كتب

قراءة أكثر شمولية لمشاركة الإسلامين في الثورات العربية.. كتاب جديد

واجهت الشرائح الشبابية والتغييرية ما يمكن وصفه بـ"الحزب العميق" الرافض للتغيير داخل التيارات الإسلامية.
واجهت الشرائح الشبابية والتغييرية ما يمكن وصفه بـ"الحزب العميق" الرافض للتغيير داخل التيارات الإسلامية.
الكتاب: "الإسلاميون والثورات العربية"
المؤلف: مجموعة مؤلفين
الناشر: الأهلية للنشر والتوزيع


في هذا الكتاب يقدم مجموعة من الدارسين العرب قراءاتهم التحليلية لمشاركة الإسلاميين في الثورات العربية (الربيع العربي) في إطار مشروع بحث يرى القائمان عليه، خالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والإعلام العربي، وعبدالله باعبود، أستاذ العلاقات الدولية، أنها إضافة جدية إلى الأدبيات الموجودة حول الموضوع، منبعها طبيعة الباحثين أنفسهم وعلاقتهم به، فهم من البلدان العربية ذاتها قيد الدراسة، وشهدوا هذه الثورات وتابعوا دور الإسلاميين فيها عن قرب، بحثا ونقدا وانخراطا، وبعضهم كان قريبا من الحركات الإسلامية نفسها. لذلك فإن مساهماتهم تأتي من رؤية داخلية للحدث، مع القدرة على نقده من الخارج، بحسب الحروب وباعبود.

يتناول الباحثون المشاركون تجارب الإسلاميين، كل في بلده، مقترحين عددا من الإسئلة المحورية والإشكاليات، حول التحولات الكبرى المرتبطة بهذه التجارب، مع التركيز على خصوصية كل تجربة منها. وينحاز أغلب الباحثين ومحرري الكتاب إلى وصف "الثورات العربية" وليس "الربيع العربي" لأنهم، بحسب ما يذكر الحروب وباعبود في المقدمة، يعتقدون أن الوصف الأول أكثر صلابة ودقة من الآخر. فما وقع في الدول العربية منذ أواخر العام 2010 انتفاضات حقيقية، أسبابها عميقة وممتدة لعقود، ومنطلقاتها محلية وإقليمية، وشارك فيها الملايين من الناس، وسقط فيها آلاف الضحايا. في حين ينطوي مصطلح "الربيع العربي" على إيحاءات وتشبيهات مستوردة من التجربة الأوروبية في القرن العشرين، إضافة إلى ما ينقله من حمولات سياسية وأيديولوجية لها علاقة بمناخ الحرب الباردة والأجندة الغربية الليبرالية التي كانت تدرج الثورات، خاصة في دول أوروبا الشرقية، في سياق صراعها مع الاتحاد السوفييتي آنذاك. واستخدام هذا المصطلح ينقل قسرا حراك الثورات العربية إلى مسار "الدمقرطة الافتراضي" الذي تقوده شعاراتيا الولايات المتحدة الأمريكية، فيحرم أبناء هذه الثورات ومن ماتوا لأجلها من ملكيتهم الحصرية لها.

تجارب فاشلة

تفصل هبة رؤوف عزت ومحمد عفان في أهم محطات المراجعات داخل جماعة الإخوان المسلمين منذ العام 2013، بعد أن استقر كثير من قيادات الحركة خارج مصر، ويبينان أهم السمات التي شهدتها هذه المراجعات بالتوازي مع انقسامات طالت الجماعة نتيجة تنافر الرؤى وتعارض المصالح والتحالفات، مع تسجيل ملاحظات حول مستقبل وصيغ المراجعة الممكنة والفئات التي يحتمل أن تنهض بالجماعة. بينما يركز خليل عناني على تحولات السلفيين السياسية في مصر وأثر ذلك على خطابهم وممارساتهم، خاصة جماعة "الدعوة السلفية" وذراعها السياسية "حزب النور".

الانتفاضات العربية لم تؤثر جوهريا في التقسيم التقليدي للإسلاميين، كما كشفت عن عدم رضا قواعد الإسلاميين ونخبهم الشابة عن القيادات
ومن تونس يحاول صلاح الدين الجورشي تلخيص جانب مهم من المأزق الذي انتهى إليه الإسلاميون بعد ثورة العام 2011، ويطرح أسئلة حول: كيف أثرت الثورة في الإسلاميين فكرا وممارسة؟، وكيف أثرت مشاركتهم فيها في المشهد التونسي؟ وما السجالات التي تبلورت في ضوء هذه المشاركة؟ مشيرا في خلاصة بحثه إلى أن ثمة انطباع سائد لدى التونسيين يميل بشكل قوي نحو اعتبار التجربة فاشلة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وأن "الأدوار التي قامت بها حركة النهضة لم ترتق إلى حجم ما ينتظره الشعب الذي راهن على الثورة، واكتشف أن نخبه السياسية عامة والإسلاميين خاصة لا يملكون برنامجا، ولا القدرة على تغيير الواقع".

