كتاب عربي 21

الذين يصدقون الإعلام المصري

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
تقدمت نحوي السيدة وهي تبتسم ابتسامة المندهش، محترمة، محتشمة، غير محجبة، تتهادى بجمالها الخمسيني المحبب، بشرتها السمراء تشي بأنها أم مصرية تقليدية، وقفت أمامي وقالت: "حضرتك فلان؟"

قلت لها: نعم.

قالت: "هو مش حضرتك سافرت قطر من أسبوع؟ وهربت من القضية اللي عليك؟"

قلت لها : "من قال ذلك؟"

قالت: "المذيع الفلاني في القناة الفلانية، والمذيع العلاني في القناة العلانية".

قلت لها: "ولكن هؤلاء لا يستحقون أن تطلقي عليهم مذيعين أصلا يا سيدتي، إنهم مجرد مخبرين عينتهم الأجهزة الأمنية لأداء دور معين، مؤهلاتهم الكذب، وليس التخصص"!

قالت لي: "يعني حضرتك ما سافرتش؟"

قلت لها: "يا سيدتي أنا قدامك بشحمي ولحمي .. هؤلاء المذيعون أنفسهم، وهذه القنوات نفسها، (كانوا عاملين حفلة بمناسبة منعي من السفر قبل ذلك بأيام)، فكيف أسافر وأنا ممنوع من السفر أصلا؟؟!"

قالت السيدة: "أيوه صحيح ... ازاي؟"

قلت لها: "إزاي؟ بالكذب...!"

انتهى الحوار بعد عناء، والسيدة المسكينة لا تصدق أن هناك من يفبرك أحداثا وروايات مكذوبة من أساسها بهذا الشكل الفج.

والحقيقة أننا نعيش في أقذر وأوسخ عهد من عهود الإعلام، والغالبية العظمى من "نجوم" هذا العهد القذر قد حصلوا على رخصة مزاولة المهنة في عهد المخلوع مبارك، ومؤهلاتهم أنهم مُسَيَّرون، مُوَجَّهون، بلا ضمير، يعرفون اتجاه الريح، ويدركون من أين تؤكل الكتف، وكل قرون استشعارهم موجهة نحو إرضاء الحاكم، وجمع المال.

أشفق على المشاهد المصري!
ملايين المصريين اليوم مثل هذه السيدة التي التقت بي، لا يتخيلون أن يصل الكذب إلى هذه الدرجة الرهيبة، وأنا هنا لا أدافع عن أي فصيل أو جماعة أو حزب، بل أدافع عن مهنة مقدسة عملت بها، ويشهد الله أنني لم أكن أتخيل أن يصل غالبية المنتمين لهذه المهنة إلى درجة من التسفل لا يتصورها العقل، فأصبحت الخصومة السياسية، وأوامر الجهات السيادية تبيح لهؤلاء أن يحرضوا الناس على قتل جيرانهم وأبناء بلداتهم وإخوانهم في الوطن، أصبح هؤلاء لا يستحون من اتهام بطة بالتخابر، واتهام لعبة بالتجسس، واتهام مُقْعَدٍ بالإرهاب!

إن ما يفعله هؤلاء اليوم سوف ينعكس على مستقبل هذه المهنة لسنوات طوال، وبعد أن يسقط هذا النظام ويكتشف الناس حجم الكذب والتزوير سيشكون في كل من يظهر على الشاشات، وسيصبح العمل الإعلامي سبة في جبين كل من يعمل في هذا المجال.

أما من يحاول أن يتقي الله في الناس، أو يحاول أن يتذكر كلمة "المهنية"، أو قيمة "الأمانة"، فإن مصيره يكون الضرب بالأحذية، كما حدث لمراسل أحد القنوات المصرية، فقد ضربته الشرطة وأهانته، وما كان من مالك القناة إلا أن قال إننا لا بد أن "نتعاون" مع الشرطة!

الصحفيون المهنيون اليوم لا ثمن لهم، ومصر أصبحت من أخطر الدول في العالم من حيث خطورة العمل الإعلامي على الصحفيين، وحصلنا على المركز الثالث بجدارة في ترتيب الدول التي يقتل فيها الصحفيون، كل ذلك يحدث ولا أحد يهتم، وإعلاميو أمن الدولة يبثون سمومهم صباح مساء.

