مقالات مختارة

السيسي تجسيد للمشكلة وليس حلا لها

ديفيد غاردنر
1300x600
1300x600
توقع الكثيرون أن تنتهي الفترة الانتقالية بعد الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش بتنصيب عبدالفتاح السيسي إلها، "فالرجل الذي ترقى لرتبة المشير قبل أيام من قبل أصدقائه الجنرالات، يستخدم تلك الترقية لتعزيز حملته لرئاسة الجمهورية"، وهو كما تقول الصحيفة "يفرح بالتملق كوثن فرعوني يُصَلى له في الصباح".

لم يكن هذا هو ما عليه ميدان التحرير قبل ثلاث سنوات عندما ساعد الجنرالات في إبعاد حسني مبارك عن السلطة باعتباره الفرعون الذي لم يعد الإبقاء عليه ممكنا، وإذا استطاع المشير الجديد المضي قدما في حملته وانتخاب نفسه رئيسا، فإن الاضطراب في البلاد لا يتوقع أن ينتهي، بل إن مطالب سكان مصر وغالبيتهم من الشباب ستستمر، إذ أن التملق -عادة- ما يكون سريع الزوال.

الجيش الذي وضع حدا لحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي بعد أن انهار حكم الإخوان خلال سنة واحدة يقول أنه يعتمد خارطة طريق إلى الديمقراطية، لكن الجيش في مصر يستغل كل فرصة ممكنة لاستعادة السمات الأساسية للدولة الأمنية في عهد مبارك. في ديسمبر الماضي أُعلن الإخوان المسلمون جماعة إرهابية، ومُلئت السجون بعشرات الآلاف، ليس فقط من الإسلاميين، وإنما من النشطاء العلمانيين الذين شاركوا بقيادة ثورة يناير.

للأسف الشديد، التعامل الأمني صار مطلبا شعبيا بعد تحريض من وسائل الإعلام المحلية في شكل من أشكال "مطاردة ساحرات العصور الوسطى". حتى بدون وجود أمن الدولة، الرغبة الشعبية في الحلول الأمنية بعد ثلاث سنوات من الاضطراب تعطي فرصة ضخمة للسيسي!

وحتى إن لم يتم دعم الحلول الأمنية شعبيا في البرلمان المقبل، فإن الدستور الحالي الذي حصل على موافقة بالإجماع تقريبا بين من صوتوا عليه يضمن استقلالا سياسيا واقتصاديا للجيش عن الدولة. عبدالمنعم أبوالفتوح، الإسلامي المستقل الذي رشح نفسه للرئاسة سابقا في مصر دعا البلاد بـ "جمهورية الخوف" التي لم يعد ممكنا التنافس على السلطة فيها.

 لكن كيف سيستطيع السيسي، حتى على اعتبار أنه يضع مصلحة مصر قبل كل شيء في ذهنه، كيف سيستطيع حل مشكلاتها العميقة؟

 نموذج السيسي الناشئ يختلف بشكل ما عن ولاية مبارك، إنه يميل بالسلطة تجاه الجيش وبعيدا عن الأجهزة الأمنية، وعلاوة على ذلك، فإن السيسي لديه شعبية حقيقية، لكن، وكما ظهر حتى الآن، فإنه لو قرر الاعتماد على الخطاب الشعبوي بدلا من الإصلاح الحقيقي الشامل، فإنه سيخسر كل رهاناته. الليبراليون التكنوقراط الذين كانوا قادرين بشكل ما على قيادة التغيير، مثل زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء، استقال وترك الحكومة.

 التغييرات الاقتصادية التي صاغها نظام مبارك كانت قد صُممت بشكل جيد لكنها في نهاية المطاف تعمل كمنصة للرأسمالية والمحسوبية، وهي تشكك في الرغبة في الإصلاح من الأساس.
الحرب على الإرهاب التي تقودها السلطة في تجريم لأكثر من ربع المصريين، أصبحت نبوءة ذاتية التحقق وتحولت البلاد إلى ملتقى ومغناطيسا للجهاديين.

 لكن المشير السيسي ليس سببا للمشكلة في الحقيقة، إنما هو تجسيد لها. الجيش في مصر هو المؤسسة الوطنية الأساسية، كما أنه المصعد الاجتماعي الرئيسي لكل من يريد الترقي في السلم الاجتماعي لمصر. هذه المنطقة منكوبة بالفقر المؤسساتي. إن هذا ينطبق حتى على تركيا التي يخوض رئيس وزرائها معركة منهكة مع أتباع الداعية فتح الله غولن، حلفائه السابقين الذين ساعدوه على تدجين جنرالات تركيا! والسبب الجذري في تلك المعركة هي المنافسة لالتقاط المؤسسات من القضاء إلى التعليم، هذا يعني في شكل ما العودة للاستعانة بالجيش في تركيا، وهذا بالتأكيد أمر شديد الإغراء بالنسبة للسيسي. 

 في مصر، كما هو الحال في تركيا، هناك حاجة حقيقية للوصول إلى توافق شامل في الآراء بين القوى الاجتماعية والسياسية بشأن نموذج شامل لبناء الدولة. الخطيئة الأساسية والمشتركة بين تلك القوى جميعها هي الثقافة السياسية التي تقول أن الفائز يجب أن يحصل على كل شيء! 

 ترجمة نون بوست عن فايننشال تايمز

https://www.noonpost.net/content/1835













التعليقات (0)