عبد العلي حامي الدين يشرح بالتحليل المطول مواقف الإسلاميين في المغرب وتحديدا حزب العدالة والتنمية، الذي قضى في الحكم، خلافا لتجارب الإسلاميين في العالم العربي، عشرة أعوام، بل واستثناء من التجربة الحزبية المغربية. بينما يهتم سعيد سلطان الهاشمي بإثارة النقاش حول تفاعل الإسلاميين في عُمان مع أحداث الربيع العربي وبعده، وكيف نجحت السلطة في امتصاص الغضب الشعبي، واستعادة سيطرتها على المجتمع والدولة بكلفة مالية كبيرة، نجم عنها ديون وعجز في الموازنات تراكمت طول العشرية اللاحقة. ويناقش أسامة كعبار دور التيارات الإسلامية في ليبيا بعد الثورة ويرى أن جماعة الإخوان المسلمين في انتقالها من المعارضة إلأى السلطة سقطت في هوة الارتباك، حيث بدا واضحا الفارق بين شعاراتها وخطاباتها من جهة وسياساتها العملية من جهة أخرى، ما أفقدها ثقة الشارع الليبي بشكل عام.

ويتتبع محمد أبو رمان تحولات وتطورات جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في الأردن، في مرحلة ما بعد الربيع العربي، من خلال ثلاثة اتجاهات رئيسية: العمل السياسي والعلاقة مع النظام، وتطور الخطاب الأيديولوجي، وأخيرا الحراك التنظيمي داخل الجماعة الذي شهد تطورات كبيرة، أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما سمي "الجناح المعتدل" باتجاه تأسيس تجارب جديدة. في حين يقدم باقر النجار قراءة نقدية لمجمل الحراك الشعبي في دول الخليج العربي، لافتا إلى أن جل الكتابات العربية حول الربيع العربي قد استثنت منطقة الخليج من الدراسة، إذ اعتبرت أن الحالة الاقتصادية والسياسية والثقافية القائمة لا تجعل من هذه المجتمعات بيئة قابلة للتفجر، أو يسمح سياقها العام بأن تشكل حالة معارضة لأنظمة الحكم القائمة.

وينطلق عبدالرحمن الحاج في مساهمته حول سوريا من النظر إلى الحركات الإسلامية بشكليها الرئيسيين: الإسلام السياسي، والجهادية السلفية، على أنها تعبيرات اجتماعية عن الأزمات السياسية بعد نشوء الدولة الحديثة والحقبة الكولونيالية التي مرت بها. فهي حركات تحاول مقاومة الواقع الناشئ في الدولة الوطنية الحديثة بسبب ما تراه من تهميش للشريعة الإسلامية.

ويرى الحاج أن تنظيمات الإسلام السياسي ظلت في منأى عن التغيير، وحافظت على بنيتها التنظيمية وخطابها السياسي، وحيث أنه لم يتح لها دور في ممارسة الحكم، فلم تكن مضطرة لتقديم أي نوع من التنازلات ولا إجراء مقايضات في مواقفها السياسية. وتحت عنوان "إسلاميو السودان من صناع أول انتفاضة إلى الانتفاض عليهم" يقدم خالد التيجاني النور قراءة نقدية لتجربة الإسلاميين السودانيين، الذين ظلوا عاملا فاعلا في المشهد السياسي، وحاضرا في الانتفاضات الثلاث التي عرفها السودان (1964، 1985، 2018) ولكن للمفارقة في مواقف متباينة.

الغائب الحاضر

من خلال مساهمات المشاركين يرصد محررا الكتاب، الحروب وباعبود، ملاحظات إجمالية حول مشاركة الإسلاميين في الثورات العربية ومآلات ما بعدها، منها أن الإسلاميين انتقلوا في الثورات وبسرعة قياسية مربكة من الهوامش التي اعتادوا الاشتغال فيها، إلى قلب المشهد السياسي في معظم البلدان العربية. وحتى في مرحلة ما بعد الثورات، وسيطرة القوى المضادة للثورة، فإن غياب الإسلاميين عن المشهد كان غياب "الغائب الحاضر"، وتغييبه يؤشر على توتر الأنظمة من جهة، وعلى استمرار ما تراه تهديدا إسلاميا لسيطرتها على الحكم.