إن فضيحة الإعلام المصري أصبحت حديث الناس في العالم كله، نواب البرلمان الأوروبي دعوا في بيان لهم منذ أيام إلى الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والمضايقات ضد المعارضين والصحفيين وممثلي المجتمع المدني، وطالبوا الحكومة المصرية بضمان أن يعمل هؤلاء بحرية.

وانتقدت الولايات المتحدة وبريطانيا هذا الأسبوع الحملات التي تشنها السلطات المصرية على معارضيها وعلى الصحفيين بهدف ضرب حرية التعبير. 

مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نافي بيلاي أدانت اعتقال ومحاكمة صحفيين، ورأت في ذلك ضربا لحرية التعبير.

فماذا كان رد أهل الحكم في مصر؟

لقد رد المتحدث الرسمي باسم الخارجية بمحاضرة عن الاستقلال الوطني، وعن محاربة الإرهاب!

نحن لا نتذكر استقلال القرار الوطني إلا عند البطش بالمواطنين أو بالحريات!

نحن لا نتذكر استقلال القرار الوطني إلا عند سرقة المال العام وتصدير ثرواتنا برخص التراب!

نحن لا نتذكر استقلال القرار الوطني إلا حين نتآمر على استقلال هذا الوطن ...!

كنت أود أن أوجه نداء إلى الإعلاميين لكي يحاولوا السيطرة على هذا الوباء الذي يجتاح الشاشات والصحف، ولكن هيهات، فهم من صنعوا هذا الكذب.

صحيح أنهم لم يكونوا أصحاب القرار في إطلاق الحملات المسعورة على شرفاء الوطن، ولكنهم نفذوا الأوامر التي صدرت وبمنتهى الحقارة.

يا معشر المخبرين المختبئين خلف الشاشات .. يوم الحساب قريب، وسيظهر الله الحق، وسيعرف الشعب حقيقة كذبكم وتدليسكم، وسوف تحاسبون على دماء سفكت بسببكم، وأعراض انتهكت بتبريركم، وحريات قمعت بمباركتكم.

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ...


موقع الكتروني :  www.arahman.net
بريد الكتروني :   [email protected]

التعليقات (26)
ابو عامر-الاردن
الثلاثاء، 11-03-2014 11:44 ص
انا مواطن مسلم عربي ...يصيبني الغثيان حينما يدور الريموت بالصدفة الى احدى الفضائيات المصرية ، او تلتف فأرة حاسوبي على موقع اخباري مصري او اسمع الى مسؤول مصري يتساقط الكذب والخبث واللؤم من بين شفتيه ....كلهم ضد الاخوان وكان الاخوان ليشوا بشرا وليسوا مسلمين ولم يحققوا اكثر من 48% من الاصواات في الانتخابات واحد يطالب بمقاطعتهم كما قاطعت قريش اصحاب الرسول في شعب بني هاشم ..واخر ذو عمامة قذرة بالنفاق والدجل يطالب نساء الاخوان بالطلاق من ازواجهم ..قنابل موقوته داخل البيوت لا اقول الا حسبنا الله على من وضع يده بيد اليهود والامريكان والمنفاقين من شيوخ البترول
فدوى عطية محمد
الأربعاء، 19-02-2014 03:39 ص
لقد انتشر التضليل في الاعلام ولكن يبقى الخير رغما عن المضللين في الاعلام وهناك ربنا قادر ولكنهم نسوه
ahmed
الثلاثاء، 18-02-2014 01:58 م
الانقلاب كان بمثابة الفرق بين الحق والباطل ولا تظهر الرجالالا فى وقت الشدائد
مصطفى مهينة
الإثنين، 17-02-2014 07:07 م
وماذا عن اقزام القزامة منهم براء..ثم هل هؤلاء ممن يسحقون عناء الرد عليهم ــــ سيدى مع كل اختلافى معك فى الراى احيانا لاكننى عادة احترمك واحترم اختلافى معك ..لوضوح اتجاهك .. ..
وفاء العنتبلى
الأحد، 16-02-2014 08:07 م
البضاعة التى لا تجد مشتر ...تبور ...ولكن بضاعة الكذب الرخيص التى ينشرها الاعلام صباح مساء تجد من يشتريها اى من يسمعها ويصدقها مهما بلغ الكذب حد اللامعقول ...الناس تصدق الخبر ونقيضه فى نفس الوقت ...فلا تأس على القوم المجرمين

خبر عاجل