انتماءاتها لمصر وغيرها

وقعت محاولة الثورة في إشكالية معقدة أخرى لا تقل عن النقطتين السابقتين، إذ واكبت ما ظنته جماعة الإخوان المسلمين استواء منظومة انتشارها والتمكين لها في مصر وفق رؤية مؤسسها الراحل الإمام حسن البنا، رغم إشكاليات الرؤية نفسها ووفاة صاحبها عام 1949م، واعترافه قبلها بأنه "تسرع" بالخروج بها من المسجد للحياة، خاصة السياسية، دون تربية كافية لأتباعه وأولهم الشباب، ورغم أن الرؤية نفسها قادت لأزمة عارمة للجماعة في 1954م وعصف الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بها بعد ما عدته الجماعة واحدا من أبرز أتباعه. ثم كان عدم مراجعة الجماعة للسياق الفكري والمنظومة الحركية التي قادت للأزمة وتكرارها -لحد ما- في 1966م، وجاء عام 2013م بمحنة عارمة للجماعة للأسف لم تقدها هي الأخرى لمراجعة نفسها لمعرفة الخلل ومحاولة الخروج من تبعات قرابة 10 سنوات من الأزمة، فضلا عن تعديل المنهج والمسار بما يفيدها وينمي انتماءاتها لمصر وغيرها.

بقي أن التحديات الكبرى التي تواجه مصر الآن هي محصلة ديكتاتورية الجنرال ثم خيبات أمل خطيرة لصادق القوى الثورية، تزداد المحصلة خطورة لما ترتبط بندم على اختيارات أثبتت الأيام أنها أكثر من سيئة ومنها -للأسف المرير- تعيين عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع في آب/ أغسطس 2012م، وترقيته ترقيتين استثنائيتين في سابقة بالغة الندرة، ومنحه ثقة مطلقة رغم علامات الاستفهام الكبرى التي كانت تدور حوله كمدير للمخابرات الحربية في عهد مبارك.

تضافرت خيبة الأمل والشعور بلوم الذات مع الواقع المتردي للأمة خاصة في غزة وعموم فلسطين، حيث كان من المفترض أن تشارك الجماعة في منع الأحداث المزلزلة التي تتعرض لها، بالإضافة لواقع مصر الداخلي الأكثر من سيئ بفعل انفرد الديكتاتور بحكمها على عين الغرب

فقد تضافرت خيبة الأمل والشعور بلوم الذات مع الواقع المتردي للأمة خاصة في غزة وعموم فلسطين، حيث كان من المفترض أن تشارك الجماعة في منع الأحداث المزلزلة التي تتعرض لها، بالإضافة لواقع مصر الداخلي الأكثر من سيئ بفعل انفرد الديكتاتور بحكمها على عين الغرب؛ فمن تضاعف الدين الخارجي والداخلي لمرات والتهديد الذي تتعرض له حصتها من مياه النيل، إلى القبضة الأمنية الخانقة التي يتعرض لها الثوار، أو حتى مَنْ يشك في انتمائه للمسار النضالي. فإذا نظرنا لواقع الأحوال الاقتصادية المترتب للاستجابة لمتطلبات صندوق النقد والتماهي في الوقوع في فخ الديوان لأقصى درجة؛ علمنا أن واقع الحياة في مصر يزداد صعوبة على المواطن العادي الكادح ساعة بعد أخرى لا يوما بعد آخر، ويكفي أن المصريين لا يكادون يجدون الدواء للعلاج فضلا عن تعذر الغذاء.

لقد كانت محاولة الثورة منذ 13 عاما فرصة كبرى لنهضة شاملة لمصر تم تأجيلها لحين آخر، كما كانت أحداث انتفاضة 16-17 كانون الثاني/ يناير 1977م مقدمة لـ25 يناير 2011م، فإن أعمار الشعوب والثورات تتقلص فيها السنوات وتتواصل المحاولات شريطة أن تستفيد القوى المناهضة المخلصة من أسباب تأجيل حصاد 25 يناير الإيجابي وتحسن إدارة المرحلة الراهنة، فتراجع نفسها وتنقي صفوفها من أصحاب المصالح والمنافع الذاتية، ليتواصل المسار الثوري الجاد الحقيقي قريبا وصولا لبداية نهضة مثمرة لمصر ومن ثم الأمة!
التعليقات (0)