سرعان ما تشكل محور الثورة المضادة، والذريعة الأسهل امتطاء والأكثر تسويقا كانت استهداف الإسلاميين وتصنيفهم "جماعات إرهابية".
من جهة أخرى تشير فصول الكتاب إلى أن الانتفاضات العربية لم تؤثر جوهريا في التقسيم التقليدي للإسلاميين، كما كشفت عن عدم رضا قواعد الإسلاميين ونخبهم الشابة عن القيادات، وكما واجهت قوى الثورة ما وصف ب"الدولة العميقة" فقد واجهت الشرائح الشبابية والتغييرية ما يمكن وصفه بـ"الحزب العميق" الرافض للتغيير داخل التيارات الإسلامية. فكريا وأيديولوجيا تلفت المشاركات البحثية إلى عمق التغيير الإيديولوجي والسياسي داخل الكتلة الإخوانية الأهم في الإسلاميين، مثل مصر والمغرب والأردن وتونس واليمن، وكذلك داخل الكتلة السلفية، وخاصة في مصر.

وشملت المسائل الأكثر نقاشا التوتر الدائم بين التطلعات والشعارات الأممية العابرة للحدود، والمطالب والأجندات المحلية الملحة على هذه الحركات، أو إشكالية الأممي مقابل الوطني. كذلك مسألة ترسيم الحديد بين ما هو دين وما هو سياسة. في سياق آخر فقد شهدت تجارب الثورات العربية شراسة لافتة من قبل معارضي الإسلاميين ضد حضورهم المتصاعد في المشهد السياسي، ولا يعني هذا أن الإسلاميين كانوا أقل شراسة في تعاملهم مع خصومهم في السياق الوطني، فقد فشلوا في كل حالة كانوا فيها القوة الرئيسية في البلاد في بناء تحالفات وجسور ثقة مع الأطياف الأخرى في المعارضة. وأنتجت هذه الشراسة المتبادلة أنماطا من التدمير الذاتي داخل الثورات، الأمر الذي ساهم في تعظيم مكاسب الأنظمة الحاكمة ضد الانتفاضات.

كما كشفت الثورات العربية عن مستوى آخر من الشراسة على مستوى إقليمي ودولي وإسرائيلي، أولا ضد مشروع الدمقرطة العربية وتوسيع المشاركة السياسة، لأن ذلك يهدد الأنظمة القائمة الموالية للغرب، وثانيا ضد الإسلاميين خاصة. فسرعان ما تشكل محور الثورة المضادة، والذريعة الأسهل امتطاء والأكثر تسويقا كانت استهداف الإسلاميين وتصنيفهم "جماعات إرهابية".

يتساءل باعبود والحروب عما إذا كانت حالة الثورات العربية، ومشاركة الإسلاميين فيها، قد قادت إلى استنفار كل القوى السياسية بما فيها الأنظمة الحاكمة، في اتجاه القضايا والأسباب العميقة التي قادت إلى الثورات مثل: غياب العدالة الاجتماعية، وغياب الحرية والكرامة الفردية والوطنية، وغياب المشاركة السياسية الفاعلة، وفشل الاقتصاد والفساد، والارتهان للخارج؟ وهل يمكن الزعم أن مضاعفة الأنظمة الاهتمام بهذه المسائل أو بعضها حفاظا على استقرارها، يعد نجاحا غير مباشر وجزئيا لتلك الثورات؟

ويتابعان: "لكن كيف يمكن تطبيق هذه المعايير في البلدان التي قمعت فيها الثورات بضراوة، وفاقمت السلطات فيها من سياساتها القمعية؟ هل يمكن الجدل في هذه الحالات أن الثورات فشلت حقا؟..لكن ألا تعني مضاعفة سياسات الاستبداد وتعظيم أدوات القمع والمراقبة اللصيقة، وعدم التسامح مع أي اختلاف سياسي أن النظام صار يستشعر وجود وعي جديد حول المطالب التي طرحتها الثورات العربية: الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية؟ وبناء عليه فإنه يمكن الزعم أن الثورات بذرت بذور هذا الوعي الجديد والعريض..، حتى لو فشلت تعبيراته الثورية المباشرة في موجتها الأولى في العامين 2010 و2011".
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم