مقالات مختارة

الخليج.. بين الأمن والنور

علي الظفيري
1300x600
1300x600
يا لها من مفارقة، إن أي نظام سياسي في العالم، يقدم نفسه للجمهور في انتخابات حرة ونزيهة، يحلم، كأقصى ما يمكن أن يتمناه، الحصول على 60 إلى %70 من أصوات الناخبين، وإن حدث هذا، فإن هذا النظام يكون قد حصل على كامل الشرعية في إدارة البلاد، ودون أي منازع على الإطلاق، وله مطلق الحرية في التصرف داخلياً وخارجياً بثقة كبيرة.

 في المقابل، لدينا أنظمة في دول الخليج، لا تخضع لأي استفتاء على وجودها، ولا تواجه أية تحديات في صناديق الاقتراع، ولا يفكر أحد بمنافستها، ويمكن الجزم بأنها تحظى بقبول شعبي عام، تقول الشواهد: إنه قد يصل إلى أكثر من %90، ومع ذلك، تنشغل بأمنها وبقائها بشكل هستيري، يجعل من الصعب عليها قبول رأي مخالف، أو احتجاج بسيط، أو حتى امتناع مثقف عن مديحها والثناء على عظمتها صباح مساء!

مؤخرا، اتجه الشيوخ في الخليج إلى الاتفاقية الأمنية، وقد فعلوا ذلك متجاوزين كل شيء تقريباً، خلافات السياسة بينهم، التخبط الذي يخل بأمن المنطقة ويهدد مستقبلها، نواقص التعاون الضرورية والملحة والمعلقة منذ عام 81، الآمال الكبرى المعلقة على هذا التكتل الغني الفقير، واختاروا الأمن عنواناً وحيداً وكبيراً لعلاقتهم الغريبة، وقد فعلوا ذلك وكأن خطراً داخلياً شعبياً يتهددهم، وكأن الجماهير على وشك الانتفاض لإسقاطهم، وهذا غير صحيح، الشيء الوحيد الذي يتربص بهذه الأنظمة ويشكل تحدياً لسلطتها وبقائها واستمرارها هو العقل الأمني المسيطر على تفكيرها، والذي يحدد لها ما تفعل وما لا تفعل في إدارتها للبلاد، الأمن الذي يجعلها تتردد عن اتخاذ الخطوات الصحيحة بحجة عدم الظهور بمظهر الضعيف أمام شعوبها، تخيلوا ذلك!

إن الانشغال بالأمن -بشكل هستيري- لا يجلب الأمن إطلاقاً، بل يزيد من احتمالات ضعف الأمن على المدى الطويل، وهذا العمل، يحفز كل ساكن ومستقر ويجعل منه منطقة توتر وقلق، والإجراءات التي تتضمنها اتفاقية الأمن، والتي يعتقد بأنها تعالج المخاوف الأمنية عند المتفقين، إنما هي تعززها وتستثيرها وتزيد منها وليس العكس، ماذا نفعل إذا؟ هناك الكثير، أولاً على أنظمة الخليج أن تقر بحقيقة لا يمكن تجاهلها، لا يوجد إدارة في الكون تحظى بقبول كامل من الجمهور، حتى لو كانت إدارة مثالية بمعنى الكلمة، كيف إذا كانت على النحو الذي نشهده في الخليج، ما يمكن القيام به أولاً وقبل شيء أن نكون بشراً، وأن نبتعد عن أوهام الإلوهية المصاب بها بعضنا، وأن ندرك أن الشوارع والمساكن والرخاء النسبي الذي نحن عليه بفضل العائدات المهولة من بيع النفط، وليس نتيجة العبقرية أو الذكاء الخارق للعادة لدى الأنظمة، ومع ذلك، يمكن الثناء هنا من باب العدالة النسبية التي اتسمت بها هذه الأنظمة وقربها من الناس، مقارنة مع الأنظمة العربية الأخرى وكيفية إدارتها لبلدانها، وبدل أن نحارب النقد المسلط على أوجه النقص في الأداء، دعونا نعمل على معالجة هذه النواقص، لدينا الشرعية الكاملة والرضا العام، ماذا يمنع من الاعتراف بالأخطاء والعمل على معالجتها كأي نظام بشري!

دعونا نتجول في ثلاث مدن خليجية، وبشكل سريع، دبي وجدة والدوحة، ماذا يمكن أن تشاهد؟ أقصد كملمح عام لهذه المدن، لا بد وأن تلحظ أنك أمام تجمعات عالمية، في دبي المدينة الإعلامية التي تضم مئات المحطات التلفزيونية، وعشرات المؤتمرات، وكل جنسيات البشر معك في مدينة واحدة، في الدوحة أعظم الجامعات العالمية، وأهم المؤتمرات، ومعظم السياسيين والفاعلين في العالم العربي وسواه، والجزيرة، وفي جدة مؤتمر سنوي يعادل كل المؤتمرات، ومدينة تشبه قارة بتعدديتها وانفتاحها وفاعليتها، ألا توحي هذه الأمور بشيء ما، ألا يمكن التفكير بشيء آخر غير الأمن، أقصد الهستيريا الأمنية التي تسيطر علينا، والاتجاه إلى مراكز تنوير وتفاعل حقيقي، إن الإمكانيات المتوفرة لدى دول الخليج لا تعوض على الإطلاق، وهذه الدول أصبحت مراكز فاعلة في المحيط العربي دون أدنى شك، إن كل عمل جيد تتوفر له الظروف المناسبة في الخليج، لو توفرت الإرادة لذلك، ساعتها يتحقق الأمن مضافاً إليه الرضا والاستقرار والصلاح، وتكون الأجهزة الأمنية موجهة لمحاربة الجريمة، لا لمحاربة المجتمع وضرب استقراره.

(العرب القطرية)
التعليقات (0)